حرية ـ (2/1/2025)
آلة مصنوعة من خشب التوت المجفف الذي يُجمع في الصحاري، المطعّم أحيانا بعرق اللؤلؤ، وهي من أقدم الآلات الموسيقية في آسيا الوسطى.
في محترفه في مدينة هرات الأفغانية، صنع سخي على مدى عقود آلة الرُّباب المنتشرة بشكل خاص في آسيا الوسطى… وهو لا يزال مصمما على الاستمرار في حرفته رغم سعي حركة طالبان إلى إسكات صوت الموسيقى.
يقول الحرفي البالغ 54 عاما، وهو جالس على أرضية ورشته الصغيرة حيث كان يضع اللمسات الأخيرة على أربع آلات رُباب، “هذه الوظيفة هي الوحيدة التي أجيدها، وعليّ أن أكسب المال”.
لكن إلى جانب الدخل الذي يأمل في أن يكسبه من هذه الحرفة، لا يمكن إغفال “القيمة الثقافية” التي تمثلها هذه الآلة، على ما يقول سخي الذي غُيّر اسمه الأول، شأنه شأن الذين أجريت معهم مقابلات، لأسباب أمنية. ويوضح أن “قيمة هذا العمل بالنسبة إليّ هي التراث الذي يجسده”، متمنيا “ألا يضيع هذا التراث.”
وكرّست اليونسكو هذه القيمة الثقافية، ففي ديسمبر، أدرجت منظمة الأمم المتحدة فن صنع الرباب والعزف عليها في أفغانستان وإيران وأوزبكستان وطاجيكستان، في قائمتها للتراث الثقافي غير المادي.
الرباب آلة مصنوعة من خشب التوت المجفف الذي يُجمع في الصحاري، المطعّم أحيانا بعرق اللؤلؤ، وهي من أقدم الآلات الموسيقية في آسيا الوسطى، ويُعزف عليها خلال العديد من الاحتفالات. لكن في أفغانستان، انطفأ صوت هذه الآلة تقريبا منذ عودة طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021.
وتعتمد الحركة تفسيرا صارما للشريعة الإسلامية يحظر الموسيقى بشكل شبه كامل. وبذلك، لم تعد تُعزف الموسيقى في الحفلات، ولا عبر الراديو أو التلفزيون، ونادرا جدا ما تُسمع في السيارات. كما أُغلقت مدارس الموسيقى، وحُطمت الآلات أو أحرقت، وكذلك مكبرات الصوت.
خلال السنوات الثلاث الماضية، غادر عدد كبير من الموسيقيين البلاد. وقد شجعت حركة طالبان من بقي منهم على تبديل مسارهم والتفرّغ لإلقاء الأناشيد الدينية أو الشعر، كما فعلت خلال فترة حكمها الأولى (1996 – 2001).
يحتفظ غل آغا (40 عاما)، بصورة من تلك الفترة على هاتفه، وتظهر مدّرس الموسيقى الخاص به يكشف بحزن ظاهر عن آلته الموسيقية التي حطمتها حركة طالبان.
ورأى آغا نفسه آلاته الموسيقية تتعرض للنهب. وفيما اضطُرّ إلى التعهد بالتوقف عن العزف، فإنه في بعض الأحيان يعزف بضع نغمات للقلة من السياح الذين يزورون هرات، وهي مدينة اشتُهرت ذات يوم بمشهدها الفني والموسيقي.
ويقول “أكثر ما يحفزني هو تقديم شيء ما إلى أفغانستان، ويجب ألا نترك المعرفة الفنية للنسيان”، مضيفا “من واجبنا أن ننقل الموسيقى المحلية إلى الأجيال المقبلة كما فعل أسلافنا.” ويضيف “الرُّباب فن، والفن يجلب السلام للروح.”