حرية ـ (4/1/2025)
يقوم الممارسون المعروفون غالباً بالسحرة أو المعالجين التقليديين في الصومال بطقوس قد تشمل تحضير التعاويذ والجرعات واستخدام الأعشاب وأعضاء الحيوانات وغيرها من المواد التي يعتقد بأن لها خصائص سحرية، لا سيما من خلال قراءة تعويذات وترديد كلمات أو عبارات محددة تهدف إلى طلب مساعدة خارقة للطبيعة.
وفي زيارة لأشهر مدينة لأعمال السحر والشعوذة تبعد من مقديشو 30 كيلومتراً والتي تسمى مدينة أفجوي الزراعية، أكد معظم سكانها أن بعض العملاء يأتون من ولايات تبعد أكثر من يومين من أجل إتمام نوع محدد من السحر، كذلك يرتادها أشخاص من سكان الدول الغربية يأتون لقضاء الإجازة وإتمام العمل السحري المقصود لشخص ما أو عائلة أو تجارة ما.
وأوضح معالج روحاني رفض الكشف عن اسمه أن بعض أعمال السحر والشعوذة تقود إلى مشكلات أخلاقية وقانونية خطرة جداً مثل القيام بعمليات خطف لأفراد يعتقد بأنهم مختلفون عن بقية البشر ويمتلكون خصائص سحرية، فهناك من يعتقد مثلاً بأن تصبب العرق المستمر من الكف والقدم ينبت الزرع.
تنسب مجتمعات عدة الأحداث أو الأمراض غير المبررة إلى قوى خارقة للطبيعة
اختلاف الممارسات
وأكد أن ممارسة السحر والشعوذة تتمتع بأهمية كبيرة في مختلف مجتمعات شرق أفريقيا، حيث تختلف الممارسات باختلاف المناطق والمجموعات العرقية، وينتشر الإيمان بالسحر والشعوذة على نطاق واسع في شرق القارة السمراء، وهو متأصل بعمق في التقاليد الروحية. وتنسب مجتمعات عدة الأحداث أو الأمراض أو المصائب غير المبررة إلى قوى خارقة للطبيعة، مما يدفع الأفراد إلى طلب خدمات المعالجين التقليديين أو الأطباء السحرة للحصول على العلاجات والحماية.
وبيّن المعالج الروحاني أن أبرز أنواع السحر الشائعة تتم ممارسته هو سحر التعطيل، وأن سحر الموت غالباً ما يتضمن استخدام قوى خارقة للطبيعة لإحداث الأذى أو سوء الحظ. وفي بعض الثقافات، يُعتقد بأنها سمة موروثة.
وقدر الروحاني لوقو دحيي لـ”اندبندنت عربية” بأن كلفة طقوس وخدمات الشعوذة تختلف بصورة كبيرة بناءً على الممارس وتعقيد الطقوس وحال العميل، ويراوح سعر تلك الخدمات ما بين خمسة و100 دولار، بينما يصل في إثيوبيا وجيبوتي إلى أكثر من 300 دولار.
ولفت إلى أن هناك حالات لسياسيين ولبعض قيادات الميليشيات والإرهابيين تدفع في العمل السحري الواحد أكثر من 1000 دولار، بينما يدفع السياسيون وذوو النفوذ أضعاف ذلك بخمس مرات لكل عمل يقوم به الروحاني أو المشعوذ.
وقال رجل الدين إبراهيم وعدي “ينتشر في المجتمع الصومالي تقليد الإيمان بالجن والكائنات الخارقة للطبيعة وغالباً ما يتم الإبلاغ عن تجارب مس الجن، بخاصة بين النساء. وهذه الأحداث رائجة بين الأفراد والعائلات”.
يراوح سعر تلك الخدمات ما بين خمسة و100 دولار في الصومال
البخور والرقص
ويرى دحيي أن غالباً ما يُنظر إلى النساء على أنهن أكثر عرضة لمثل هذه الأحداث أو الظواهر التي ترتبط أحياناً بالضغوط الاجتماعية أو الاضطرابات النفسية، وأن الجن قادر على التأثير في شؤون الإنسان، وكثيراً ما يعتقد بأن بعض الأمراض الجسدية والنفسية سببها الجن، لا سيما الأمراض غير المبررة وقضايا الصحة العقلية والتغيرات السلوكية بعد حصول ممارسات خاطئة ومؤذية للجن.
وأوضح أنه في الصومال، يتم استخدام ممارسات العلاج التقليدية بصورة شائعة لمعالجة مس الجن، وإحدى هذه الممارسات تتضمن طقوساً محددة مرتبطة بأرواح مختلفة، بما في ذلك استخدام أنواع معينة من البخور والرقص والموسيقى والأضاحي الحيوانية. وتختلف هذه الطقوس بين المجموعات المختلفة، لكن جميع الطبقات الاجتماعية تشارك فيها على رغم ملاحظة أن “الأرواح” تميل إلى التأثير في الأفراد بصورة مختلفة بناءً على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي وغالباً ما ينظر الرجال الصوماليون إلى هذه الممارسات على أنها “أكثر شيوعاً بين النساء الثريات اللواتي يردن استعراض ما لديهن من سيطرة وقوة”.
وأفاد دحيي بأن مفهوم مس الجن يتقاطع بصورة كبيرة مع تصورات الصحة العقلية في المجتمعات الصومالية. وغالباً ما تُعالج حالات مثل “المنجيس”، وهو نوع من أنواع امتلاك الروح الشائع في ولاية غلمدق وسط الصومال وضواحيها، من خلال طرق العلاج التقليدية، فـ”المنجيس” هي روح تأتي إلى شخص ما (غالباً امرأة أكثر من رجل) أو إلى عائلة، عن غير قصد، من شخص آخر. وقد يكون السبب إيجابياً أو سلبياً، لافتاً إلى أن جن “المنجيس” في حد ذاته ليس عنيفاً، لكن القراءة من القرآن قد تثير غضب المريض.
وأردف أن الصلاة تقوم بدور حاسم في معالجة مس الجن. فهناك الرقية، وهي طقوس تنطوي على تلاوة آيات قرآنية وأدعية محددة، يتم إجراؤها عادة لطرد الجن وتخفيف الأعراض المرتبطة به، ويُعرف الشخص الذي ينفذ الرقية بالراقي.
وقال إن الاعتقاد بمس الجن والاستجابة له بين النساء الصوماليات يعكس تفاعلاً معقداً بين العوامل الثقافية والدينية والنفسية، وتستمر ممارسات العلاج التقليدية والدينية في القيام بدور مهم في معالجة هذه التجارب.