حرية ـ (2/11/2024)
دنيز رحمة فخري
على عكس ما تفرضه الحروب على الشعوب من وحدة أمام ما يتهددها من خطر خارجي، كرست حرب إسرائيل على “حزب الله” الانقسام اللبناني، حيث البيئة الحاضنة للحزب لا تزال على حالها بل اتسع احتضانها لاحتواء التحدي الجديد من جهة، والوقوف في وجه معارضي الحزب الذين يرونه إيراني المنشأ، بخاصة أن هؤلاء، أي المعارضين، رفعوا سقف طموحاتهم السياسية، ورفضوا العودة لما كانت عليه الأمور قبل الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وباتت التهديدات والتوعد بالقتل وسيلة بيئة “حزب الله” لإسكات كل صاحب رأي مخالف من سياسيين وأحزاب وإعلاميين، يطالبون بوقف الحرب وتطبيق دستور الطائف والقرارات الدولية بالكامل (1701 و1559 و1680) التي تنص على بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وسحب السلاح من كل المجموعات المسلحة، بما فيها “حزب الله”، ومراقبة الحدود البرية والجوية والبحرية.
حملات تهديد على وقع الحرب
يتولى الجيش الإلكتروني لـ”حزب الله” ومعه إعلاميون مقربون منه مهمة تخوين كل من يتجرأ وينتقد الحرب التي يخوضها الحزب، إلى حد اتهامهم بأنهم يراهنون على إضعاف الحزب والتغيير السياسي الداخلي الذي قد تحققه “الدبابة الإسرائيلية”، كما خرجت تحذيرات وتهديدات من قبل مؤيدي الحزب للمعارضين تتوعدهم بـ “قصاص” بعد انتهاء الحرب.
لم يسلم قائد الجيش العماد جوزيف عون من حملات التخوين، خصوصاً أنه سيكون المؤتمن والمسؤول عن تنفيذ القرار 1701 ونشر الجيش والحفاظ على منطقة خالية من السلاح والمسلحين. وكان مهد لهذه الحملات والاتهامات التلميح الذي جاء على لسان مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف في مؤتمر صحافي، حين توجه لمن سماهم بالمستثمرين بالحرب “بكير كتير لا تستعجلوا”.
حملة تخوين تلاحق كل من يتجرأ وينتقد الحرب التي يخوضها “حزب الله”
وأدوات التهديد والتحريض كثيرة ضد كل المصنفين بالمراهنين على إسرائيل أو بأدواتها، بحسب تعبير بيئة الحزب. ونشرت صحيفة مقربة من “حزب الله” مثلاً مقالة تزعم فيها بأن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على علم بكل ما ستقوم به إسرائيل من عمليات عسكرية بالتنسيق مع السفارة الأميركية في بيروت، وتوعد الصحافي علي مرتضى كل من سينقلب على المقاومة وهدده بالقتل عندما قال “هناك من يراهن على الإسرائيلي ليقتلنا ويغلبنا ونحن لن نغلب وسنقتل الإسرائيلي، وأنت ممنوع عليك أن تتحرك وإذا فكرت بذلك فستقتل أيضاً، وهذا كلام سياسي وجرب، عندما حاولوا في مايو (أيار) الانقلاب على المقاومة وقطع سلاح الاتصالات أكلوا قتلة، ورح ياكلوا قتلة مجدداً، نعم مفتاح البلد سلم لحزب الله”.
وحملات تخوين السياسيين والإعلاميين والشخصيات وهدر الدم تعيدنا للفترة التي صدر فيها بيان المطارنة الموارنة الشهير في الـ20 من سبتمبر (أيلول) 2000، إذ طالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان، ثم ما تلاه من تحركات لما سمي يومها خلية حمد وتظاهرة السواطير، وإلى الفترة التي مارس فيها النظام الأمني السوري اللبناني حملات القمع والبطش والتهديد والتضييق على الصحافيين، مثل داليا أحمد وسمير قصير وغيرهما كثيرين.
اغتيال معنوي
عن حملة التخوين والتهديد التي تطاول حزب القوات اللبنانية ورئيسه تعلق عضو تكتل الجمهورية القوية النائبة غادة أيوب في حديث لـ”اندبندنت عربية” بالقول، إنه “على رغم الاحتضان والتضامن الوطني الذي أظهرته جميع مكونات الشعب اللبناني، وعلى رغم سكوت حزب القوات اللبنانية احتراماً للدماء التي سقطت، يتم رشقنا بتهم العمالة والتخوين بمجرد أننا نطالب ببناء الدولة، دولة القانون التي تحترم القرارات الدولية وتطبق الدستور بجميع مندرجاته وهو دستور الطائف، الذي تم نسفه مثل القرارات الدولية التي عطلها الفريق نفسه الذي يعطل أية فرصة لبناء الدولة تحت حجة وحدة الساحات تارة ومساندة غزة تارة أخرى، وصولاً إلى المطالبة بوقف إطلاق النار قبل انتخاب رئيس للجمهورية”.
أدوات التهديد كثيرة ضد كل المصنفين بالمراهنين على إسرائيل بحسب تعبير بيئة الحزب
وتعتبر أيوب أن “التهديدات التي تطاول رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع هي تهديدات لموقفه المبدئي والصلب الذي يعبر عن مواجهة واضحة غير ملتبسة، وهو يتعرض لحملة شرسة لتعطيل دوره لأنه ومنذ الانتخابات النيابية لليوم يقف سداً منيعاً في وجه تطبيق مشروع الممانعة في موضوع رئاسة الجمهورية، وفي محاولات فرض أعراف جديدة خارجة عن الدستور، ولولا المعارضة والقوات اللبنانية كنا ذهبنا إلى رئيس هو تمديد للنهج السابق، وهذا ما ترفضه الغالبية اللبنانية التي لا تريد الحرب وترفض العودة لما قبل الثامن من أكتوبر”.
أما عن اتهامهم بالاستثمار السياسي في حرب إسرائيل على “حزب الله”، ترد النائبة القواتية “هم يتناسون ويجتزئون الأحداث والمؤتمرات والمواقف التي أدلت بها المعارضة والقوات اللبنانية، لأن من ينتظر نتائج الميدان ونهاية الحرب هو إيران وليس نحن”. وتذكر أيوب بأن “حزب القوات اللبنانية نادى منذ اليوم الأول من حرب غزة في مؤتمر معراب بتطبيق القرار الدولي 1701 الآن، وفي لقاء معراب الثاني رفع الحزب شعار تطبيق الـ1701 والـ1559 و1680، واللقاءان كانا لتجنيب لبنان الحرب ودفاعاً عما تبقى من البشر والحجر”.
تضيف أيوب “لم ينتظر حزب القوات اللبنانية وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب لاتخاذ الموقف المتناسب وفقاً لنتائجها، إنما موقفه كان واضحاً قبل الحرب وبعدها وخلالها وهو يلخص بالمطالبة بدولة يكون فيها الجيش اللبناني هو الجيش الوحيد الذي يبسط سلطته وسلطة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية”.
بحسب أيوب فإن “حزب الله ينفذ اغتيالاً معنوياً في حق رئيس حزب القوات اللبنانية من خلال صحيفة ’الأخبار‘ والأقلام الصفراء التي تذكر بكل مراحل انقلاب الحزب على الدولة، كما حصل في السابع من مايو (أيار)، إذ ثبت أن الهدف كان حماية سلاحه ووجوده. ومع كل انقلاب جديد للحزب على الدستور والدولة اللبنانية يستخدم لغة التهديد التي نفذت في الـ14 من مارس 2005 وفي قضية تفجير مرفأ بيروت، وهم يستعيدون اللغة ذاتها بعد أن تفردوا بقرار الذهاب إلى الحرب وبعد أن تضامن معهم كل اللبنانيين”. وتأمل أيوب أن يكون “حزب الله” تعلم من التجارب السابقة بأن التهديد والاغتيالات لا يمكن أن تؤثر في كل مؤمن بالقضية اللبنانية ومن دفع دماً ونضالاً من بداية تكوين لبنان الكبير حتى اليوم.
صفر خوف
من جهته يرد عضو كتلة حزب الكتائب النائب سليم الصايغ على التهديدات التي يتعرض لها حزبه ورئيسه النائب سامي الجميل، ويؤكد أن “من سيفتح الحساب هو نحن، وسيكون مع من ورط لبنان وذل شعبه وسوق لإلغائه كوطن وحوله إلى ساحة مستباحة أو ورقة خريف في مهب الريح”. وإذ يعترف بأن حزب الكتائب يرفض الـ1701 في معناه الضيق المحصور في الجنوب، وأن الغاية هي نزع السلاح غير الشرعي، وأن كل قراءة أخرى لا تفي بالغرض وتخدم إسرائيل أولاً لأنها تؤسس لفوضى متكررة في لبنان، ويرى أن الذي يهدد اليوم هو الخائف، وخوفه من هزيمته المدوية ليست على يد إسرائيل بل هزيمته يتحمل هو مسؤوليتها، خصوصاً أنه لم يفلح بإثبات أي إنجاز على طريق القدس، وخسر لبنان الذي يلفظه.
التوعد بالقتل وسيلة بيئة “حزب الله” لإسكات كل صاحب رأي مخالف
ويتابع “نحن في نظام ديمقراطي، والقانون وحده يحدد علاقة الناس وينظمها، ومن رفض القرارات البارحة يهرول إليها اليوم لأنها خشبة خلاص كل لبنان”. ويشدد الصايغ على رفض الدخول في لغة التخويف المتبادل، ويضيف “نعتمد على الدولة أما إذا تقاعست فقد ينالون الجسد ليبعثوا الروح العاصفة التي ستخطف أنفاسهم”، ويختم بالقول “صفر خوف”.
التهديد في القانون
يؤكد المحامي سميح بشراوي وعضو مجلس نقابة المحامين سابقاً أن التهديد بالقتل بالمباشر أو غير المباشر هو بحسب القانون اللبناني جنحة يعاقب عليها صاحبها، ويشرح أن قانون العقوبات واضح لجهة ملاحقة كل من يهدد بالقتل، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام شرط أن تكون التهديدات موثقة وثابتة. ويضيف بشراوي “يمكن لكل من يتعرض إلى التهديد أن يقدم شكوى جزائية ضد من هدده وتتحول القضية إلى التحقيق، وعقوبة القتل تتراوح بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة أو الموقتة، وفي حال التهديد بالقتل، وهو بمفهوم القانون يعد جنحة، يمكن أن تكون العقوبة بالسجن بين سنة وثلاث سنوات”.
ويمكن للعقوبة ألا تتعدى الشهر وقد تصل إلى سنة في حال كان التهديد شفهياً، وحتى الإيحاء بسيناريوهات مفبركة تؤدي إلى هدر دم الأشخاص المستهدفين مثل التلميح بارتباطهم بإسرائيل، يعد نوعاً من التهديد ويعاقب عليه القانون أيضاً.
وبكل الأحوال فإن كل التهديدات التي تطلق في حق سياسيين أو إعلاميين أو قادة رأي هي بحسب المحامي بشراوي جرائم يعاقب عليها القانون، ويمكن تقديم أخبار في حق المهددين لتحويل القضية إلى قضية رأي عام تسمح للمدعي العام بملاحقتها وتحول المرتكبين إلى التحقيق.
وفي اتصال مع نقيب المحامين فادي المصري أكد أن نقابة المحامين ستتصدى لهذه التهديدات، مذكراً بأنها نقابة الدفاع عن الحقوق وعن الحريات، مشدداً على أنها ستكون رأس حربة بالدفاع عن كل من يتعرض للتهديد، سواء كان محامياً أم غير محام. ويعتبر المصري أن النقابة باتت الملاذ الأخير للحرية ولما تبقى من أسس حقوق الإنسان، ووعد بخطوات عملية ستتخذها النقابة بانتظار تكوين ملف كامل ومتكامل قانوني.