حرية ـ (2/11/2024)
تفرض التطورات التكنولوجية والافتراضات التي تتعاظم بخصوص المناخ وارتفاع درجة حرارة الكوكب تحولاً في العقلية التي ننطلق منها لتصميم البيئة من حولنا، ويتزامن ارتفاع الطلب على أنظمة التدفئة والتبريد مع تضاعف كلف الطاقة والتشغيل والصيانة للمباني، لذا ينحو التوجه الفكري في العمارة اليوم إلى تصميم مبانٍ موفرة للطاقة لأقصى حد ممكن، والتركيز دائماً على التخطيط الفاعل للواجهات كعنصر أساس في كيفية اتصال المبنى مع البيئة المحيطة.
الـ”بولي كاربونيت” الصديقة للبيئة
وغالباً ما ينطلق المصمم المعماري هذه الأيام من نقطة الاختيار الصحيح للمواد التي بإمكانها الإسهام في دعم فكرة التوفير الطاقي وتفعيلها، وهنا تبرز ألواح الـ”بولي كاربونيت” من المواد التي تستحق الدراسة والاهتمام خصوصاً، نظراً إلى تمتعها بمجموعة من المزايا قد لا تكون موجودة كلها في عنصر واحد، وبها تقدم عرضاً لا يقاوم كمادة مميزة صديقة للبيئة.
وفي هذا الصدد، تُعدّ صناعة البناء ثاني أكبر مستهلك للـ”بولي كاربونيت”، إذ توفر حلولاً متنوعة لاستخدام الإضاءة الطبيعية في المرافق المعمارية، وتسهم أنواع معينة منها في كفاءة استعمال الطاقة في المباني نظراً إلى استثمار ضوء الشمس الطبيعي بغرض تدفئة المباني وإضاءتها.
تطبق على الأسطح والواجهات للاستفادة من أشعة الشمس مع تقليل التوهج
وتتكون ألواح الـ”بولي كربونيت” من خلايا مايكرو دقيقة، وهي عبارة عن مجموعة معينة من اللدائن الحرارية سهلة التشكيل الحراري والصب على شكل مادة بلاستيكية صلبة وشفافة ذات قوة وصلابة ومقاومة للصدمات.
ويأتي الـ”لبولي كاربونيت” في شكله الخام شفافاً تماماً ينقل الضوء بفاعلية الزجاج نفسها تقريباً، لكنه أخف وأقوى من الزجاج وأكثر صلابة من المواد البلاستيكية المماثلة الأخرى مثل “الأكريليك” أو “البولسترين”.
أداء عالٍ
وتظهر هذه المادة أداء جيداً على المدى الطويل، إذ تتميز بمقاومتها لدرجات الحرارة العالية وكذلك الصدمات العالية، إضافة إلى الحماية من الأشعة الضارة، إذ تعد مرشحاً طبيعياً للأشعة فوق البنفسجية، وهي مصممة للتمدد والانكماش مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها، لذا من غير المرجح أن تتشقق أو تنكسر.
وتتمتع بمرونة عالية تسمح بالتعامل والتشكيل حرارياً بأي حجم أو شكل، كما يمكن إعادة تدويرها بسهولة (لأنها تسيل بدلاً من الاحتراق)، مما يجعلها في الأقل أكثر ملاءمة للبيئة من المواد البلاستيكية الصلبة بالحرارة الأخرى.
وألواح الـ”بولي كاربونيت” خفيفة الوزن وذات سمك نحيل وتعطي مظهراً ذا قيمة جمالية عالية، ولا يشترط تركيبها متطلبات لوجستية عالية ومن السهل صيانتها أيضاً، لذا يُعدّ أسلوب بنائها موفراً للطاقة.
توازن مثالي
وتطبق على الأسطح والواجهات للاستفادة من أشعة الشمس مع تقليل التوهج، مما يسمح بدخول الضوء الطبيعي ويوفر الخصوصية البصرية والصوتية من دون الحاجة إلى الستائر ويضفي عمقاً وانعكاساً ولوناً مميزاً، كما توفر الواجهات الشفافة توازناً مثالياً بين ديناميكيات الطاقة الشمسية والحرارية، مما يساعد على حماية المباني من التسربات والرطوبة والأضرار الناجمة عن الطقس، وتضمن منع الهواء والماء من اختراق المبنى، وفي حين تحقق إضاءة داخلية ناعمة ومتساوية أثناء النهار، تخلق أيضاً تأثير “مبنى الفانوس” في الليل، لذا أصبح الـ”بولي كربونيت” بديلاً جذاباً للزجاج في الواجهات.
ويمكن أن تكون هذه الألواح إحدى أدوات “الجدار الترومبي” الأكثر فاعلية، و”الجدار الترومبي” ميزة بناء شمسية سلبية تعمل على تعزيز الكفاءة الحرارية، إذ يخترق الإشعاع الشمسي الزجاج أثناء ساعات النهار ويسخن الجدار الحجري، ثم يطلق هذا الجدار الحرارة المخزنة ببطء في المبنى أثناء ساعات الليل الأكثر برودة، مما يحافظ على درجة حرارة داخلية أكثر ثباتاً من دون الحاجة إلى أنظمة تدفئة.
يمكن استخدامها مع أنظمة تأطير الألومنيوم (أن سبلاش)
وكذلك يمنحنا تطبيقها أداة قوية للتنويع في المواد المستخدمة ضمن المساحات الداخلية، وتقسيمها وتحديدها بصورة أنيقة تساعد في توفير مسارات حركة وتدفق وسلاسة وكذلك في تنظيم الرؤية.
معادلة رابحة
وبالعموم، تحقق معادلة العزل الحراري الفاعل والشفافية مظهراً بصرياً لا يضاهى في العمارة، إذ تتكون بنيتها من طبقات عدة تشكل حجرات هوائية تعمل كعوازل متعددة المستويات، مما يقلل من بث الحرارة ونقلها، كما يمكن من خلالها إخفاء عناصر البناء غير المرغوبة وتثبت بمفاصل مخفية تمنحها سلاسة بصرية.
ولتعزيز خصائصها، يمكن استخدامها جنباً إلى جنب مع أنظمة تأطير الألمنيوم المعالجة حرارياً، نظراً إلى أن الألمنيوم مثلها يتمتع بقوة وخفة في الوزن مقارنة بمواد البناء الأخرى مثل الفولاذ.
وتُجسد مادة تجمع بين الجمالية وخفة الوزن والخصائص البيئية المتميزة، وهذا مهم خصوصاً في السياق الحالي لتصميم المباني الموفرة للطاقة، بهدف تقليل التأثير البيئي وكلف الطاقة، إذ بإمكانها أن تقلل من فقدان الحرارة في المبنى خلال فصل الشتاء والتقليل من انتقال الحرارة من الخارج إلى الداخل خلال فصل الصيف.