حرية ـ (27/11/2024)
بالتهديد الذي وجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لرئيس النظام السوري، بشار الأسد تكون إسرائيل زادت جرعة التركيز العسكري على سوريا على نحو أكبر، وفتحت بوابات جديدة للتصعيد، وهو ما ترجمته فورا بضربات جوية استهدفت معبرين حدوديين رسميين، ليلة الأربعاء.
على مدى الشهرين الماضيين وجهت إسرائيل أعينها صوب سوريا، من منطلق أن الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري تخترقها طرق إمداد أسلحة وذخائر يستفيد منها حزب الله في لبنان. وجاء ذلك في وقت كانت تواصل حملتها العسكرية ضد الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران في جنوب لبنان.
وبعد ضرب المعابر الحدودية الرسمية وغير الرسمية – وتواصل هذه الاستراتيجية حتى الآن – حوّلت إسرائيل تركيزها منذ بداية نوفمبر إلى ضرب مستودعات الأسلحة التابعة للنظام، ومن ثم بدأت بإصدار بيانات حمّلت فيها “الأمن العسكري” وقواته المعروفة بـ(درع الأمن العسكري) مسؤولية التنسيق والانخراط في عمليات إيصال الأسلحة لحزب الله.
وكان لافتا في البيانات، آخرها قبل يومين، الإشارة إلى تدمير عدة أنفاق تصل بين سوريا ولبنان، أحدها “استراتيجي” وبطول ثلاث كيلومترات وكانت عملية إنشائه قد استمرت لعشر سنوات، بحسب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي.
وفقا لأدرعي تدير الوحدة 4400 المسؤولة عن تسلح حزب الله مجهود نقل الأسلحة والذخائر من سوريا إلى لبنان، وتتولى هذه الجهة وهي التي تأسست في عام 2000 المسؤولية عن تهريب الوسائل القتالية إلى داخل الأراضي اللبنانية من إيران ووكلائها.
منذ تأسيسها أنشأت الوحدة 4400 المحاور العديدة والاستراتيجية على الحدود السورية اللبنانية، وقال أدرعي إن هذه المحاور السرية تديرها إيران بالشراكة مع النظام السوري وبالتغافل منه، مشيرا إلى “مسؤولين سوريين يقودون جهود عمليات نقل الوسائل القتالية بطريقتين رئيسيتين”.
والطريقة الأولى هي تخزين الوسائل القتالية قبل نقلها إلى لبنان في مستودعات تابعة للجيش السوري، والثانية تذهب باتجاه تقديم تسهيلات ملموسة عند المعابر الداخلية السورية التي تديرها وحدة “الأمن العسكري” السورية.
ما واقعية الأنفاق؟
وترتبط سوريا مع لبنان بحدود يبلغ طولها 373 كيلومترا. وفي حين أنه توجد هناك ستة معابر شرعية طالما سلطت تقارير إعلامية خلال السنوات الماضية الضوء على الوصلات غير الشرعية، التي تستخدم في عمليات تهريب الأسلحة والبشر.
ليس ذلك فحسب، فقد تحولت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام منذ دخول حزب الله لدعم الرئيس بشار الأسد إلى ساحة يستفيد منها كممر للحصول على الأسلحة القادمة من العراق عبر الطريق البري المار من البوكمال.
ولم يكن الطريق المار برا هو الوحيد، بل كان يسير بموازاته آخر بحري وجوي.
فيما يتعلق بواقعية وجود أنفاق تمتد من سوريا إلى لبنان، تعود الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس إلى الوراء، وتوضح أن العلاقة بين حزب الله ونظام الأسد بعد “اتفاق الطائف” (1989) كانت مزيجا من الدعم السياسي والحماية داخل لبنان والدعم العسكري عبر مستويين.
المستوى الأول كان يسير في إطار تزويد الأسد لحزب الله بالأسلحة والذخائر، والثاني عبر تدريب مقاتلي الميليشيات داخل الأراضي السورية.
ومع ذلك، أدى انسحاب الجيش السوري بعد ثورة الأرز في لبنان عام 2005 إلى تعقيدات لوجستية في نقل الأسلحة، خاصة الصواريخ ذات الأحجام الكبيرة، من الأراضي السورية إلى الداخل اللبناني في ظل المراقبة الجوية المكثفة من قبل إسرائيل.
ودفع هذا الوضع نظام الأسد وحزب الله، بحسب ما تتابع الخبيرة لموقع “الحرة”، للبحث عن وسائل بديلة لنقل الأسلحة. وهنا برزت فكرة حفر الأنفاق كخيار مناسب لتحييد المراقبة الجوية الإسرائيلية.
وتضيف كولوريوتيس أنه “تم اختيار مناطق القلمون وريف حمص الجنوبي الغربي كمناطق ملائمة للأنفاق بسبب قلة الكثافة السكانية فيها، مما يقلل من خطر تسرب المعلومات”.
ومن جهته يشير الباحث الأمني السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان إلى أن نفوذ حزب الله على الحدود بين سوريا ولبنان يمتد من منطقة العريضة حتى عرسال.
ويقول لموقع “الحرة”: “هذه المنطقة تضم شبكات من أنفاق منذ سنوات، وتبدأ من العمق السوري أو من النقاط القريبة من الحدود”.
سيطرة حزب الله وانخراطه بقوة في العمليات العسكرية التي استهدفت منطقة القصير الحدودية بريف حمص عام 2012 ومناطق أخرى في القلمون كان دليلا واضحا على أهمية هذه المناطق بالنسبة له، وفق الباحث السوري.
ويشرح أنه بعدما فرض الحزب نفوذه فيها “فرغها من السكان وعمل على تنظيمها وتحويلها إلى المعبر الحقيقي والمدخل الأساسي له بين لبنان وسوريا”.
“بعض الأنفاق واسعة”
في التهديد الذي أطلقه خلال تعليقه على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وجه بنيامين نتنياهو حديثه لرئيس النظام السوري قائلا: “الأسد يجب أن يفهم أنه يلعب بالنار”.
كما أضاف أن إسرائيل “تقوم بإجهاض محاولات إيران وحزب الله والجيش السوري لتمرير الأسلحة إلى لبنان”.
ولم يصدر أي تعليق من جانب النظام السوري حتى الآن. وكان حديث نتنياهو جاء بعد سلسلة تهديدات أطلقها الجيش الإسرائيلي وخصت بالتحديد الأمن العسكري التابع للمنظومة الأمنية في سوريا، قائلا لأكثر من مرة إن هذه الجهة تنخرط وتشارك في عمليات تهريب الأسلحة من سوريا باتجاه لبنان.
وتقول الخبيرة كولوريوتيس إن عمليات تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان تم تقسيمها في أعقاب اندلاع الحرب في سوريا عام 2011. وشمل ذلك مسارين.
المسار الأول لنقل الذخيرة للأسلحة الخفيفة والمتوسطة عبر المعابر البرية الرسمية وغير الرسمية، والثاني لنقل الصواريخ الثقيلة والمتوسطة عبر الأنفاق، إما بنقلها مباشرة أو كأجزاء يتم تجميعها داخل لبنان، وفق الخبيرة.
وتوضح أن “بعض هذه الأنفاق واسعة بما يكفي لاستيعاب شاحنات لمسافة تتراوح بين 2 إلى 4 كيلومترات”.
لكن في المقابل لا يعتقد الخبير العسكري اللبناني، وهبي قاطيشا أنه توجد أنفاق رسمية وشبكات كاملة بالمعنى الحرفي بين البلدين وتقطع الحدود الواصلة بينهما.
ويقول في حديثه لموقع “الحرة”: “ربما توجد أنفاق لعمليات تخزين الأسلحة فقط، وخاصة في المنطقة الجبلية التي تقع في بلدة أكوم السورية وأكروم اللبنانية”.
“حزب الله قد يكون قادرا على إنشاء أنفاق لعملية التخزين وليس التمرير”، ويتابع قاطيشا أن هذه الاستراتيجية كانت تهدف في السابق والآن لإبعاد الشحنات عن خطر الاستهداف الإسرائيلي المباشر، ولكي لا تكون مكشوفة.
خلال الشهرين الماضيين تركزت الضربات الإسرائيلية داخل سوريا على منطقة القصير الحدودية مع لبنان، وكان 70 بالمئة منها على حمص والريف الغربي التابع لها، بحسب شعبان.
ويقول الباحث السوري إن “حزب الله كان له الأدوات الكافية خلال السنوات الماضية لتحويل مناطق الحدود لمستودع، وللاستفادة منها لوجستيا”.
ومن بين تلك الأدوات المهربون الذين يسلكون منذ سنوات طويلة طرقا كثيرة للتهريب وتمرير الشحنات، سواء عبر الأنفاق أو على ظهور الحيوانات، واستغلهم حزب الله لمصلحته، بحسب الباحث الأمني السوري.
لماذا “الأمن العسكري” بالتحديد؟
وقبل أن يوجه نتنياهو كلماته للأسد بقوله إنه “يلعب بالنار” نشر الجيش الإسرائيلي عدة اتهامات، صدر آخرها من جانب رئيسة قسم الإعلام العربي، كابتن إيلا، إذ قالت إن النظام السوري يساعد إيران وحزب الله في تهريب الأسلحة نحو لبنان بوسيلتين رئيسيتين.
الوسيلة الأولى بحسب المسؤولة الإعلامية في الجيش الإسرائيلي تخزين الأسلحة في مستودعات الجيش السوري، والثانية تقديم التسهيلات عبر المعابر التي تديرها وحدة “الأمن العسكري” التابعة للنظام.
وتعتقد الخبيرة كولوريوتيس أن توسع دور الأمن العسكري داخل نظام الأسد بشكل كبير بعد اندلاع الثورة السورية كان بسبب دوره في مراقبة الجيش الذي كان يمر بفترة من انعدام الثقة بين صفوفه نتيجة ارتفاع معدلات الانشقاقات.
كما عززت إيران دعمها وعلاقاتها مع هذا الفرع بالتوازي مع الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد.
ومع إعادة الأسد فرض سيطرته على وسط سوريا بالتنسيق مع الميليشيات المدعومة من إيران، وهنا زاد حضور فرع الأمن العسكري وبدأ في تولي دور التنسيق بين هذه الميليشيات وجيش الأسد، بحسب الخبيرة.
وتوضح المتحدثة أن هذا الدور منح ضباط الأمن العسكري علاقات مباشرة مع “فيلق القدس” الإيراني وحزب الله اللبناني، مما جعلهم مسؤولين بشكل مباشر عن التعاون والعمل مع الوحدة 4400 التابعة لحزب الله، وهي الوحدة المسؤولة عن تزويد الميليشيات بالأسلحة.
وكانت أهمية فرع الأمن العسكري بالنسبة لإيران هي السبب في تعيين اللواء كفاح ملحم، القائد السابق للأمن العسكري، في منصب رئيس مكتب الأمن الوطني، وهو أهم منصب أمني في سوريا، خلفا للواء علي مملوك.
وخلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، وفي خطوة غير بروتوكولية، التقى وزير الدفاع الإيراني عزيز ناصر زاده برئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء دفّاع ملحم، وتتابع كولوريوتيس أن “اللواء كمال حسن يتولى الآن منصب رئيس فرع الأمن العسكري بناءً على توصية من طهران”.
ومنذ سنوات يدير “الأمن العسكري” المعابر الرسمية على الحدود. ولا يقتصر ذلك على ما بعد محطة 2011، بل الفترة التي سبقتها.
ويعتقد الخبير العسكري قاطيشا أن عملية قطع طرق إمداد الأسلحة لحزب الله من سوريا “ستكون سهلة”.
ويقول إن إسرائيل “قادرة على فعل ذلك لأنها تملك تفوقا جويا كاسحا، والقدرة على توجيه الضربات في سوريا وداخل لبنان وعلى المعابر الواصلة بين البلدين”.