حرية ـ (9/11/2024)
كايتي روسينسكي
إنه سيناريو مألوف جداً. أمضيتَ وقتاً طويلاً في تحضير نفسك [وجهك وملابسك] لقضاء ليلة في الخارج أو لمناسبة خاصة، وأنت راضٍ عن شكلك. وربما تشعر بأنك تبدو أفضل مما تظن. أقله، يبدو الأمر كذلك في المرآة التي تنظر إليها في غرفة نومك. ولكن في اليوم التالي، عندما تطلب من أصدقائك إرسال الصور الشخصية التي كانوا يلتقطونها، ينتابك نفور مما يصلك. في كل صورة تبرز عيوبك بوضوح. يبدو وجهك مشوهاً على نحو غريب. ملامحك بصراحة مخيفة جداً، وتزيد إحباطك حقيقة أن صديقك المزعوم أضاف إلى الصورة تعليقاً يقول “أحببت هذه الصورة لك”، في إشارة إلى لقطة تبدو فيها شنيعاً جداً. هل يتعمد إزعاجك والسخرية منك؟ أم أنك تشبه حقاً لقطة “قبل” التي يظهر فيها المشارك قبل خضوعه للتغييرات والتحسينات في برنامج تلفزيوني متخصص بتجديد المظهر؟.
ربما يترك النظر إلى صورك في نفسك وقعاً مخزياً ومذلاً. وتزيد الطين بلة حقيقة أن كل الذين تعرفهم يظهرون في هيئة جيدة عند التقاط صور لهم إلى جانبك، إضافة إلى إصرارهم على إخبارك أن الصورة السيئة التي التقطوها لك على جهاز “آيفون” تبدو في الواقع جميلة حقاً. حتى لو كان احترامك لنفسك متيناً جداً في العادة، ولم تكُن ممن يهتمون بالمظاهر، في مقدور صورة غير مرضية أن تترك ثغرة في ثقتك بنفسك، فتبدأ دوامة من كراهية الذات. في وقت سابق من الأسبوع الحالي، ظهرت واحدة من “الميمات” [صور أو مقاطع فيديو تحمل معنى فكاهياً أو تعبر عن شعور معين] على خلاصة صفحتي على وسائل التواصل الاجتماعي، لخصت هذا الإحساس بصورة دقيقة وقاسية من دون أي تزيين، مثبتة أننا إزاء تجربة مشتركة بين كثير من الناس وليست مجرد حال فردية: كانت الصورة لامرأة مبتسمة تحمل هاتفاً خليوياً، مرفقة بالتعليق التالي: “أن ينشر لي شخص ما، عن نية طيبة، صورة التقطها لي” يعني أنه “يدمر صحتي النفسية لمدة ثلاثة إلى خمسة أيام عمل تالية في أقل تقدير”.
لماذا إذاً من الشائع جداً أن ننفر عندما نرى أنفسنا في الصور الشخصية؟. في الواقع، يعزى انزعاجنا هذا إلى ظاهرة نفسية تُعرف باسم “تأثير التعرض المحض” mere-exposure effect، وفي هذه الحال يميل الناس إلى تفضيل الأشياء التي يرونها بصورة متكررة”، يشرح الدكتور مات جونسون، عالم الأعصاب وبروفيسور في علم نفس المستهلك في “كلية هولت الدولية للأعمال”، ويضيف: “لما كنا في الغالب نرى انعكاسنا في المرآة أكثر من الصور، تجدنا نعتاده ونرتاح له أكثر”. لذا، إذا كنت تتحقق من انعكاس صورتك في مرآة الحمام كل صباح قبل مغادرة المنزل، فمن المرجح أن تعتاد تلك الصورة تحديداً عن مظهرك. “أنت عادة ترى نفسك في المرآة نفسها والإضاءة نفسها، والمنظور نفسه والزاوية نفسها”، تتفق مع هذا الرأي إلويز سكينر، معالجة نفسية عملت أيضاً عارضة أزياء منذ الطفولة. ولكن [عدسة الكاميرا] ربما تلتقط صورة لك في لحظة لم ترَ فيها وجهك أو جسدك من هذه الزاوية، مما يخلق شعوراً بالانفصال أو التباين بين الصورة التي توقعتها عن شكلك من جهة، والصورة التي تراها أمامك من جهة أخرى”.
الصورة التي تراها في المرآة تكون مقلوبة الاتجاهات من اليمين إلى اليسار، فيظهر عدم التناسق في ملامح وجهك [مثل اختلاف حجم العينين أو شكل الحاجبين] معكوساً، بمعنى أنه يبدو أقل وضوحاً. ولكن في الصورة الشخصية لا يحدث ذلك في معظم الأحيان (ما عدا الكاميرا الأمامية في هاتفك التي تكون معكوسة أيضاً، مما يفسر سبب تفضيلك صور السيلفي). ويضيف جونسون أنه على النقيض، “تقدم اللقطة الفوتوغرافية صورتنا “الحقيقية” التي تبدو غير مألوفة وأقل جاذبية بسبب قلة التعرض لها”. نحن ببساطة لم نعتَد رؤية شكلنا بهذه الطريقة. ومن هنا يأتي الشعور الغريب بعدم التوافق مع ما نتوقعه عن مظهرنا وما نراه فعلياً في الصورة، فنقول باستغراب “يا إلهي، هل هذه أنا حقاً؟”. ولكن لأننا نرى دائماً نسخاً “حقيقية” من أصدقائنا وأفراد عائلتنا، مثلاً، عندما نمضي الوقت معهم في الحياة الواقعية، فإنهم يبدون لنا أكثر تشابهاً مع أنفسهم في الصور.
عُد بذاكرتك إلى أيام توزيع الصور المدرسية على التلاميذ، حينما كان الجميع يبدون طبيعيين تماماً في صورهم الشخصية، في حين كانت صورك تشبه صورة مرعبة مرسومة بناء على أوصاف الشهود لمجرم مطلوب من العدالة. يقول جونسون: “إننا نرى الصورة الحقيقية للآخرين [كما يبدون في الحياة اليومية] أكثر مما نرى أي نسخة معدلة أو محسنة لهم، لذا نعتاد عليها بصورة طبيعية. وعلى عكس أنفسنا، لا نواجه الشعور نفسه بالانفصال والتباين بين مظهرهم في الصور وما نتوقعه عنهم”. ولكن كن مطمئناً، هم أيضاً ربما يعتقدون بأن شكلهم في الصور صادم وغير جذاب.
وبالعودة إلى سبعينيات القرن الـ20، استكشفت تجربة نفسية كلاسيكية هذه الظاهرة تحديداً. طلب باحثون من مجموعة شابات النظر إلى صور تشتمل على صورهن الحقيقية وصورهن المعكوسة في المرآة. وأشارت النتائج إلى تفضيلهن صورهن المعكوسة. ولكن عندما عُرضت الصور عينها على صديقاتهن المقربات، مالت الصديقات إلى تفضيل الصورة الحقيقية (التي اعتدنها في الحياة الواقعية اليومية). ويقول جونسون إن هذه الدراسة “تدعم الفكرة القائلة إن انزعاجنا من الصور متجذر في أنماط تعرضنا لها”.
لذا، في المرة المقبلة عندما تعرض أمام صديقك صورة شخصية مروعة لك، وتسأله: “هل أبدو هكذا حقاً؟”، لا تقطع علاقتك به إذا أجاب بخجل “نعم؟”. إنه لا يحاول تحطيم ثقتك بنفسك. في الحقيقة، إنها مسألة اعتياد لا غير، وربما تنبع من مشاعر الحب والدعم والمودة. يقول جونسون: “كذلك تنزع أدمغتنا إلى استيعاب الوجوه التي نراها بصورة متكررة بسهولة أكبر، مما يجعلها تبدو أكثر وضوحاً أو جاذبية في نظرنا. لذا، بينما تبدو صورنا الخاصة سيئة وغير مريحة، تميل صور الآخرين إلى التوافق على نحو أفضل مع الطريقة التي اعتدنا رؤيتهم بها.”
في الواقع، يبدو أننا لسنا بارعين في تقييم شكلنا (بما في ذلك حسن مظهرنا). “في سياقات ومواقف معينة، من الشائع أن يُظهر الأشخاص ظاهرة نفسية تُعرف باسم “نزعة الافتتان بالذات”، إذ يبالغون في تقدير صفاتهم الإيجابية ولا يدركون الفارق بين كيف يرون أنفسهم من جهة، وكيف يراهم الآخرون من جهة أخرى”، على ما يوضح الدكتور ويليام فان غوردون، بروفيسور مشارك في علم النفس التأملي في “جامعة ديربي” الإنجليزية. بناء عليه، ربما يعتقد البعض منا بأننا أكثر جاذبية قليلاً مما نحن عليه فعلاً. ويضيف أن هذه النزعة “مرتبطة بتطورنا كجزء من الحاجة إلى التنافس على الموارد وفرص الإنجاب”.
وفي دراسة تعود لعام 2008، طُلب من المشاركين أن يتأملوا صوراً لهم بعد إدخال تعديلات على وجوههم لتبدو أكثر أو أقل جاذبية، ثم تقييمها وتحديد أي منها الأقرب إليهم في الشبه. في النهاية، انجذبوا نحو، إليكم الخبر، نسخ الصور الأجمل من صورهم الحقيقية. والمثير للاهتمام أنهم فعلوا الأمر نفسه عند اختيار وجه أحد الأصدقاء، ولكن ليس وجوه أشخاص غرباء. حتماً، فإن نتيجة هذا الميل إلى المبالغة في الافتتان بصورتهم [إذ يرون أنفسم أكثر جاذبية بالمقارنة مع رأي الآخرين بهم] أنه “عندما يرى الأشخاص صوراً لأنفسهم، ربما يشعرون بنقص في جاذبيتهم البادية في الصورة” مقارنة بصورتهم الذاتية الرائعة المكونة في أذهانهم، “مما يقود إلى عدم إعجابهم بالصورة”، كما يقول فان غوردون.
المبالغة في التقدير: أحياناً ربما تجعلنا “النزعة إلى الافتتان بالذات” نعتقد بأننا نبدو أكثر جاذبية مما نحن عليه في الواقع
لا يمكنك أن تتعاطف مع هذه الثقة المفرطة المبنية على خداع الذات التي يشعر بها بعضهم تجاه مظهرهم؟ وأنا كذلك. ويبدو مألوفاً أكثر سلوك يسمى “محط الانتباه أو الأنظار”، نزعة أخرى “تقودنا إلى الاعتقاد بأن الآخرين يدققون في مظهرنا تماماً كما نفعل نحن”، على حد تعبير جونسون الذي يضيف أن “هذا الوعي المتزايد بالذات يجعلنا نشعر بالخجل المفرط عند مشاهدة الصور”، لكننا ربما نركز على عيوبنا أكثر بأشواط مما يفعل أي شخص آخر. ببساطة، لا يفكر أحد في ما إذا كان أنفك يبدو غريباً في صورة تجمعك بآخرين منشورة على “إنستغرام” وقد أرفقوها بإشارة إليك. إنهم مشغولون جداً في تكبير الصورة لمعرفة ما إذا كان خط الفك لديهم يبدو ممتلئاً، أو ما إذا كانت أسنانهم غير متناسقة.
بناء عليه، يبدو أن نظرتنا إلى جاذبيتنا الخاصة، وجاذبية الأشخاص الذين نعرفهم جيداً، “تشوهها غالباً عواطفنا وتحيزاتنا المعرفية، ولا تخضع لتقييم موضوعي”، كما يقول جونسون. مشاعرنا تجاه الآخرين وأنفسنا تؤثر في الشكل الذي نعتقد بأننا نبدو عليه. وتقول سكينر: “ننظر إلى صورة أصدقائنا، وحتى لو لم تكُن مأخوذة من الزاوية الأكثر جاذبية لهم، نستطيع أن نرى الشخص الذي نحبه. لا نفقد تقديرنا لهم ولا نرى أي عيوب فيهم لأننا نراهم كأشخاص متكاملين [بمعنى أننا نأخذ في الاعتبار صفاتهم الشخصية وسلوكياتهم وتجاربهم… وليس مظهرهم الخارجي فحسب]، بينما عندما ننظر إلى أنفسنا، فإننا ننتقي تفاصيل محددة حول مظهرنا”. وعام 2021، بحثت دراسة في كيفية تكوين الصور الذهنية لأنفسنا، إذ طلبت من المشاركين إنشاء صور شخصية بواسطة الكمبيوتر والإجابة عن أسئلة حول الشخصية واحترام الذات. في النهاية، تبين أن آراءهم في أنفسهم تركت تأثيراً قوياً في الصورة التي رسموها لشكلهم.
هل في المتناول طريقة ما نتغلب فيها على نفورنا من الصور التي نلتقطها؟. ترى سكينر أنه من المهم الإقرار بأن قلة قليلة جداً من الناس يتمتعون بمظهر جيد في الصور من دون الحاجة إلى أي تعديلات. وتقول: “شأن أي أمر آخر، أعتقد بأن التقاط صورة جيدة مهارة يمكنك تعلمها، وستتحسن كلما تدربت أكثر. عليك أن تعرف تعبيرات الوجه المختلفة [الابتسام والضحك والتجهم وغيرها…] التي يسعك القيام بها وكيف تؤثر في مظهرك [في الصور]… أعلم أن كلامي يبدو غريباً بعض الشيء، ولكن التدريب سيحسن الأمور بصورة كبيرة”. وتمالكوا أنفسكم، علينا أيضاً أن نتأقلم مع “صورتنا الحقيقية” من خلال “التعرض المتكرر”، كما يقول جونسون، وهكذا “تخف وطأة الانزعاج بمرور الوقت”. إضافة إلى ذلك، كما يقول، من المفيد أن نكون واعين للنزعات النفسية التي تؤثر في طريقة تفكيرنا وشعورنا حيال أنفسنا، وأن نحاول التعاطف أكثر مع أنفسنا، مما يساعدنا في “التحفيز على تكوين نظرة إلى الذات [رؤية المرء نفسه وفهمه مظهره وسلوكه وقيمته] تكون أكثر صحة وتوازناً”. يُقال إن الكاميرا لا تكذب أبداً، ولكن يبدو أن المسألة ليست بهذه البساطة.