حرية ـ (30/12/2024)
طوى الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر (1924-2024) حقبة قرن من الزمن، قضى خلالها 4 سنوات في البيت الأبيض، بمنصب الرئيس الـ36 للولايات المتحدة، بين أعوام 1977 و1981، شهد خلالها على أحداث عالمية عديدة.
مساء الأحد 29 كانون الأول (ديسمبر)، رحَل كارتر عن هذه الدنيا في منزله بولاية جورجيا، ليكون الرئيس الأميركي الأكبر سنّاً على قيد الحياة بعد وفاة جورج بوش الأب عام 2018.
وجاء رحيل كارتر قُبيل أسابيع قليلة من تنصيب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، دونالد ترامب، في 20 كانون الثاني (يناير) 2025، والذي وصف الحكومة في عهده بأنّها “أسوأ مما كانت عليه من قبل”.
مَن هو جيمي كارتر؟
وُلِد جيمي كارتر عام 1924 في ولاية جورجيا، ودخل عالم السياسة في الستينيات من القرن العشرين عندما انتخب عضواً في مجلس الشيوخ عن الولاية ثم تولى منصب حاكم الولاية عام 1971.
وبعد خمس سنوات، فاز في انتخابات الرئاسة الأميركية على حساب الرئيس الأميركي الجمهوري الأسبق جيرالد فورد ليصبح الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة.
احتفل المزارع السابق للفول السوداني بعيد ميلاده المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكان قد أعلن عام 2015 أنه مصاب بسرطان في الدماغ وكان يتلقّى العناية في منزله منذ حوالي السنتين.
وبعدما دخل مراراً إلى المستشفى، اختار في شباط (فبراير) 2023 “قضاء ما تبقّى له من وقت” في منزله حيث كان يتلقّى رعاية تلطيفية، محاطاً بأفراد عائلته.
أكبر التحديات التي واجهها كارتر خلال رئاسته
اصطدمت فترة الحُكم الرئاسية لكارتر بالعديد من المطّبات والتحدّيات الداخلية في الولايات المتحدة، والخارجية في العلاقات مع الدول. وهذه أبرزها:
– كامب ديفيد وأزمة الرهائن
انتُخب كارتر رئيساً في 1976 في بلد ما زال يعاني من فضيحة ووترغيت التي أرغمت الرئيس ريتشارد نيكسون على الاستقالة.
وخلال ولايته الرئاسية الوحيدة، عمل كارتر على تعزيز حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وحظي بعامين أولين ناجحين كان خلالهما مهندس اتفاقيات كامب ديفيد التي أدت إلى توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر.
لكنه واجه انتقادات شديدة في بلاده جراء عملية احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران، وتبدّدت آماله بولاية ثانية في 24 نيسان (أبريل) 1980 حين أعلن فشل المهمة العسكرية التي نفّذها الجيش الأميركي لتحرير هؤلاء الرهائن.
وبعد مغادرته البيت الأبيض، أسّس في 1982 “مركز كارتر” لتعزيز التنمية والصحة وحلّ النزاعات حول العالم.
قادته مساعيه الدبلوماسية سواء للقيام بوساطة أو لمراقبة الانتخابات إلى كل أنحاء العالم من المكسيك والبيرو مرورا بنيكاراغوا وتيمور الشرقية ووصولا إلى كوريا الشمالية والبوسنة.
وفي 2002، فاز كارتر بجائزة نوبل للسلام تكريماً لما بذله “طوال عقود من الجهود الدؤوبة لإيجاد حلول سلمية لنزاعات دولية”.
– العمل الخيري حتى بعد التسعين
وكان كارتر منخرطا بقوة في منظمة “هابيتات فور هيومانيتي” غير الحكومية المعنية بتحسين ظروف الإسكان للأسر المنخفضة الدخل ولم يتوانَ حتى بعد بلوغه التسعين عن مواصلة العمل الخيري برفقة زوجته روزالين التي التقاها عام 1945.
لكن في 2019، واجه هذا المسيحي المتدين سلسلة من المشكلات الصحية التي أرغمته على دخول المستشفى مرارا.
وفي السنة ذاتها، أصبح أول رئيس أميركي سابق يبلغ الـ95 من العمر.
وبسبب حالته الصحية، بدأ كارتر بالانسحاب تدريجيّاً من الحياة العامة فغاب مثلاً عن مراسم تنصيب جو بايدن في كانون الثاني (يناير) 2021، وهي مراسم يشارك فيها تقليديا الرؤساء السابقون.
لكن بعد بضعة أشهر، استقبل الرئيس الديموقراطي في بلاينز حيث كان يقيم منذ مغادرته واشنطن.
وفي ما يلي بعض الأحداث الرئيسية التي وقعت في عهد كارتر خلال فترة رئاسته من عام 1977 إلى 1981.
–العلاقات الأميركية الصينية
على الرغم من أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين كانت تتحسن ببطء على مدى سنوات قبل تولي كارتر منصبه، فقد تمكنت الدولتان خلال فترة ولايته من التغلب على المعارضة في الداخل وأعلنتا أنّهما ستتبادلان الاعتراف وبدأتا العلاقات الدبلوماسية رسميّاً في عام 1979 بعد مفاوضات سرية على مدى أشهر.
–أزمة الرهائن في إيران
في عام 1979، احتجز ثوار إيرانيون 52 موظّفاً في السفارة الأميركية في طهران رهائن لمدة 444 يوماً، وكان السبب الظاهري وقتها هو معاقبة الولايات المتحدة على منحها حق اللجوء لزعيم إيراني مخلوع حينها.
وظهر كارتر في موقف ضعيف أمام الرأي العام بعد أن انتهت مهمة إنقاذ عسكرية أمر بها في عام 1980 بالفشل مع مقتل ثمانية جنود أمريكيين في حادث طائرة.
وأُطلق سراح الرهائن بعد دقائق من أداء رونالد ريجان اليمين ليحل محل كارتر في عام 1981.
–أزمة الطاقة
كانت أسعار الطاقة ومعدلات الإنتاج متقلبة طوال سبعينيات القرن الماضي، لكن الثورة الإيرانية في عام 1979 أحدثت اضطرابات في أسواق النفط العالمية، مما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج الخام وارتفاع سعره.
وشهد صيف عام 1979 أزمة في الطاقة، وهو ما تمثل في وجود طوابير طويلة من السائقين أمام محطات البنزين انتظاراً للحصول على الوقود المقنن حينها.
وتعهّد كارتر بتقليل الاعتماد على واردات النفط الأجنبية والتركيز على تحسين كفاءة الطاقة، لكن ثقة المواطنين فيه كانت قد اهتزت بشدة.
–مشكلات اقتصادية
شابت حملة كارتر للفوز بفترة رئاسية جديدة في عام 1980 مخاوف من الركود.
وقد واجهت إدارته صعوبة في التعامل مع التضخم الذي تجاوز 14 بالمئة بحلول 1980، والذي نجم عن ارتفاع أسعار الطاقة بعد نقص الغاز في عام 1979.
وقد حاول هو ومستشاروه معالجة التضخم من خلال زيادة أسعار الفائدة إلى أكثر من 17 بالمئة، ولكن هذا ساهم في حدوث ركود خلال الحملة الرئاسية في عام 1980.
عُرف كارتر بأقواله المأثورة، في السياسة والحياة العامة، نذكر أبرزها:
مقابلة مع صحافيين عام 2005:
“لا أستطيع أن أنكر أن مكانتي كرئيس سابق أفضل مما كانت عليه وأنا رئيس”.
خطاب تلفزيوني عام 1979 عن المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة؛ وقد أصبح يُعرف باسم “خطاب الضيق” لكارتر:
“عادة ما يكون الخطر غير مرئي. إنها أزمة ثقة. إنها أزمة تضرب قلب أمتنا وروحها وإرادتها. بوسعنا أن نتحسّس هذه الأزمة في الشكوك المتزايدة عن المعنى (الحقيقي) لحياتنا وفي فقدان وحدة الهدف لأمتنا”. أضاف: “تراجع ثقتنا في المستقبل يُهدّد بتدمير النسيج الاجتماعي والسياسي لأميركا”.
خطاب الوداع الذي ألقاه كارتر في نهاية فترته الرئاسية في 14 كانون الثاني (يناير) 1981:
“لم تخترع أميركا حقوق الإنسان. بل على العكس من ذلك تماماً. حقوق الإنسان هي التي اخترعت أميركا”.
لقاء مع مجلة بلاي بوي عام 1976:
“لقد نظرت إلى الكثير من النساء بشهوة. ارتكبت الزنا بقلبي مرات عديدة. الله يعلم أنني سأفعل هذا ويغفر لي”.
خطاب كارتر عند قبول الحزب الديمقراطي ترشيحه للرئاسة عام 1976:
“تتمثل المهمة البسيطة واللائقة للحكومة في أن تُسهّل علينا فعل الخيرات وتصعب علينا ارتكاب الأخطاء”.
خطاب كارتر عند تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2002:
“قد تكون الحرب شرّاً لا مناص منه في بعض الأحيان. ولكن مهما كانت ضرورية، فهي دائماً شر وليست خيراً أبدا. لن نتعلم كيف نعيش معا في سلام من خلال قتل أطفال بعضنا بعضا”.
حديث لكارتر مع موقع (صالون) عام 2018:
“أعتقد أن الحكومة في عهد ترامب أسوأ مما كانت عليه من قبل. هذه هي المرة الأولى التي أتذكر فيها تجاهل الحقيقة واستفزاز الحلفاء عمداً. تضرّرت الصين وأوروبا والمكسيك وكندا اقتصاديّاً وستضطر إلى إيذائنا في المقابل. يرى الأميركيون أنّ المستقبل أسوأ من الحاضر، المهاجرون يُعاملون بقسوة”.