حرية ـ (29/12/2024)
عبد المنعم سعيد
ينقسم العالم العربى إلى نوعين من الدول: أولهما موحدة ثابتة الجنان ولديها سلطة سياسية لديها القيادة والسياسة والسلاح، وإيمان عميق بأنها تقود هوية موحدة وراسخة لا تكف عن تغذيتها بما يقودها إلى الأمام. هذه الدول توجد فى مجلس التعاون الخليجى الست، حيث تكونت نخب عريقة تجنبت المد العثمانى والاستعماري؛ أو نجحت قيادتها فى الخروج السلس من التجربة الاستعمارية. الروابط جرت رعايتها وتغذيتها بأهداف ومصالح مشتركة، ورؤية ثقافية متوازنة، ورغبة فى اللحاق بالعالم المعاصر. يضاف إلى هذه الدول مصر ذات التاريخ العريق والهوية الموحدة عبر آلاف السنين، والأردن والمغرب حيث الأسر الملكية هاشمية المنبع، وتقدمية المقصد فى رؤية العالم. وثانيهما مضطربة تبحث عن هويتها الخاصة وتغطيها بالعروبة أو بالإسلام السياسى أو بالخوف الشديد من الفوضى والحرب الأهلية التى تبدأ بسهولة، ولكنها تستعصى فى النهاية. دول الهلال الخصيب فى العراق وسوريا ولبنان، وبعيدا عنهما اليمن، والسودان والصومال وليبيا قضت وقتها منذ الاستقلال وقيام الدولة الحديثة فى البحث عن هوية تمنع المواطن من قتل المواطن الآخر.
المثال السورى استقل بعد الحرب العالمية الثانية، وكان الانتداب قد انتهي، ولكن لم يمض وقت حتى بدأت سلسلة من الانقلابات العسكرية بقيادة حسنى الزعيم، وبعد تكرارها تجمع الضباط فى القاهرة طالبين الوحدة مع مصر. كانت العروبة هربا من هوية ممزقة لم يقدر لها لحمة كافية وكان الحل هو الانتماء إلى عباءة مبشرة بدولة عربية ذات رسالة خالدة. الانفصال كان خيارا آخر جاء سريعا ولكنه كان تقليدا تكرر بعد ذلك معتمدا على حزب أو أيديولوجية وعلى جيش يعتمد على كتلة سكانية من نوع أو آخر. أحيانا كانت هناك صفقة مثلما جرى فى لبنان، وأحيانا اعتمادا على فيدرالية كما فى السودان والعراق حيث كان انفصال السياسة عن السلاح يخلق ظروف الحرب الأهلية. وفى سوريا الجديدة تأتى فى جدتها على فصائل مسلحة لا تعرف معنى أن تكون سوريا!