حرية ـ (11/11/2024)
طوال حياته، كان الوزير البريطاني السابق، أندرو ديفيز، يشعر بعدم الانسجام مع المحيطين به والانكسار من شيء ما وكأنه غريب، أو كأن هناك شيئاً ما خطأً حدث له.
وظل الأمر كذلك حتى اكتشف الأطباء أنه مصاب بالتوحد وهو في السبعين من عمره.
قال ديفيز: “إنها شخصيتي والطريقة التي صُمم بها عقلي، والطريقة المختلفة كليةً التي أعيش بها في هذا العالم”.
أشارت الأبحاث إلى أن هناك الكثير من الحالات مثل أندرو، والذين قضوا حياتهم دون أن يعرفوا أنهم مصابون بهذا المرض.
وقد أشارت دراسة لسجلات الرعاية الصحية الأولية في إنجلترا إلى أن ما بين 250 ألف شخصاً و600 ألف آخرين فوق سن الخمسين في إنجلترا قد يكونون مصابين بالتوحد ولكن لم يتم تشخيصهم.
ويعني هذا أن أكثر من 90 في المئة من المصابين بالتوحد الذين تزيد أعمارهم عن 50 سنة لم يتم تشخيصهم حتى الآن، وفقاً لباحثين.
وقال ديفيز: “ساد اعتقاد على نطاق واسع لسنوات طويلة بأن التوحد مرض يصيب الأطفال، لكنه مرض يستمر مدى الحياة، ومع تقدم الأشخاص في السن يظلون مصابين بالتوحد”.
وتقاعد ديفيز، البالغ من العمر الآن 72 سنة، في عام 2019 بعد مسيرة مهنية طويلة ومثيرة للإعجاب.
وكان وزيراً في السنوات العشر الأولى للحكومة في ويلز وعضواً في المجلس التشريعي في ويلز (المعروف الآن باسم مجلس الشيوخ، أو MS)، عن سوانسي الغربية من عام 1999 إلى عام 2011.
وبعد تنحيه عن عضوية المجلس أصبح رئيساً لما كان يُعرف آنذاك بمجلس صحة جامعة “أبرتاو برو مورجانوج” لمدة ست سنوات.
وربما لا يكون هذا هو مجال العمل الذي يمكن لشخص يقول إنه “غالباً ما يواجه صعوبة في فهم الآخرين والتعامل معهم” أن ينجح فيه.
وقال ديفيز، الذي يعيش في ماونت بليزانت في سوانسي: “أستطيع أن أكون في تجمع وأتابع المحادثات، وأعرف ما أقول… لكني لا أعرف قواعد الحديث الموجز”.
ومنذ طفولته، كان ديفيز يفضل العزلة والصداقات الفردية على المجموعات.
لكن التعامل مع هذه الحالة أصبح أكثر صعوبة عندما وصل إلى المرحلة الثانوية من تعليمه.
وقال الوزير السابق في ويلز: “كنت أعاني كثيراً”.
وأضاف: “شعرت أن هناك شيئاً ما مكسوراً، كان هناك شيء غريب، شيء خطأ”.
وكان ديفيز يجد سلاسة في اتباع القواعد الاجتماعية والتقدم في الحياة العملية، لكنه غالباً ما كان يشعر “بالضغط” و”الإقصاء” بنهاية يوم طويل.
وقال: “أعتقد أن الناس ربما يرون أنني متردد، ولكن هذا مزيج من الخجل والفشل في اختيار الجمل المناسبة”.
ويعاني أندرو أيضاً من فرط الحساسية.
وقال: “لم أستمتع بحفلات الديسكو وحفلات الروك أبداً، فقد وجدت الصوت على سبيل المثال والأضواء عالية للغاية ولا تبعث على الارتياح”.
كما أشار إلى أن أصواتاً أخرى، سواء كانت زوجته تمضغ العلكة أو نباح كلب الجيران، وبعض الروائح مثل الدهون المتجمدة أو الشحوم، وبعض المناظر مثل أضواء الفلورسنت – دائماً جميعها تشعره بعدم الارتياح.
وقال: “عليّ فقط أن أبتعد”.
وأضاف: “تحاول أن تتجاهل ذلك ولكن رد فعل جسمي يكون عنيفاً”.
الشيء الذي ساعده كثيراً في العمل هو إصابته بما يعرف بأنه أحد الأعراض المصاحبة لمرض التوحد، وهو ما يُعرف بالتركيز الشديد على فكرة معينة أو ما يُطلق عليه “فرط التثبيت”.
وقال إنه كان غالباً عندما ينشغل بأمر ما، فإنه يقتله بحثاً.
وأضاف: “أشعر برغبة قوية في أن أتعرف على الأمر الذي يشغلني بعمق شديد في حين أن الآخرين يلتفتون إليه قائلين: “هذا مثير للاهتمام، ويمضون قدماً”.
وقال إن البحث في مرض التوحد أصبح أيضاً من “المسائل المعقدة التي انغمست في البحث فيها”.
كان هذا الميل إلى الانخراط المفرط في الأمور هو ما رأى ديفيز أنه من سمات التوحد التي تتوافر لديه.
كما كان هناك حديث متصل بينه وبين زميل له شخّص الأطباء حالته في الفترة الأخيرة بأنها إصابة بالتوحد.
وقال له زميل، يعمل مع طبيب نفسي استشاري، على انفراد: “آمل أن لا يضايقك إذا أخبرتك أن جميع العلامات التقليدية المعروفة لمرض التوحد تتوافر لديك”.
كان هناك هذا التوازي بين البحث المفصل الذي أجراه زميله، وسلسلة رسائل البريد الإلكتروني الطويلة، وإدراكه الشخصي للأمر.
بدأ ديفيز في القراءة والاستماع إلى جلسات البودكاست التي تتحدث عن مرض التوحد، وقرر إجراء استبيان عبر الإنترنت صممه أستاذ علم النفس سيمون بارون كوهين.
وأشار إلى أن ما فعله زاد من “شكوكه” في أنه مصاب بالمرض.
لذا قرر التقدم بطلب لتشخيص حالته لدى الهيئة الوطنية للرعاية الصحية، لكنه اكتشف أن دوره في الفحص قد يأتي بعد ثلاث أو أربع سنوات فتوجه للفحص في مؤسسة خاصة.
لكن، ما الذي يعنيه له التشخيص؟
قال أندرو ديفيز: “لقد كان الأمر مجرد تأكيد حقيقي… لم أكن مكسوراً أو غريباً أو أعاني من خطب ما، كنت أعتقد أن هذه هي طبيعة شخصيتي والطريقة التي يعمل بها عقلي”.
وأضاف: “عندما تصل إلى هذا العمر فإنك تنظر إلى حياتك السابقة نظرة فاحصة من الدور الذي قمت به فيها إلى روحك”.
ويعاني ديفيز من الاكتئاب منذ أن كان مراهقاً – تشير أبحاث إلى أن الأشخاص المصابين بالتوحد هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الأشخاص غير المصابين به، وفقاً للجمعية الوطنية للتوحد.
لقد عانى أيضاً من فترات تدهورت خلالها حالته الصحية، والتي يُرجح أنها كانت نتيجة للاحتراق التوحدي.
وتشير الأرقام إلى أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 سنة لا يتم تشخيص إصابتهم بالتوحد بنفس معدل تشخيص الحالات لدى الأطفال، إذ يعاني واحد من كل 34 طفلاً من التوحد مقارنة بواحد فقط من كل 6000 بالغ فوق سن الخمسين.
وقال غافين ستيوارت، الباحث في كينغز كوليدج لندن والمهتم بالشيخوخة واضطرابات التوحد: “من المرجح أن يكون هناك عدد كبير للغاية من السكان المحرومين من الخدمات والذين يستحقون الحصول على الدعم الذي يحتاجون إليه”.