حرية ـ (11/12/2024)
إذا كانت الرباط عاصمة إدارية للمغرب، والدار البيضاء عاصمة المال والأعمال، وفاس هي العاصمة العلمية، ومراكش “عاصمة النخيل”، وتيزنيت “عاصمة الفضة”، فإن تازة تعد “عاصمة الكهوف والمغارات” بامتياز في المملكة.
تأوي تازة، التي تقع في الشمال الشرقي للمغرب، أكثر من 300 كهف ومغارة، مما يجعلها المدينة الوحيدة في العالم التي تضم كل هذا العدد الضخم من المغارات، وأشهرها على الإطلاق مغارة فريواطو ومغارة الشعرة، وغيرهما من “كنوز الطبيعة” كما يسميها الباحثون والمستغورون.
تشكيلات ساحرة
من اللافت أن يضم حيز جغرافي محدد ما يزيد على 300 مغارة، إذ تفيد معطيات غير رسمية بوجود زهاء 320 كهفاً ومغارة في إقليم تازة (المدينة والنواحي) لوحده، بينما تورد معطيات أخرى أرقاماً أكبر.
بخصوص الاختلاف في إعطاء رقم محدد لمغارات تازة، يقول الباحث الجيومورفولوجي (علم دراسة شكل الأرض) عبدالله بوكطيب إن المؤكد هو تجاوز العدد رقم 300، غير أنه بسبب اكتشاف مغارة بين الفينة والأخرى داخل حدود الإقليم يجعل الرقم متحركاً وآخذاً في التزايد.
من اللافت أن يضم حيز جغرافي محدد ما يزيد على 300 مغارة
ويستطرد الباحث ذاته بأنه في مرات خلت اكتشف أهالي إقليم تازة أنفسهم مغارة أو شكلاً تضاريسياً معيناً في الحدود الترابية المترامية لتازة، فاتجهت السلطات المتخصصة برفقة خبراء في المجال ليتأكدوا من إمكانية تصنيف ما وجده السكان ضمن قائمة المغارات والكهوف كما هي معروفة بالشروط العلمية والجيولوجية.
وحول تعدد هذه التضاريس الطبيعية المثيرة في تازة، التي تشكلت منها مئات المغارات والكهوف، أورد بوكطيب أن عدداً من هذه المغارات تصنف ضمن الأشكال الكارستية، نسبة إلى إقليم “كارست” في يوغوسلافيا سابقاً، وهي التي غالباً ما تظهر في المناطق الجيرية الرطبة غير الصلبة.
وتابع الباحث الجيومورفولوجي أن هذه الأشكال التضاريسية نحتت بفضل أسباب عدة وعوامل تتعلق بالبنية الجيولوجية للمنطقة ذاتها، بخاصة وجود طبقات من صخور معينة لا توجد في جميع المناطق الأخرى، إذ تكون الصخور ذات سمك بشقوق كثيرة، وتتسم بخاصية الذوبان قرب سطح الأرض.
ووفق المتحدث عينه، تعود مغارات تازة إلى عهود تاريخية غابرة جداً، حتى إن هناك من الخبراء والمؤرخين من يرجعها إلى إنسان ما قبل التاريخ، عندما استوطن هذا الإنسان مغارة “كفان بلغماري” وجعلها مأوى له، كما اتخذتها الحيوانات إبان تلك الحقبة سكناً ومخبأ.
الواقع والأسطورة
لعل مغارة “فريواطو” تعد أشهر مغارات تازة وأفريقيا أيضاً، بل يعدها كثر أكبر مغارة في العالم بفضل شكلها وفضائها التضاريسي الشاسع، وتنوع سراديبها ومداخلها وفوهتها، حتى إن هناك من يقول إنه لم يعثر بعد على نهاية المغارة.
ويرى عديدون أن “فريواطو” اسم أمازيغي مركب يعني “كهف الريح”، نسبة إلى صوت الريح الذي يأتي من فتحة المغارة ويحدث نوعاً من الهدير داخله، ليتقاطع مع أشعة الشمس المتسللة من الفوهة إلى ثنايا المغارة المدهشة.
ولاسم هذه المغارة قصة مثيرة أيضاً يمكن إدراجها ضمن القصص والأساطير المروية التي تداولتها ألسن الأجداد، يورد المرشد والمستغور المحلي حميد مشوح أن القصة المتداولة تظل في مجملها خيالية لا تنطبق على واقع الأشياء والأحداث، غير أن لها معاني تحاول الربط بين المغارة ومحيطها البشري والجغرافي أيضاً.
ملخص الأسطورة، وفق المتكلم ذاته، يتمثل في أن شابة أمازيغية تدعى “إيطو” (الجزء الثاني من اسم المغارة)، أصيبت بمرض عضال لم يعثر والدها له على علاج، فأفشى الأطباء بين ناس القبيلة القابعة في جبال الأطلس بأن علاج الفتاة عسل مهجور لم تمسه يد إنسان، فبلغ الخبر إلى راعي غنم استطاع العثور على العسل المنشود في مغارة.
وعوض أن تكون المكافأة زواج الشاب بالفتاة، كما وعد الأب من يعثر على علاج ابنته، رفض هذا الزواج، فألقى الشاب بنفسه من أعلى المغارة لينزل سالماً، فلحقت به الفتاة التي أغرمت به غراماً شديداً، وظلا أسفل المغارة يبكيان حتى شكلت دموعهما بحيرة سميت بعد ذلك بـ”إيسلي” بمنطقة إملشيل، لتنتهي علاقة الشابين بموتهما، وفق ما تسرده الأسطورة الأمازيغية.
وفي جانب الاستغوار، يقول المرشد السياحي ذاته إن مغارة فريواطو تعد بامتياز كنزاً طبيعياً وأعجوبة في حد ذاتها، فمن فوهتها الشاهقة يمكن للزائر رؤية السفح، فضلاً عن سلالم وسراديب المغارة.
ولمغارة “فريواطو” ثلاثة مداخل أساس، الأول يضم أكثر من 500 سلم بعمق يصل إلى 180 متراً تحت الأرض، والمدخل الثاني يتكون من 200 سلم، وهو مظلم بخلاف الأول المضاء بأشعة الشمس، والثالث طويل جداً لا يمكن قطعه من دون مرشد في المغارة.
الشعرة والشيكر
وفي دوار تبحيرت، الواقع في الحيز الترابي لإقليم تازة، تنتصب مغارة “الشعرة” الشهيرة بشكلها التضاريسي المثير، وتجويفها الطبيعي الخلاب الذي تشكل بتأثير المياه في مر مئات القرون.
وتعرف مغارة “الشعرة” أيضاً باسم “إفري أزوكاغ” أي المغارة الحمراء، وينعتها المتخصصون بالعالم الصخري الدامس، إذ يغلب الظلام على نور الشمس، غير أن هواة الاستغوار والاستكشاف يرونها تحفة طبيعية قل ما يجود بها الزمن.
بين الفينة والأخرى يتم اكتشاف مغارة داخل حدود الإقليم
ووفق الباحثين العارفين بمغارة الشعرة، فإن امتدادها الأفقي يصل إلى أكثر من سبعة كيلومترات، قد يقضيها الزائر أو السائح على طول سويعات يستكشف فيها بدائع الطبقات تحت الأرض، وكيف شكلت المياه لوحات صخرية تضاهي اللوحات التشكيلية الفنية.
وتتكون مغارة الشعرة من طبقتين، الطبقة السفلة التي تجري فيها مياه النهر على طول الامتداد التجويفي، وتتميز بالرطوبة بالنظر إلى وجود الوادي، بينما الطبقة الثانية العليا جافة وتعد الأكثر جمالاً وجذباً للسياح والمستغورين.
وشهدت مغارة الشعرة قبل بضعة أشهر اكتشاف علماء وباحثين أثر تمساح “تيليو صوريد” الذي يعود إلى بدايات العصر الجوراسي الممتد إلى 145 مليون عام خلا، وهو الاكتشاف الأول من نوعه بمنطقة تازة، وفق مجلة علوم الأرض الأفريقية.
وأما مغارة “شيكر” فعلى رغم أنها أقل شهرة من فريواطو والشعرة، فإنها بدورها تجذب هواة استغوار واستكشاف المغارات بفضل تركيبتها الجيولوجية المدهشة، إذ يبلغ عمقها تحت الأرض 150 متراً، وامتدادها الأفقي يصل إلى أربعة كيلومترات.
ويقول المستغورون العارفون بهذه المغارة إنها فضاء طبيعي جميل عبارة عن تحفة فنية بفضل التشكيلات الكلسية التي تعود إلى آلاف الأعوام، لكنها بخلاف المغارات الأخرى قد تشكل خطراً على سلامة من لا يجيد الاستغوار والدخول والخروج إلى هذه المغارة.