حرية ـ (5/11/2024)
مقتنيات غريبة وغير مألوفة تعرض في المتاحف والغاليريهات حول العالم ليثير بعضها تعجب الناس من قيمتها الفنية أو الهدف منها، الظاهرة لا تقتصر على دولة معينة، لكنها تمتد إلى جميع الأنحاء، فغرائب المعروضات موجودة في كل مكان ولا تزال تثير إعجاب البعض واستنكار آخرين.
أخيراً عرض في أحد متاحف هولندا عملاً للفنان الفرنسي ألكسندر لافيه على هيئة عبوتي بيرة فارغتين بعنوان “كل الأوقات الطيبة التي أمضيناها معاً”، وظن أحد العاملين في المتحف أنها عبوات مستهلكة بالفعل ليأخذها ويلقي بها في سلة النفايات، لتلاحظ أمينة المتحف اختفاءهما وتستعيدهما من كيس القمامة قبل التخلص منه.
وفي ولاية فلوريدا الأميركية منذ عدة سنوات تم بيع عمل للفنان الإيطالي ماوريسيو كاتلان بعنوان “موزة على الحائط” بمبلغ 120 ألف دولار غير أن أحد زوار المعرض في اليوم التالي قام بخلع الموزة وأكلها باعتبار أنه كان جائعاً لتطلب له إدارة الغاليري الشرطة، لكنه يهرب قبل وصولها، إدارة المعرض كان لديها تفويض من الفنان باستبدال الموزة بأخرى في حالة فسادها وهو ما حدث بالفعل.
عمل للفنان الفرنسي ألكسندر لافيه على هيئة عبوتى بيرة فارغتين بعنوان كل الأوقات الطيبة التي أمضيناها معاً
في مصر منذ عدة سنوات، أجرت فنانة عرضاً حياً بأحد المعارض حيث جلست على طبلية لتقوم بتخريط الملوخية مع إضافة بعض المؤثرات الصوتية، أثار هذا العرض سجالاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي وقتها باعتباره شيئاً غير مفهوم لعوام الجمهور، على رغم حصول الفنانة حينها على جائزة من وزارة الثقافة.
هذه النوعية من الفنون المعاصرة ظهرت كتوجه فني بدأ وتطور في القرن العشرين ومر بمراحل متعددة، وتأثر بفعل الأحداث السياسية والاجتماعية والتطورات المتسارعة التي شهدها العالم حتى وصلت هذه النوعية من الفنون إلى وضعها الحالي الذي يظهر بتنويعات مختلفة في العالم كله.
شهدت فترة ما بين الحربين الأولى والثانية ذروة انتشار المدرسة السوريالية التي حررت الفن من قيوده الكلاسيكية والتي كان رائدها الفنان الإسباني سلفادور دالي (1904- 1989)، لتنبثق منها مدارس فنية أخرى منها المدرسة المفاهيمية والتي يعتبر من روادها مارسيل دوشامب (1887 – 1968) الذي يعتبر عملة النافورة هو بداية مثل هذا الاتجاه الفني حيث كان عبارة عن مبولة مقلوبة ولكنه غير مفهومها المتعارف عليه، تم رفض هذا العمل عندما قدم عام 1917 لمعرض جمعية الفنانين المستقلين في نيويورك باعتباره شيئاً غير مفهوم ليتحول لاحقاً إلى واحد من الرموز الفنية للقرن العشرين.
الناقد التشكيلي محمد الجبالي يقول “فنون الحداثة بشكل عام ظهرت في فترة ما بعد الحرب العالمية كرد فعل من الفنانين على فظاعة الحرب، فقبلها كان التوجه هو طابع الفن الكلاسيكي مثل لوحات الزهور والحدائق والبورتريهات والطبيعة الصامتة، ولكن مع أجواء الدمار والحرب لم يكن من المنطقي أن يستمر الفنانون في رسم نفس هذه النوعية من اللوحات الحالمة. وظهرت في هذه الفترة عديد من المدارس غير المهتمة بفكرة تسويق الفن من بينها المدرسة الوحشية، فهي كانت بمثابة صرخات ضد الحرب، ومن أوائل من اتجه لهذه النوعية من الفنون مارسيل دوشامب عندما عرض العجلة الخاصة به في متحف، فعلى رغم بساطة الفكرة إلا أن لها مفهوماً ودلالات قد لا يدركها الناس مباشرة”.
ويضيف “انقسم الفنانون في هذه الفترة لقسمين أحدهما تمسك بالطابع الكلاسيكي الذي يسوق للأثرياء ولا يزدهر إلا في كنف الرأسمالية، والآخر اعتمد منهج الفن للحياة والفن للفن ومثل صرخة من الفنان لرفض الواقع. وتطور إلى الفنون التي نشاهدها اليوم والتي تطورت هي الأخرى بفعل العصر، فظهر الفيديو أرت والتجهيز في الفراغ وهو يعتمد في المقام الأول على تعبير الفنان عن ذاته وليس رغبة الفنان في أن يباع عمله. في الوقت نفسه ظهرت أخيراً فكرة إتاحة الفرصة للجمهور للتفاعل مع العمل الفني، ففي أحد معارض النحت كانت هناك قطع من المفترض أن يحركها الجمهور، أو أحياناً تترك مساحة على حائط للجماهير للرسم أو الكتابة كلها أفكار حداثية بدأت في الانتشار”.
أغرب المقتنيات
في عام 2020 أطلق متحف يوركشاير بشمال إنجلترا تحدياً عبر منصة “أكس” لنشر أغرب مقتنيات المتاحف وأكثرها رعباً وبدأ المتحف بنشر صورة لشعر سيدة تعود للعصر الروماني في نحو القرن الثالث أو الرابع ولا تزال مثبت بها دبابيس الشعر.
عمل لفنان إيطالي بعنوان موزة على الحائط تم بيعه بمبلغ 120 ألف دولار
انطلق التحدي وشاركت به كير من المتاحف حول العالم لتظهر صور في غاية الغرابة من بينها قناع واقٍ يعود لفترة الطاعون في أوروبا، وقلب خروف مثبت عليه مسامير كاعتقاد بأن هذا يطرد اللعنة، ومجموعات من الدمى المرعبة، وحذاء للفايكنغ عمره نحو ألف عام، وكثير من الأشياء الغريبة وغير المألوفة والتي تمثل مقتنيات معروضة في متاحف عالمية.
وقال وقتها لي كلارك المتحدث باسم مؤسسة متاحف يوركشاير في تصريحات صحافية إن المتحف يسعد بمشاركة المتاحف في هذا التحدي بعرض مقتنيات غريبة لتسمح للناس بالتعرف إليها.
الذائقة الفنية
ربما لا تكمن الأزمة هنا في هذا الاتجاه من الفنون، لكن في تفاعل وقبول المجتمع له ومدى ملاءمته لذائقته. فالفنون لها مدارس متعددة وأنماط مختلفة وحتى نفس الفنان يمكن أن يقدم تجارب مختلفة تنتمي لاتجاهات فنية متنوعة. فكثير من الفنانين قدموا تجارب لاقت إعجاب مجتمعاتهم وتماشت مع ذائقتها، وفي مراحل أخرى قدموا تجارب مختلفة لم يتقبلها الجمهور ربما بفعل رغبة الفنان في التجديد أو ربما لتأثره بمدارس فنية لمجتمعات أخرى بفعل انفتاحه عليها بسبب الدراسة أو المشاركة في الفعاليات المختلفة التي تقام فيها.
تقول الفنانة التشكيلية إيمان عزت “هذه النوعية من الفنون موجودة منذ زمن طويل في العالم كله، لكنها ليست بالضرورة تتفق مع ذائقة كل الشعوب، فهي بعيدة نسبياً من توجهات الشعوب العربية للفنون باعتبار أن كل شخص يقرأ الأعمال الفنية طبقاً لرؤيته وثقافته، فالجمهور العادي يبحث عن جماليات معينة في العمل الفني بعكس المتخصصين الذين قد يقرؤوا فلسفة معينة يرغب الفنان في التعبير عنها، لكن مثل هذه النوعية من الأعمال موجودة بالعالم العربي وتنتشر في صالونات الشباب بصورة أكبر باعتبارهم أكثر تقبلاً وانفتاحاً على التجارب الجديدة”.
وتضيف عزت “المجتمعات التي تنتشر فيها هذه النوعية من الفنون يكون الجمهور فيها لديه تقبل لكل ما هو غير محدود في الفنون وبالتالي تلقى قبولاً ورواجاً، فكل شعب له هوية وطابع فني معين يفضله بصورة أكبر، ولكن هذا لا يمنع من تواجد كافة أنواع الفنون فكل منها لها جمهوره، فهناك فنانون يعتمدون على جماليات العمل وآخرون يعتمدون على الأفكار المفاهيمية، فن الحدث والعروض الحية على سبيل المثال موجودة في كافة أنحاء العالم، وهو موجود في العالم العربي وأصبح له جمهور، بخاصة خلال السنوات الأخيرة”.
يتفق مع هذا الرأي الناقد التشكيلي محمد الجبالي فيقول “اللوحة الكلاسيكية لا تزال مطلوبة والفنون الحداثية مطلوبة أيضاً، لأنها تثير تساؤلات وتجعل هناك حراك في المشهد، فلا بد أن يوجد في المجتمع كافة أنواع الفنون، فتكامل الفنون يعكس الحركة التشكيلية بالمجتمع في وقت محدد، لكن الأزمة هنا أن الفنون التشكيلية بشكل عام لا تزال ليست في اهتمام القطاعات العريضة من الجماهير، والأمر لا يزال يحتاج إلى الكثير من الجهود من كافة المؤسسات للاهتمام بنشر الوعي بأهميتها، وخصوصاً من الصغر”.
تذكارات الحب
لا تقتصر المقتنيات الغريبة على مجرد بعض القطع المتناثرة في صالات العرض أو بمتاحف متفرقة، لكن هناك متاحف متكاملة أقيمت لعرض أشياء تبدو غريبة وغير منطقية على الإطلاق بالنسبة لبعض الناس، ومن أغربها متحف للمراحيض في الهند وتحديداً في نيودلهي حيث يعرض هذا المتحف نماذج مختلفة من المراحيض وتطورها عبر الزمن ويهدف إلى التوعية بأهمية النظافة والصرف الصحي ويقيم فعاليات ترتبط بهذا الشأن، ومن ضمن مقتنيات المتحف مرحاض للملك لويس الرابع عشر مصنوع من الخشب ويشبه صندوق المجوهرات.
قامت فنانة مصرية بتقديم عرض أدائي لتخريط الملوخية في واحد من المعارض الفنية
ومن أغرب المقتنيات المعروضة في العالم هو متحف في كرواتيا لعلاقات الحب الفاشلة حيث يقوم الأشخاص العاديين بإهداء تذكارات من علاقاتهم السابقة التي فشلت مع شرح بسيط لها ليتم عرضها في المتحف، ومن بينها رسائل وتذكارات وبعضها أشياء غريبة مثل أحذية ومحمصة للخبز قام أحد طرفي العلاقة بأخذها حتى لا يتمكن الآخر من تحميص الخبز. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا المتحف قام بزيارته 100 ألف شخص في عام 2017.
واحدة من أغرب المعروضات بالعالم أيضاً هي الموجودة في تركيا وتحديداً بمنطقة كبادوكيا التي تضم متحفاً لخصلات الشعر، حيث قامت نحو 16 ألف سيدة من جميع أنحاء العالم بقص خصلة من شعرهن وإرسالها للمتحف الذي أصبح متخصصاً في خصلات الشعر.
صالات المزادات
تنتشر المعروضات الغريبة ليس فقط في المتاحف والغاليريهات ولكنها تمتد إلى صالات المزادات المختلفة، فبعضها يباع وتدفع فيها أرقام غير مسبوقة في بعض الأحيان، على سبيل المثال منذ عدة أشهر بيعت في نيوزيلندا ريشة من طائر هويا المغرد المنقرض بنحو 28 ألف دولار، وذلك لندرتها ولمكانته المقدسة عند شعب الماوري حيث يرتديها أصحاب الشأن الرفيع.
متحف للمراحيض في نيودلهي بالهند يعد من أغرب المتاحف في العالم
وفي سياق الأشياء الغريبة التي بيعت في الغاليريهات وصالات المزادات، هناك أشياء كثيرة تعود لمشاهير، مثل طقم أسنان تشرتشل القائد العسكري الذي انتصر على الألمان وبيع بسعر 15200 جنيه استرليني، الملابس الداخلية لألفيس بريسلي، مرحاض جون لينون عضو فرقة البيتلز والذي تم بيعه بـ 15 ألف دولار، وغيرها كثير من الأشياء الغريبة التي يراها من يحرص على متابعة صفحات ومواقع صالات المزادات العالمية.