حرية ـ (4/1/2025)
ناجح ابراهيم
■ من لا يعرف الحب لن يستطيع أن يكتب عن المسيح «عليه السلام»، فالحب الخالص الصحيح هو القيثارة الجميلة التى أنشدها المسيح «عليه السلام » لتسعد البشرية، والحب هو الأيقونة الرائعة التى أهداها المسيح، عليه السلام، للعالم أجمع، ولن يعرف الإنسان ربه ومولاه وخالقه ورازقه سبحانه إلا إذا أشرقت فى قلبه أنوار محبته سبحانه فجعلته يحب الكون والناس والحجر والشجر والأرض والسماء، ولا تترك هذه الإشراقة فى قلبه مكانًا للكراهية أو الضغينة أو الأحقاد.
■ كل الرسل جاءوا لنشر المحبة بين الله وخلقه وبين الناس والناس، وبين الناس والكون، ولكن المسيح، عليه السلام، كانت جل رسالته فى الحب وللحب.
■ الحب هو الركن الأساسى والأصيل فى دعوة المسيح، وشعاره الأكثر شهرة بين الناس فى كل الأجيال والبلاد «الله محبة»، وعلى قدر محبتك لله سيتسع قلبك وفؤادك لتسع الناس جميعًا، من وافقك أو خالفك، من اقترب منك أو ابتعد، من أحسن أو أساء، فالله هو المحبوب الأعظم الذى سيفيض حبك له وحبه لك ليسع الدنيا كلها.
■ وبشريعة الحب أكمل المسيح، عليه السلام، ناموس الأنبياء الذين سبقوه بإحياء الضمير، وتطهير القلوب.
■ قال المسيح عليه السلام: «ما جئت لأنقض الناموس جئت لأكمل».
■ الناموس «أى الشريعة» يقضى بالواجب، أما الحب فيأمر بما هو أعلى من الواجب، الناموس يأمر بالعدل والحب يأمر بالإحسان، الحب يجعلك تعمل دون انتظار الأمر ودون انتظار الجزاء والمقابل، تعطى بغير حساب حبًا فى الله وفى رسوله، «الحب لا يحاسب بالحروف والشروط والحب لا يعامل الناس بالصكوك والشهود ولكنه يفعل ما يطلب منه ويزيد عليه وهو مستريح إلى العطاء غير متطلع إلى الجزاء»، بحسب رأى العقاد.
■ عطاء الحب أشبه بعطاء الرب لخلقه سبحانه ولله المثلى الأعلى وأشبه بعطاء الأم لأولادها.
■ بالحب تولد حیاة جديدة، بالحب یتحول الألم إلى أفراح ومجد، بالحب یتحول الاتباع إلى كرامة، بالحب یأتی امتلاك قلوب الناس، ویتسع القلب لیسع الناس جمیعًا، الله محبة، الله محبة، الله محبة.
■ ويبدع العقاد فى قوله: «وبشريعة الحب نقض المسيح كل حرف فى شريعة الأشكال والظواهر الخالية من المعنى والضمير، وبهذه الشريعة رفع للناموس صرحًا يطاول السماء وثبت له أساسًا يستقر فى الأعماق».
■ ويرى العقاد أن شخصية المسيح، عليه السلام، لم تثبت وجودها التاريخى وجلالها الأدبى كما أثبتتها بشريعة الحب والضمير.
■ لقد جاء المسيح، عليه السلام، إلى واقع رأى فيه أن الفضل بين الأمم «امتياز رسمى» محتكر لبنى إسرائيل لأنهم أبناء إبراهيم، عليهم السلام، والفضل بين الإسرائيليين «امتياز رسمى»، محتكر لأبناء هارون وأبناء لاوى أصحاب الكهانة بحق النسب والميراث والفضل فى الدين، والعلم حرمة يحتكرها الكتبة والفريسيين أو فقهاء ذلك الزمان.
■ ولذا كان المسيح يهتف بهم دومًا مصححًا هذه المراسم المقدسة «فلا لأنكم أكثر الشعوب لازمكم الرب وإن هبطت به دون سائر الشعوب، بل هى محبته وحفظه القسم الذى عاهد آباءكم»، وهذا أشبه بنداء الرسول محمد «ص» لأقاربه، «لا يأتى الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتونى بأنسابكم»،«من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه».
■ فليس الخير والبر حكرًا على النسب والسلالة ولكن كما يقول المسيح طبقًا لشريعة الضمير والحب «بل الذى يعمل بمشيئة الله هو أخى وأختى وأمى».
■ شريعة الحب التى جاء بها المسيح قضت على التعالى على الناس «لماذا تنظر إلى القذى فى عين أخيك ولا تنظر إلى الخشبة فى عينك».
■ وقضت على شريعة الفرح بعقاب الآخرين أو السعى وراء عيوبهم والتجسس على عوراتهم «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر».
■ وشريعة الحب عنده قضت على فخر المصلى بصلاته أو عبوس الصائم والعابد، وكأنه صوم وصلاة المرائى الذى يكاد يزدرى الناس «ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ليظهروا للناس صيامهم، فقد استوفوا أجرهم فلا أجر لهم فمتى صمتم فادهنوا رءوسكم واغسلوا وجوهكم».
■ فى شريعة الرياء والكبرياء يفخر المنفق بإنفاقه ويستطيل بذلك على الناس ويتحدث عنه ويمن به ويعلن عن نفسه فوق ما أعطى مرات أما المسيح ففى شريعة الحب يأمر «فلا تعلم الشمال ما تفعل اليمين».
■ فى شريعة الكبر يتكبر العالم والزاهد والعابد عن الاختلاط بالعصاة يفضحهم ويرى نفسه فوقهم، أما شريعة الحب فتنطق على لسان المسيح، «إنما يحتاج المرضى إلى الطبيب ويكون الحب على قدر الغفران».
■ فى شريعة الحب لا يحرم الحلال من الطعام والمباح، فأصل الحرام عندها دنس القلب وفساده بالحقد والحسد والفسق والكفر فيهتف المسيح «إن ما يدخل الفم لا يدنس الضمير وإنما الدنس يخرج من القلب الذى فيه الشر والزور والفسوق والكفران».
■ شريعة الحب تكره النفاق وكان المسيح يندد دومًا بالمنافقين ويفضحهم ويقول عنهم: «يحاسبون على البعوضة ويبتلعون الجمل».
■ ويشبه الكتبة والفريسيين المرائين«إنكم كالقبور المبيضة خارجها طلاء جميل وداخلها عظام نخرة».
■ وجمع المسيح لهم الدين كله فى سطر واحد بعيدًا عن الطلاسم والألغاز والتفاصيل والشروح، «أن تحب ربك بجماع قلبك ومن كل نفسك وفكرك».
■ وشريعته للحب أمرت بالإحسان وهو فوق العدل فى كل وصاياه، فلم ينهَ عن القتل فحسب، بل نهى عن مقدماته وهى الغضب، ولم ينهَ عن الزنا بل نهى عن مقدماته وهى النظرة المحرمة «من ينظر إلى امرأة يشتهيها فقد زنى بها فى قلبه»، قيل للقدماء لا تحنثوا أما أنا فأقول: «لا تحلف»، فنهى عن الحلف لأنه مقدمة لنكث العهود.
■ شريعة الحب لو سادت ما كان هذا البغى الصهيونى وما كانت هذه الإبادة الجماعية لأهل غزة وتدمير كل شىء على أرضها، وقتل وجرح ١٥٠ ألفًا أكثرهم من النساء والأطفال والمدنيين، وما كانت هذه الحروب التى سرعان ما تشتعل وتنتقل من مكان لآخر، وما أريقت الدماء الغزيرة فى ربوع العالم.
■ ترى لو جاء السيد المسيح، عليه السلام، إلى دنيا اليوم، ورأى المجازر والمذابح والمظالم والعقوق والصراعات تعم أنحاء الكرة الأرضية، لصرخ فيهم غاضبًا، حتى الحب فى الأسرة وبين الزوجين وبين الأشقاء والأقارب يكاد يضيع يا سيدى.
■ سيدى المسيح -عليه السلام – نريد شيئًا من إشراقة رسالتك ومحبتك وعبوديتك الحقة لله سبحانه، لتغمر الكون بالأمن والسلام والسلامة والإيمان، بعد أن انتشرت مدارس الإلحاد والجحود والبغى والظلم والحقد والحروب والصراعات والشقاق.