حرية ـ (25/11/2024)
إذا كنت تريد أن تنجح في صناعة التجميل، يمكنك الاعتماد على غياب أو اهتزاز الثقة بالنفس لدى النساء، إذ تبلغ قيمة هذه الصناعة اليوم، التي لا تزال طور النمو 532 مليار دولار أميركي على مستوى العالم، وتتمتع الولايات المتحدة بأكبر سوق لمنتجات التجميل في العالم.
إذ إن النساء غير الواثقات من أنفسهن يشكلن هدفاً مثالياً للشركات التي تستغلهن، فعديد من العملاء يظهرون نوعاً من السلوك الاستهلاكي الذي أطلق عليه علماء النفس “الاستهلاك التعويضي”، وغالباً ما يشعر المستهلكون الذين يظهرون هذا السلوك بأنهم مجبرون على شراء منتج ما عندما يتم تذكيرهم بنقاط ضعفهم أو عجزهم، وعلى هذا فإن التهديد الذي يتعرض له احترام الذات أو الثقة أو السيطرة لدى هذا المستهلك غالباً ما يؤدي إلى الرغبة في شراء منتج قد يعيد ما يعتقد أنه مفقود.
وتفيد هذه الظاهرة شركات مستحضرات التجميل التي تقدم منتجاتها في كثير من الأحيان كحلول للعيوب الجسدية لدى النساء، إذ إن السلع كالمرطبات المضادة للشيخوخة التي تعد بإزالة التجاعيد من الجلد المتعب، تثير الوعي الذاتي وفي الوقت نفسه انعدام الأمن الذي يدفع النساء إلى الاعتقاد بأنهن في حاجة إلى هذه المنتجات وفي نهاية المطاف يشترونها.
الغاية تبرر الوسيلة
تطورت صناعة التجميل بعد الحرب العالمية الثانية، مع ارتفاع مستويات المعيشة وبدء تغير المعايير الاجتماعية، واستغلت شركات مستحضرات التجميل العالمية هذا الأمر وباعت مجموعات من المنتجات الأساسية.
كما أثرت الشركات بصورة كبيرة على الممارسات الثقافية لدى النساء، مثل حملة إعلان شركة شيفرات في القرن الـ20، في ذلك الوقت لم تكن النساء يحلقن شعر الجسم على نطاق واسع، خصوصاً أن القاعدة كانت ارتداء ملابس تخفي كثيراً من أجسادهن، فبدافع زيادة مبيعاتها من ماكينات الحلاقة، دفعت الشركة النساء إلى إزالة أي شعر مرئي في الجسم مؤكدة أنه “زائد” و”قبيح” و”غير مرغوب فيه”.
أثرت الشركات بصورة كبيرة على الممارسات الثقافية لدى النساء
وقد أدى هذا النمط من التسويق إلى قيام غالبية ساحقة من النساء بدمج إزالة شعر الجسم في روتينهن الشخصي للحفاظ على هوية أنيقة وجذابة وصحية، فما بدأ كرغبة من جانب الشركة في توسيع سوقها المستهدفة تحول إلى ثقافة تربط بين شعر الجسم وعدم الأنوثة والحاجة إلى إزالته.
وبعد مرور أعوام، لا تزال الشركات تستغل أساليب انعدام الأمان لدى النساء في صناعة التجميل. وفي حين تبني عدد من الشركات علاماتها التجارية بطريقة مماثلة من خلال ربط منتجاتها بالأنوثة المرغوبة والأهداف الأنثوية، تستخدم شركات أخرى وسائل التواصل الاجتماعي وقوة الدوائر الاجتماعية، ويمكن ملاحظة ذلك في رعاية المؤثرين للتوصية بالمنتجات بطريقة أكثر شخصية ومألوفة.
انعدام الأمن
غالباً ما تستخدم صناعة الجمال والموضة التلاعب بالصور وتعديلها بالفوتوشوب في الإعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن التعرض المستمر للوجوه والأجسام “الخالية من العيوب” عبر الإنترنت وفي الإعلانات يمكن أن يؤدي إلى إثارة القلق وانخفاض احترام الذات ومشكلات صورة الجسم.
وعليه يؤثر التسويق والإعلان بصورة كبيرة على المجتمع وعلى كيفية رؤية الناس لأنفسهم ومحيطهم. وطيلة أعوام استخدم المسوقون والمعلنون صوراً وإعلانات لنساء مثاليات للترويج لسلعهم، مما أدى إلى خلق معايير جمال غير قابلة للتحقيق ووجهات نظر مجتمعية نمطية يمكن أن تجعل عديداً من النساء يشعرن بعدم الجاذبية والقلق في شأن مظهرهن وكيفية تصويرهن في الأماكن العامة.
ولقد أحدثت معايير الجمال غير الواقعية هذه المنتشرة عبر الإنترنت ضرراً كبيراً في الحياة الواقعية، وخصوصاً على الفتيات والنساء، وذلك وفقاً لتقرير برلماني في المملكة المتحدة، إذ يشعر 31 في المئة من المراهقين و35 في المئة من البالغين بالخجل أو الاكتئاب بسبب كيفية إدراكهم لأجسادهم.
وفي عام 2016 بحثت دراسة في مجلة أبحاث التسويق، في تأثير التعرض للإعلانات التي تظهر فيها عارضات أزياء جذابات جسدياً، على احترام المرأة لذاتها وصورة جسدها. وأظهرت النتائج أن التعرض أدى إلى انخفاض الرضا عن الجسم وانخفاض احترام الذات بين النساء، وخصوصاً اللاتي كن بالفعل غير راضيات عن مظهرهن. واقترح الباحثون أن التعرض لصور مثالية للنساء في الإعلانات يمكن أن يخلق تلك المعايير غير الواقعية للجمال، فتشعر النساء عند مشاهدتها بالضغط للامتثال لها، مما يؤدي إلى تقييمات ذاتية سلبية.
أساليب التلاعب
هناك طريقة أخرى يستخدمها التسويق للتلاعب بالنساء، من خلال استخدام تكتيكات إثارة الخوف، فقد استخدمت بعض الحملات التسويقية الخوف لبيع المنتجات من خلال الإيحاء بأن النساء سيعانين عواقب سلبية إذا لم يستخدمن منتجات معينة أو يتبعن روتيناً معيناً للجمال أو الصحة. فقد يزعم إعلان عن منتج للعناية بالبشرة أن استخدام المنتج هو الطريقة الوحيدة لمنع التجاعيد أو أن عدم استخدام المنتج سيؤدي إلى بشرة غير صحية، وعليه يمكن أن تؤدي هذه التكتيكات إلى خلق القلق وانعدام الأمن لدى النساء، مما يدفعهن إلى الاعتقاد بأنهن في حاجة إلى شراء المنتج لتجنب النتائج السلبية.
إضافة إلى الترويج لمعايير الجمال غير الواقعية واستخدام تكتيكات إثارة الخوف، استخدم التسويق أيضاً للتلاعب بالنساء من خلال تقديم المنتجات كحلول لمشكلات قد لا تكون موجودة بالفعل. وقد يدعي إعلان عن منتج للعناية بالشعر أن استخدام المنتج سيجعل شعر المرأة أكثر جاذبية للرجال أو أنه سيعطيها مزيداً من الثقة، لذلك يمكن أن تخلق هذه الأنواع من رسائل التسويق شعوراً بعدم الكفاءة لدى النساء وتجعلهن يشعرن بأنهن في حاجة إلى شراء المنتج لتحقيق النجاح أو السعادة.