حرية – 30/12/2024
احمد الحمداني
لطالما كانت وسائل الإعلام في العراق محط اهتمام واسع بسبب دورها الحاسم في تشكيل الرأي العام وتسليط الضوء على الأحداث السياسية والاجتماعية.
ومع ذلك، فإن الإعلام العراقي، خاصة بعد التغيير الكبير الذي شهده البلد منذ 2003، أصبح في موقع يواجه تحديات كبيرة بين مطرقة السلطة السياسية وسندان الجمهور الذي يسعى وراء الحقيقة.
هذا الصراع المستمر بين الإعلام والسياسيين شكل مشهدًا معقدًا يعكس حجم الأزمة السياسية والثقة في المؤسسات الإعلامية في البلاد.
على الرغم من تطور الإعلام في العراق بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، سواء من حيث التقنية أو التنوع في وسائل التواصل، إلا أن الصحافة ووسائل الإعلام في البلاد غالبًا ما تكون محاصرة بين رغبات السياسيين وضغوطاتهم وبين طموحات الجمهور في الحصول على معلومات نزيهة وواقعية.
كثيرًا ما تجد وسائل الإعلام نفسها في موقف صعب؛ فالإعلاميون مضطرون أحيانًا إلى الامتثال للخطوط الحمراء التي يضعها السياسيون، أو يكونون عرضة للتهديدات بسبب تغطية مواضيع حساسة مثل الفساد، الأمن، أو حتى السياسات الخارجية.
يواجه الإعلام العراقي، بشكل خاص، ضغوطًا هائلة من السياسيين الذين لا يترددون في استخدام سلطاتهم للتأثير على الإعلام.
في بعض الحالات، يتعرض الصحفيون للمضايقات أو حتى الدعوات القضائية بسبب انتقادهم للأحزاب الحاكمة أو تسليط الضوء على قضايا فساد.
كثير من وسائل الإعلام في العراق تعتمد على تمويل من شخصيات أو أحزاب سياسية، مما يحد من استقلاليتها ويجعلها عرضة للانحياز أو التلاعب بالرسائل الإعلامية.
في هذا السياق، يتضح كيف يمكن أن يصبح الإعلام أداة في يد السياسيين لا أكثر، مما يفقده قدرته على أداء دوره الأساسي كمراقب مستقل للسلطة.
وفي بعض الأحيان، يقوم السياسيون بالتلاعب بوسائل الإعلام لإيصال رسائل معينة إلى الجمهور، أو لشيطنة خصومهم السياسيين.
هذه الاستراتيجية لا تعزز من ثقة الجمهور في وسائل الإعلام، بل تساهم في تعميق حالة الانقسام السياسي في البلاد. الإعلام يصبح أداة في الصراع السياسي، بدلًا من أن يكون عاملًا موحدًا ومساهمًا في بناء الوعي الوطني.
من جهة أخرى، يعاني الجمهور العراقي من فقدان الثقة في وسائل الإعلام بسبب هذا التلاعب السياسي.
كثير من العراقيين يشعرون بأن وسائل الإعلام التي يتابعونها تتبنى أجندات معينة، سواء كانت حكومية أو حزبية، مما يؤدي إلى تزايد الشكوك حول مصداقية الأخبار والمعلومات.
هذا الواقع دفع بعض الناس إلى البحث عن مصادر بديلة مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي توفر لهم مساحة أكبر للتفاعل والمشاركة بالرغم من افتقارها أحيانًا إلى الاحترافية والمصداقية.
وبذلك، يتحول الإعلام إلى ساحة معركة بين الأطراف السياسية، مما يعمق الهوة بين المواطنين ووسائل الإعلام.
هذا يؤدي إلى حالة من الإحباط العام، حيث يجد المواطن نفسه في مواجهة مع إعلام لا يقدم الحقيقة بقدر ما يقدم الأجندات السياسية المتضاربة.
إن التحديات التي يواجهها الإعلام العراقي اليوم ليست مقتصرة على القضايا السياسية فقط، بل تتعلق أيضًا بإصلاح هيكلية الإعلام وتعزيز قدرته على العمل بشكل مستقل.
يحتاج العراق إلى بيئة إعلامية توفر مساحة حرية رأي وتسمح للإعلاميين بالقيام بدورهم في نقل الحقيقة دون خوف من انتقام سياسي.
الإصلاح الإعلامي يتطلب خطوات جادة على عدة أصعدة، بداية من تحسين البيئة التشريعية التي تحمي الصحفيين، وتوفير الدعم اللازم للصحافة المستقلة، وتعزيز التعليم الإعلامي لضمان تدريب الصحفيين على العمل وفقًا لأعلى المعايير المهنية.
كما يجب على وسائل الإعلام أن تكون أكثر شفافية في تمويلها ومصادرها لتجنب الانحياز والتأثيرات الخارجية.
في الختام، يظل الصراع بين مطرقة الإعلام وسندان السياسيين في العراق بمثابة معضلة مستمرة تؤثر بشكل كبير على مصداقية وسائل الإعلام وعلى قدرة المواطن العراقي في الوصول إلى المعلومات الصحيحة.
الإصلاح الحقيقي يحتاج إلى أن يكون هناك توازن بين حرية الإعلام وقدرته على العمل بشكل مستقل من جهة، وبين قدرة السياسيين على احترام الدور الرقابي للإعلام من جهة أخرى.
هذا التوازن يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو بناء إعلام قوي وشفاف يساهم في بناء مستقبل سياسي واجتماعي أفضل للعراق.