حرية ـ (26/11/2024)
الهواية هي نشاط يمارسه الإنسان سعياً إلى المتعة خلال أوقات الفراغ وليس بصورة احترافية، فثمة أنواع شائعة ومعروفة مثل الرياضات وجمع الطوابع والتحف وغيرها، إلا أن أشخاصاً يخطون أوسع قليلاً ليجدوا ضالتهم في ممارسات غريبة أو مزعجة أو خطرة، أما الحكم على النتيجة فيكون موضع جدل يصعب الاتفاق عليه.
في المملكة المتحدة يمكن أن تجد امرأة تهوى مطاردة الأشباح، فتسافر من منطقة لأخرى بحثاً عنها في الأماكن المهجورة، لم تصادف أيّاً منها حتى الآن ولكنها سمعت وقع أقدام وصوت استغاثة سيدة قتلت قبل 160 عاماً، على حد قولها.
ثمة امرأة تهوى البحث أيضاً ولكن عن أبنية ورثها الأوروبيون من الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولشدة تعلقها بهذه الهواية، بات أولادها ينزعجون عند سماع أي خبر عن مكان بهذه المواصفات لأن أمهم ستقرر زيارته في اليوم التالي.
هناك أيضاً رجل بريطاني يتتبع الحربين العالميتين من خلال جمع خوذ جنود شاركوا فيهما، فيضع تصوراته وتخيلاته الخاصة للأشخاص الذين لبسوها أو يصف إصاباتهم إذا ما بدت آثار رصاص أو انحناءات على المجسمات المعدنية نصف الكروية.
رجل آخر يرصد ماسحات الأحذية القديمة التي زرعت قبل عقود في شوارع المدن البريطانية لتعين الناس على التخلص من الطين العالق في أحذيتهم عند السير في طرق غير معبدة، وما إن يجدها حتى يتصور معها ومن ثم يضيفها إلى خريطة أعدها خصيصاً ليجمع تلك الماسحات فوق جغرافيا البلاد، ظناً منه أنها ستفضي إلى رسالة ما.
تنتشر بين البريطانيين كذلك هواية مراقبة الطبيعة بمكوناتها النباتية والحيوانية، وفي معجزات الخلق متعة تبهج النظر والقلوب وتثير أسئلة فلسفية ووجودية أحياناً، ولكن ماذا عن مراقبة “الدوارات” في الشوارع، ما الذي يجده هؤلاء الذين يراقبونها على مدار الساعة ويشكلون مجموعات لتصويرها ورصد حركة المركبات فيها خلال الليل والنهار؟.
والأكثر غموضاً من مراقبة “الدوارات” هو التجول في “المجاري”، فتجد شخصاً يرفع غطاء فوهات الصرف الصحي المنتشرة في الشوارع لينزل بداخلها ويتحرك بين واحدة وأخرى، باحثاً عن “علاقة الظلام بالمياه والكائنات التي تعيش هناك”.
ممارسة مختلفة للنشاط
ثمة جملة من الدوافع التي قد تقود إلى الهوايات من وجهة نظر علوم النفس والاجتماع، أولها المصالح الشخصية إذ ينجذب الأفراد إلى الأنشطة التي تشبع أذواقهم وعواطفهم وفضولهم، وبينما يستمتع أحدهم بالرسم لأنه يقدر الفن، يفضل آخر الرياضة للإثارة.
الخلفية الثقافية يمكن أن تشكل الهوايات أيضاً، فقد تكون بعض الأنشطة أكثر شعبية أو تقليدية في ثقافات محددة، مما يدفع الأفراد إلى هوايات مرتبطة فيها. كذلك يمكن أن تكون الهوايات بالنسبة إلى بعضهم وسيلة للتواصل الاجتماعي، في حين يجد فيها آخرون سبيلاً للتخلص من ضغوط الحياة اليومية التي ازدادت خلال العقود الماضية.
والهوايات الغريبة لا تختلف عن غيرها في الدوافع والأسباب ولكن القيام بها يقع محط جدل بين مؤيد ورافض على أساس الانطباع الشخصي بالدرجة الأولى، وهذا يطاول حتى الأنشطة المعروفة عندما تتحول إلى هوايات تمارس بنوع من التطرف أو الغرابة مثل كي الملابس في الماء أو خلال الهبوط بالمظلات أو في أماكن خطرة للغاية.
هناك أيضاً هواية جمع الأشياء التي يمارسها كثيرون حول العالم وليس فقط في بريطانيا، فقد تتحول إلى فعل غريب عندما يقوم أحدهم بطهي الطعام إلى حدود حرقه ثم يضيف الوجبة لمعرض أنشأه للأكلات المحروقة المنجزة من قبله أو بيدَي غيره، وفي السياق ذاته تجد معرضاً للأحذية القديمة وآخر لرقائق البطاطا، فيما يحلم بالفكرة ذاتها أناس يجمعون منذ أعوام أغطية مقاعد المراحيض أو زجاجات الصلصة الحارة أو علب معجون أسنان فارغة أو أكواب العلامات التجارية أو حفنة رمال من كل منطقة يزورونها.
هوايات فردية وجماعية
بعض الهوايات الغريبة انتقلت من شخص إلى آخر، فتحولت إلى مسابقات كصناعة الفقاعات بالصابون في حوض الاستحمام التي أصبحت لها اليوم عروض حية يحضرها جمهور يشجع ويصفق للأفضل في تقديم لوحات إبداعية من تلك الكرات المتطايرة من “البانيو”، كما أصبح هناك سيرك تعتمد فعالياته على الفقاعات.
تغطية الأشياء بخيوط ملونة، هواية تحولت إلى منافسة تستقطب كثيرين حول العالم، فينشرون صور أبواب أو دراجات أو سيارات أو قطع أثاث بخيوط صوفية أو قطنية، حتى إن بعضهم يستخدمها لصناعة أشكال على الجدران بدلاً من استخدام الطلاء في الرسم.
وهناك أيضاً فعاليات غريبة تحولت إلى هواية اعتنقها كثيرون مثل مطاردة قطعة جبن تتدحرج على سفح تل في منطقة كوبر هيل بمدينة كوتسوولدز غرب إنجلترا، يشارك فيها مئات الأشخاص سنوياً على رغم الأخطار التي تنطوي عليها.
ثمة شابة جمعت أكثر من ألفي قطعة من “عرائس الباندا” للتبرع بها للأطفال المرضى حول العالم، وقصتها حولت جمع الألعاب للغرض ذاته إلى هواية يمارسها كثيرون، وإن كانت هذه القصة حالة خاصة التفت حولها مجموعة من الناس، فإن الفضول تجاه أشياء معينة أكسب هوايات غريبة طابعاً عالمياً من دون تخطيط ولا يعرف محبوها بعضهم بعضاً كتربية النمل أو حيوانات مفترسة أو رمي الأحجار لتقفز فوق سطح الماء.
شبان يمارسون الهوكي تحت الماء
ليست أمراضا نفسية
الأمثلة كثيرة على الهوايات الغريبة حول العالم، فهناك من يجمع أدوات الأسنان القديمة وتحويلها إلى تحف فنية فريدة، وآخر يصنع حدائق صغيرة في زجاجات أو حاويات صغيرة، إذ تصمم مناظر طبيعية مصغرة، وثالث يستمتع بالتقاط وتسجيل أصوات الضفادع النادرة والمتميزة من برك مختلفة.
والهواية الغريبة قد تكون محاولة للتفرد والتميز عبر ممارسة أنشطة غير مألوفة، أو رغبة في الاستكشاف والتحدي أو وسيلة للتعبير عن الذات أو تخليصها من التوتر والضغط أو للتعلم أو للتواصل مع أشخاص مشابهين في التفكير، ولكن بغض النظر عن السبب فإن الهوايات الغريبة تسهم أيضاً في إثراء حياة أصحابها مثل الهوايات العادية المعروفة كالركض ولعب الشطرنج والقراءة وغيرها.
لا تعد الهوايات الغريبة أمراضاً نفسية مهماً بلغت درجة غرابتها، قد تنطوي في حالات قليلة على مخاطرة أو تستخدم كوسيلة للهرب من مشكلات أعمق ينصح حينها باستشارة متخصص نفسي، لكن بصورة عامة تعد الهوايات بكل صورها وسائل إيجابية للتعبير عن الذات وتحقيق السعادة للذين يمارسونها.
هواية حفر القرع تحت الماء
الانتشار الجغرافي والتقني
يمكن أن توجد الهوايات الغريبة في أي مكان حول العالم، ومع ذلك هناك بعض الدول التي تبرز فيها هذه الممارسات بسبب تقبلها وتشجيعها للخروج عن المألوف والتجريب في الحياة، من بينها اليابان التي يعرف شعبها بإقباله على ثقافات فرعية وهوايات فريدة في جمع الأشياء أو تتبع قصص خيالية.
في الولايات المتحدة يمكن أن تجد هوايات غريبة مثل صيد الأشباح وإعادة تمثيل المعارك التاريخية، فيما تشتهر ألمانيا بهوايات كجمع أكواب البيرة وتنظيم سباقات الأرانب، وفي الصين هناك من ينحت على الغبار، بينما يهتم الأستراليون بالبحث عن شظايا الأسماك والكائنات البحرية لصنع لوحات فنية.
بصورة عامة تعيش الهوايات الغريبة في مجتمعات تحتضن التفكير الإبداعي وحرية التعبير، ولكن بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بات من الممكن التعرف على أشخاص يمارسون أنشطة غير مألوفة في أماكن مختلفة حول العالم، فيشاركونها مع أقرانهم ويلفتون الانتباه إليها لتنتقل من بقعة إلى أخرى.
كذلك توفر وسائل التواصل مجتمعات أو أندية افتراضية لأشخاص يمتلكون الاهتمامات الغريبة نفسها، مما يتيح لهم دعم وتبادل الأفكار والموارد مع الآخرين، إضافة إلى أنه من خلال الصور والفيديوهات يمكن رؤية هوايات جديدة وتجربتها فيكتشف الناس اهتمامات جديدة لم يكونوا على دراية بها من قبل.
توفر وسائل التواصل أيضاً خدمات مرتبطة بالهوايات الغريبة مثل أدوات خاصة، كما تتيح الوصول إلى تحف نادرة أو كتيبات تعليمية، كذلك تساعد أصحاب هذه الهوايات على تسويق منتجاتهم وتحويلها أعمالهم لمشاريع.