حرية – 3/1/2025
احمد الحمداني
لطالما كان العراق، عبر تاريخه الطويل، مهدًا للعديد من الثقافات والأديان المختلفة التي ساهمت في تشكيل هوية الشعب العراقي.
من بين هذه المكونات، كان لليهود العراقيين دور بارز في تطوير المجتمع العراقي وعلى الرغم من الظروف التي أدت إلى تشتيتهم وابعادهم عن وطنهم، تبقى ضرورة عودتهم إلى العراق مسألة مهمة تعكس القيم الإنسانية والتاريخية للشعب العراقي.
قبل أن يواجه اليهود العراقيون موجات من التمييز والاضطهاد، كان لهم حضور طويل في أرض الرافدين يعود إلى آلاف السنين.
فقد أسسوا مجتمعًا مزدهرًا في العراق، حيث تواجدوا في بغداد والبصرة والموصل وكافة أنحاء الوطن وحققوا نجاحات كبيرة في مجالات التجارة، والثقافة،. وقد قدموا مساهمات كبيرة في ترسيخ مفهوم التعايش السلمي بين مختلف الطوائف والأديان التي كانت تشكل النسيج العراقي.
الأحداث السياسية التي عصفت بالعراق في منتصف القرن العشرين، خاصة بعد قيام (إسرائيل) عام 1948، تعرضت الجاليات اليهودية في العديد من الدول العربية، بما في ذلك العراق، لاضطهادات وتهديدات أفضت إلى هجرة جماعية واسعة.
في العراق، أدت سياسات التفرقة والتمييز ضد اليهود إلى تشتيتهم، حيث اضطر معظمهم إلى مغادرة بلادهم واللجوء إلى دول أخرى مثل (إسرائيل)، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.
لكن على الرغم من هذه الظروف القاسية، تبقى ذكريات اليهود العراقيين في قلب المجتمع العراقي.
الكثير منهم يحملون في ذاكرتهم قصصًا عن حياتهم في العراق، عن العادات والتقاليد التي تربطهم بمختلف الطوائف الأخرى، وعن التعايش المشترك الذي ساد في أوقات كثيرة.
لطالما كان العراق نموذجًا للتنوع. فنجد المسلمين من جميع الطوائف، وكذلك المسيحيين، واليهود، والصابئة، واليزيديين، وكلهم عاشوا جنبًا إلى جنب في وئام في فترات مختلفة من التاريخ.
هذا التنوع جعل من العراق لوحة فسيفساء جميلة، تتعدد فيها الألوان.
هذا التنوع لم يكن مجرد تقاسم للمساحة الجغرافية، بل كان أيضًا تقاسمًا للهوية الثقافية والتاريخية.
لذلك إن عودة يهود العراق ستساهم في تعزيز العلاقات بين مختلف الطوائف العراقية، وتعيد للأذهان تلك الفترات التي كان فيها العراق نموذجًا للتعايش بين الأديان والطوائف المختلفة. تعود هذه العودة لتؤكد أن التنوع لا يعني الصراع، بل يمكن أن يكون مصدرًا للغنى الثقافي والاجتماعي.
إعادة السماح لليهود العراقيين بالعودة إلى وطنهم هو بمثابة تصحيح للظلم الذي تعرضوا له خلال العقود الماضية، ويعطيهم فرصة لإعادة التفاعل مع تاريخهم وأرضهم التي كانت جزءًا لا يتجزأ من هويتهم.
العودة ستفتح أمام اليهود العراقيين فرصة للإسهام في إعادة بناء العراق بعد عقود من الحروب والدمار. فقد أسهم هؤلاء في مختلف مجالات الحياة العراقية، من الاقتصاد إلى الثقافة، ويمكن أن يضيفوا الكثير إلى مجهودات العراق في إعادة إعماره.
إن عودة يهود العراق إلى وطنهم لن يكون مجرد استعادة للأفراد، بل استعادة لجزء من هوية العراق الأصلية، التي كانت ولا تزال لوحة فسيفساء متنوعة وعريقة.