حرية ـ (6/1/2025)
علي حسين الدهلكي
شكلت الاحداث المفاجأة والمتسارعة للإطاحة باخر قلاع البعث الدموي التي تحصنت بها عائلة الاسد لأكثر من خمسين عاما صدمة للعالم بسبب المخاوف من ايديولوجية الجهات التي قامت بإزالة بشار الاسد من الحكم .
حيث تعد فصائل جبهة تحرير الشام والفصائل المنضوية تحتها من الفصائل المصنفة عالميا بالإرهاب ، وهو ما جعل العالم يتوجس خيفة من العقلية والمنهجية التي سوف تحكم سوريا بعد الاسد خاصة اذا ما اخنا بنظر الاعتبار إن قائد عمليات جبهة تحرير الشام المدعو محمد الجولاني او ( احمد الشرع ) من المطلوبين للعدالة الدولية بتهمة الارهاب .
وكان قمة القلق من هذا التغيير تمثل لدى الدول المجاورة لسوريا وأولها العراق الذي يرتبط بحدود ملتهبة مع سوريا بسبب وجود معسكر الهول وقوات قسد القريبتين من الحدود العراقية ، وهو ما دعي العراق للقيام بخطوات استباقية مكنته من تامين حدوده مع سوريا بشكل غير مسبوق معززا بجهد استخباري عال المستوى ، تزامن مع خطاب حكومي عراقي اتسم بالتحذير من اي عمل يمس امن الحدود مصحوبا برسائل اطمئنان للحكومة السورية الجديدة بعدم التدخل بالشأن السوري واحداثه الا بقدر ما تطلبه الحكومة السورية من العراق ، وهو ما أوجب على العراق ان يبقى متيقظا وحذرا وان لا يسمح بتكرار احداث 2014 .
في حين وجدنا على الطرف الاخر تركيا التي تعد اللاعب الاساسي في عملية التغيير بسوريا تعاني من جبهتين تتمثلان بقوات سوريا الديمقراطية ( قسد) وحزب العمال الكردستاني المعروف بـالـ (ppk ) والتي تحاول تركيا استغلال الاوضاع المربكة في سوريا لتوجيه ضربات قاضية لهاتين الجبهتين ، وهو ما سيجعل حكام سوريا الجدد بمأزق حقيقي خاصة وان قسد تحظى بدعم امريكي علني وهي احد اسباب الخلاف التركي – الامريكي .
كما شجعت الاحداث في سوريا الكيان الصهيوني على تخطي كافة الاتفاقات الدولية واستولت على المنطقة العازلة وصولا الى القنيطرة أمتدادا الى مناطق اخرى في الداخل السوري وتوجيه ضربات مدمرة للبنى التحتية العسكرية من مطارات ومخازن عتاد وجسور وآليات مختلفة مستغلة فرصة ذهبية لا يمكن ان تتكرر بعد الف سنة .
في حين تحمل الجار الغربي لسوريا واقصد لبنان حملا كبيرا من الاحداث السورية حيث استقبل الاف اللاجئين السوريين رغم ما تعانيه لبنان من وضع اقتصادي منهار تماما وهو ما اربك القيادة اللبنانية وجعلها بين نارين كلاهما شديد الإستعار .
وهنا كان لابد للعالم ان يتحرك بسرعة لتعديل مسار الحكومة السورية الجديدة قبل ان تنحرف باتجاهات يصعب حينها السيطرة عليها ، وعلى الرغم مما يبذله قائد العمليات العسكرية المدعو احمد الشرع لبعث رسائل اطمئنان لمختلف دول العالم والتي باتت في حيرة من امرها ، فهي لا تستطيع الوقوف متفرجة ازاء ما يحدث في سوريا ، ولا تعرف طبيعة الايديولوجية التي سيتبناها النظام الجديد فهو معروف عنه انه ذات فكر تشددي داعشي – اخواني يميل الى المنهجية الطالبانية رغم تأكيدات الشرع بعدم تحول سوريا الى افغانستان ثانية ، وهو امر مشكوك فيه نوعا ما .
ولذلك سارعت فرنسا وامريكا والمانيا ودول اخرى بإيصال رسائل لقادة الحكم السوري الجديد بالابتعاد عن الفكر المتشدد والانطلاق نحو الانفتاح الممنهج والمتناغم مع القوانين الدولية .
وسيبقى الوضع في سوريا مربكا وصورته غير واضحة المعالم ما لم يتحقق الاتي :
اولا : الخروج من تصنيف قوائم الارهاب .
ثانيا : تبتي سياسة ديمقراطية تؤمن بالتعددية بعيدا عن الافكار المتشددة .
ثالثا : احترام المعتقدات والمذاهب الاخرى وعدم النيل منها او تصفية الحساب معها وخاصة العلويين .
رابعا : حل الفصائل المسلحة بصورة نهائية وحصر السلاح بيد الدولة .
خامسا : الانفتاح على العالم وبناء سياسية خارجية قائمة على اساس المصالح المشتركة مع دول العالم .
سادسا : احترام حقوق الانسان والغاء السجون المرعبة التي كان يملكها نطام الاسد .
سابعا : وضع مقومات واسس لدولة جديدة بالاعتماد على الكفاءات والطاقات الابداعية وعدم الانجرار وراء احقاد ماضية .
وهنا نجد ان حل الجيش السوري والقوى الامنية والاعتماد على الفصائل المسلحة الموالية حاليا خطوة متسرعة خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الجيش السوري اثبت انه لم يكن مواليا وترك مواضعه تسقط الواحد تلو الاخر اثناء الاحداث الاخيرة وهو ما سهل الامر للفصائل بإسقاط بشار الاسد بوقت قياسي لم يتجاوز العشرة ايام ، ناهيك عن ما يمتلكه هذا الجيش من خبرات قد تكون نواة لجيش جديد يتسم بالمهنية التي تجعله يختصر الكثير من الوقت والجهد لإعادة بنائه .
وعلى قادة سوريا الحاليين ان يتركوا جلباب التشدد ويرتدوا بنطال التمدن وقميص التحضر ، وان يقوموا برسم صورة مغايره لأشكالهم المثخنة بلحى طويلة وكثيفة فرضتها عليهم ايديولوجية آمنوا بها فيما مضى.
كما يجب على حكام سوريا أن لا يفتحوا باب العداء مع اي دولة ، لأنه من غير المنطق ان يقوم الكيان الصهيوني باحتلال اراضي وتدمير لبنى تحتية عسكرية ومدنية وانت تتوعد ايران لغايات معروفة ، لان فتح باب التصفيات مع دول ساندت بشار الاسد سيوقع سوريا بمشاكل لها بداية ولكن ليس لها نهاية معلومة .
وعلى الحكومة السورية الجديدة ان لا تبني سياستها مع الدول العربية والاسلامية على اساس طائفي مقيت ، وعليها ان تستفاد كثيرا من التجربة العراقية وما مرت به من ارهاصات ومصاعب وويلات وكوارث ما زالت اثار بعضها قائما لحد الان نتيجة سياسات خاطئة فرضت في حينها .
وعلى الحكومة السورية الجديدة ان لا تحاول أدلجة الشعب السوري على مضامين عقليتها القائمة على اسس الانتماء الطائفي والعرقي لانها بذلك ستقع بنفس الخطأ الذي تبناه بشار الاسد عندما فرض على الشعب السوري تبني معتقدات البعث بالرغبة والاكراه والقوة عبر عدة وسائل لعل ابرزها المناهج التعليمية
كما على الحكومة السورية الجديدة ان لا تلعب بالنار مع ايران لتصفية حسابات متراكمة من النظام السابق من جهة ومغازلة الاطراف الدولية التي تكن العداء الدائم لإيران وفي مقدمتها امريكا واسرائيل من جهة اخرى .
فما خرج من تصريحات لأحمد الشرع وبعض قيادات الحكومة الجديدة تجاه ايران افصح عن وجود نوايا للتعامل معها بطريقة توحي عن الاستعداد للقفز بالنار والتي لو حدثت لا سامح الله فإنها ستأكل الاخضر واليابس من سوريا وستلقي بظلاله على الدول المجاورة لها واولها العراق .
وهنا نجد من الحكمة ان يتحلى بها قادة سوريا الجدد بمسك العصا من الوسط وان يحافظوا على التوازن في التعامل مع الاخرين ، ولا يقعوا تحت تأ ثير مغريات هذه الدولة او تلك ، فليس لتلك الدول اصدقاء دائمون بل هنالك مصالح دائمة وهو ما يجب ان يفهمه قادة سوريا اليوم وليس غدا .