حرية ـ (6/1/2025)
الدكتور صفاء الوائلي
رجح الكثير من المراقبين والمختصين في الشأن العربي والدولي ان تكون هناك تداعيات سلبية للتغير في سوريا على المنطقة وخصوصا العراق وذهب البعض للحديث بتشاؤم عن ما ستؤول اليه الامور باستلام احمد الشرع ادارة الامور في سوريا مستندين الى مخاوف ناتجة من تاريخ الرجل وخلفيته ونشاطاته السابقة ودوره في الحرب وما عليه من علامات استفهام بكونه كان قائدا لمجموعة صنفت دوليا بانها ارهابية.
ورغم ان هذا الرأي فيه نوعا من الواقعية لكون احمد الشرع شخصية لايمكن الوثوق بها من البعض ولايمكن التنبوء بما سيقوم به في الفترة القادمة الا ان التحركات الدولية واداءه خلال الاسابيع القليلة الماضية منذ توليه زمام الامور يشير الى تغيير في سلوكياته السياسية وبدا واضحا تأقلمه مع متغيرات الوضع وبدأ بتحركات سياسية ودبلوماسية يحاول من خلالها ارسال رسائل اطمئنان للمحيط العربي وللمنظومة الدولية.
في بلدان كثيرة رأينا رجال كانو جزءا من مجاميع خارجه عن القانون او منخرطة في نشاطات مصنفة بكونها نشاطات ارهابية او اجرامية نجحوا في تبني نهجا جديدا ودخلوا في المنظومات السياسية او الحكومية لبلدانهم بل وتبنوا توجهات جديدة ساهمت بشكل كبير في بناء بلدانهم وتطورها.وانا هنا لا اميل الى تلميع صورة احمد الشرع او لا احاول ان اسوقه بصورة جديدة ولست في موقع تبرير افعاله او شرعنة وضعه الجديد بل توضيح التغيرات التي تفرضها الاوضاع على سلوكيات الاشخاص وهذا لايعني ابدا الدفاع عنه او تسويقه ايجابيا باي شكل من الاشكال بل استعراض الامور وما الت اليه وكيف تغير الحال الى حال جديد فرض تعاملا دوليا خاصا معه.
ان الملف السوري الحالي يشير الى علامات ايجابية بان سوريا الجديدة تعمل ضمن سياق قد يكون مرسوما لها من قبل اللاعبين الدوليين او كما يقتضيه الدور الذي صممته الاجندات الدولية المتدخلة المشرفة او المسرولة عما حدث في سوريا. وتشير الرسائل التي بعثتها الادارة السورية بشكل مباشر وغير مباشر عن تغيير في نهج الاشخاص وسلوكياتهم وادائهم لكونهم اصبحوا الان جزءا من منظومة حكومية رسمية بدأت المنظومة الدولية بتقبلها بل وذهبت الى ابعد من ذلك باطلاق مبادرات لمراجعة تقييم وتصنيف الاشخاص في محاولة وضمن خطة لتصدير سوريا الجديدة بكونها مصدرا من مصادر استقرار المنطقة.
قامت دول عديدة بارسال وزراء خارجيتها الى سوريا واللقاء مع الادارة السورية كما قامت ادارة سوريا الجديدة بتحركات دبلوماسية مشابهة عن طريق وزير خارجيتها.
علينا ان ندرك اننا الان نتعامل مع ادارة رسمية لسوريا معترف بها من قبل الكثير من الدول وعليه يجب ابعاد التحفظات او المؤشرات المحيطة بادارة سوريا الجديدة جانبا والتعامل بحنكة ودبلوماسية مع الوضع السوري الجديد.
لايمكن لنا ان ننكر السلوكيات والنشاطات التي كانت تقوم بها شخوص ادارة سوريا الجديدة سابقا لكن علينا ان ندرك ان عدو الامس اصبح اليوم ضمن منظومة حكومية وسياسية مفروضة على الجميع ويجب التعامل معها وفق ما تقتضيه الضرورة شاء من شاء وابى من ابى …
اشير هنا الى ما قاله السياسي البريطلني تشرشل ( لاتوجد صداقات دائمة او عداوات دائمة بل هناك مصالح دائمة) التعامل بنضج مع سوريا الجديدة وادارتها وفق مبادئ العلاقات الدولية يحتم علينا ان نتفهم الوضع الجديد بل ونتقبله بعيدا عن العاطفة ويجب ان نتحرك وفق ما تمليه علينا سياساتنا الخارجية في بناء علاقات طيبة مع الدول وخصوصا دول الجوار.
هناك واقعا سياسيا وامنيا فرضته المتغيرات الاخيرة يجب التعاطي معه بحكمه فائقة مع الاستمرار في مراقبة التطورات وتجنب الانفعال السياسي وتغليب المصلحة الوطنية والتصرف وفق سلوك الدولة بكونها جزءا من المنظومة الدولية وتجنب الصدام الدبلوماسي وتقبل المتغيرات والعمل بموجبها لان اي تصرف غير محسوب قد يقود الى تداعيات سلبيه على امن العراق واستقراره وسلامته.
ان اداء الحكومة الحالي فيما يتعلق باحداث المنطقة والمتغيرات التي حصلت يعكس حالة من النضج السياسي العالي والفهم الدقيق لديناميكية الاحداث.
على الطبقة السياسية العراقية ان تعي ايضا ان توحيد الخطاب وتناغمه مع الموقف الحكومي تجاه قضايا الساعة والمنطقة يعد خطوة مهمة باتجاه تجنب العراق ازمات سياسية او دبلوماسية او امنية اقليميا او دوليا وقيامه بدور قيادي وريادي في وضع الحلول والمساهمة في استقرار المنطقة ومنع اي ازمات جديدة من الحدوث.
ادارة سوريا الجديدة المتمثلة برئيس المرحلة الانتقالية احمد الشرع اصبحت واقعا يجب ان نتعامل معه ونتقبله مع ضرورة الحذر من اي تداعيات او تطورات او تغييرات في الوضع في السوري كما ويجب التهيوء لجميع السيناريوهات وعدم استبعاد اي توقعات وعدم الوثوق باي طرف .
نعلم جيدا ان الاجندات متعددة ومتداخلة ومتزاحمه في التعاطي مع الوضع السوري الجديد وان اي اختلاف قد يقود الى خروج القطار السوري عن السكة مما قد يهدد امن دول جوار سوريا واولها العراق. علينا ان ننظر الى الفرص ونستغلها ولكن علينا ايضا ان ننتبه الى التحديات التي قد يفرضها او فرضها الوضع السوري الجديد.