حرية ـ (10/11/2024)
الأناضول منطقة تعد واحدة من أكثر المناطق التي تستضيف أطباقاً ومأكولات متنوعة، منها ما هو مأخوذ من المطبخ العربي، ومنها المأكولات اليونانية والأرمينية واليهودية والشركسية والفارسية والكردية، هذا التنوع شكل اجتماعاً لأطباق مختلفة في منطقة واحدة في القرون الماضية.
السمك في شبه جزيرة القرم كان يطلق عليه “بقلاوة”
البقلاوة في العهد العثماني
في بداية تأسيس الدولة العثمانية، لم يكن لدى القصر اهتمام بالحلويات بصورة عامة، وكانت الحلويات تقتصر على أطباق من نوع “الكسترد”، ودبس السكر، في ذلك الوقت كانت البقلاوة في تركيا عبارة عن عجينة فيها سكر يسكب عليها ماء ساخن ويتم إطعامها للفقراء لتحلية أفواههم، إلا أن ولع الانكشاريين بهذه الحلوى مكن البقلاوة من اكتساب مكانة مرموقة مع مرور الوقت، لدرجة أن الخشب المخصص لطهي البقلاوة بات متوافراً في كل كتائب الانكشاريين، حتى إن الحكومة خصصت خشباً من القصر خاصاً للجيش الانكشاري لأجل طهي البقلاوة، وفي إسطنبول كان آغا المدينة يصدر 25 شيكاً في شهر رمضان من كل عام لتوزيع البقلاوة.
جاء في المصادر الرسمية التابعة للأرشيف العثماني، تذكر الوثيقة رقم 127-6453 مرسوماً بأن يخصص السلاطين في كل شهر رمضان 1000 صينية بقلاوة يتم توزيعها في مسجد “الخرقة الشريفة”، في منطقة الفاتح وسط إسطنبول.
من بيروت إلى واشنطن
لم تكن البقلاوة معروفة خارج الجغرافيا التي تسيطر عليها الدولة العثمانية حتى نهاية القرن الـ19، ووصلت البقلاوة إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى عام 1914 من طريق مواطن لبناني من رعايا الدولة العثمانية اسمه خليل أفندي، وهو تاجر حلويات، إذ سافر من بيروت إلى الولايات المتحدة، وهناك نشر البقلاوة التي لاقت قبولاً كبيراً، وبعد ذلك أصبحت السفن الأميركية التي تبحر من مرفأ بيروت تحمل كميات كبيرة من صواني البقلاوة التي تباع في أميركا.
عندما سمع السلطان العثماني بقصة نجاح المواطن اللبناني الذي نقل البقلاوة إلى أميركا قرر تكريمه، فأرسل إليه وسام “الصناعة القارية”، وزوجه، وطلب من الصدر الأعظم شخصياً السفر إلى بيروت لتكريم خليل أفندي.
عينتابية أم حلبية؟
من ينظر إلى حلب بين الأمس واليوم سيدرك أنها مدينة خرجت من الوجود إلى العدم، حلب المدمرة اليوم يقول التاريخ ويل لمن دمر حلب، لسنا نبالغ إذا قلنا إن حلب الجميلة كانت في يوم من الأيام عاصمة البقلاوة، حتى إن أهالي عينتاب تعلموا من أهالي حلب صناعة البقلاوة وأجادوها، بل ونسبت البقلاوة لاحقاً إلى عينتاب، إلا أن الحقيقة هي أن البقلاوة حلبية قبل أن تكون عينتابية، وكما قلت، أهالي عينتاب تعلموا هذه الصناعة من الحلبيين.
في واقع الأمر انتشرت البقلاوة من حلب إلى باقي المدن السورية وعينتاب ولبنان وفلسطين وحتى مصر، وعلى رغم أن عينتاب ليست الموطن الأول للبقلاوة فإن للبقلاوة العينتابية اليوم مذاقاً فريداً وفناً خاصاً.
أوصي القارئ الكريم أن يكمل قراءة المقال وهو يتناول قطعاً من البقلاوة، فيستمتع بحلاوتها والزبدى الممزوجة بها ستمنح طعماً لذيذاً برائحة خاصة.
من الخطأ الشائع شرب الشاي أو القهوة أثناء وجود البقلاوة في الفم قبل تمام مضغها، هذه الطريقة بتناول البقلاوة سيئة وتفسد الطعم الحقيقي للبقلاوة.
صناعة البقلاوة في العهد العثماني
لا يعرف اسم الشخص أو التاجر الذي نقل البقلاوة من حلب إلى عينتاب، لكن من نقلها من عينتاب إلى إسطنبول للمرة الأولى هو الحاج محمد جلبي، وكان ذلك عام 1871، قبل هذا العام كانت البقلاوة موجودة في إسطنبول، لكن لم تكن كالبقلاوة الحلبية، اليوم تجد في كل شارع من شوارع إسطنبول عدداً من محال البقلاوة، حلبية الأصل، لكن ما لا نعرفه هو أن البقلاوة التي تباع اليوم ليست هي الأصلية.
يقول أحد الكتاب في ما قال إنه “رثاء البقلاوة”، “ما نأكله اليوم لا علاقة له على الإطلاق بالبقلاوة، لقد حل الخفاش مكان البقلاوة”.
على رغم أن سمعة البقلاوة فقدت بريقها الأصلي، فإن غالب مصانع البقلاوة الموجودة الآن في عينتاب موروثة من الأجداد، حتى أصبحت صناعة البقلاوة في عينتاب إرثاً، والبقلاوة من الحلويات تعد بمثابة الكباب بين الطعام، وقد حظيت بكثير من الاهتمام في الأدب.