حرية ـ (9/1/2024)
تضم أجزاء من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وموجة استياء عربية من تصرفات حكومة تل أبيب
مع أن الخرائط المزعومة “للممالك اليهودية” في فلسطين وحولها ليست جديدة، لكن نشرها عبر حسابات إلكترونية رسمية في إسرائيل أثار موجة استياء عربية بسبب “استدعاء خرافات تاريخية وترويجها باعتبارها حقائق”، في ظل مخاوف من استخدامها تبريراً لتوسيع إسرائيل، بحسب مراقبين.
ونشر حساب “إسرائيل بالعربية” على مواقع التواصل الاجتماعي خريطة لـما قال إنها “مملكة إسرائيل التي كانت قائمة قبل 3000 عام”، وتظهر الخريطة وقوع جنوب لبنان وجنوب غربي سوريا وأجزاء من الأردن والضفة الغربية ضمن أراضي تلك المملكة، ويتزامن ذلك مع سعي إسرائيلي إلى فرض السيادة على الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل.
أول مملكة يهودية
وقال الحساب التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية إن “أول مملكة يهودية كانت عام 1050 قبل الميلاد، واستمرت لـ40 سنة وحكمها الملك شاؤول، تلاه حكم الملك داوود لـ40 سنة أخرى، ثم الملك سليمان الذي حكم المدة نفسها أيضاً”.
وأشار الحساب الرسمي إلى أنه “على إثر نشوب نزاعات داخلية بعد وفاة الملك سليمان انقسمت المملكة عام 931 قبل الميلاد إلى قسمين، مملكة إسرائيل في الشمال ومملكة يهوذا في الجنوب”. ووفق الحساب، فإن “حكم مملكة إسرائيل استمر نحو 209 سنوات حتى سقوطها على يد الآشوريين عام 722 قبل الميلاد”، لكن “حكم مملكة يهوذا الجنوبية دام نحو 345 سنة، إلى أن أسقطه إمبراطور بابل نبوخذ نصر عام 568 قبل الميلاد”، وتابع حساب “إسرائيل بالعربية” أن “الشعب اليهودي في الشتات ظل يتطلع إلى إعادة بناء دولته التي أعلن عنها بدولة إسرائيل عام 1948”.
وأثار نشر الخريطة ردود فعل فلسطينية وعربية غاضبة، ومطالبات للحكومة الإسرائيلية بـ”وقف هذه التصرفات التحريضية فوراً التي تسهم في تأجيج الصراعات وتعد تهديداً للأمن والسلم الدوليين”، وفق بيان للخارجية الأردنية.
سياسات تحريضية
وأشار المتحدث باسم الخارجية الأردنية سفيان القضاة إلى “رفض المملكة المطلق لهذه السياسات التحريضية التي تستهدف إنكار حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس”. واعتبر القضاة أن “هذه الادعاءات والأوهام التي يتبناها المتطرفون في الحكومة الإسرائيلية ويروّجون لها، تشجع على استمرار دوامات العنف والصراع وتشكل خرقاً صارخاً للأعراف والقوانين الدولية”. وشدد القضاة على أن “هذه الأفعال لا تنال من الأردن ولا تنتقص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.
ورأى المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن نشر تلك الخريطة عبر حسابات رسمية إسرائيلية “مدانة ومرفوضة وتشكل خرقاً فاضحاً لجميع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي”.
حكم مستقل
وشرح المؤرخ الفلسطيني نظمي الجعبة أن “اليهود لم يكُن لهم تاريخياً أي حكم مستقل في فلسطين”، مضيفاً أنهم كانوا “وكلاء للإمبراطوريات المتلاحقة التي سيطرت على فلسطين كاليوبانية والرومانية والإغريق والفارسية”. وأوضح أن “سلالة هيرودوس والحسمونيين والمكابيين لم يحكموا بصورة مستقلة، بل كانوا جزءاً من توليفة حكم أوسع بكثير من باب حماية اليهود أنفسهم والحفاظ على خصوصيتهم”، مشيراً إلى أنهم تمردوا في بعض المرات على تلك الإمبراطوريات. وبحسب الجعبة، فإن تلك الخريطة “لا تدل على وجود غالبية يهودية في تلك المناطق حتى لو كان فيها وجود لليهود، بخاصة في الأردن وسوريا ولبنان”، وأردف أن “الخريطة فيها كثير من التمني، أكثر منه انعكاس لحقائق تاريخية بهدف سبغ الشرعية التاريخية على دولة إسرائيل”. وأشار إلى أن “المخاطب بتلك الخرائط هم الأوروبيون والأميركيون، خصوصاً المسيحيين الإنجيليين الذين يؤمنون بحق إسرائيل في الوجود استناداً إلى الرواية التوراتية”. وتابع الجعبة أن تلك الخريطة “تستعمل لإرساء أسس لتوسع مستقبلي في المنطقة وتمهد لذلك، كما حصل في القرنين الـ18 والـ19 الميلاديين قبل إقامة إسرائيل على يد الحركة الصهيونية”.
لكن الأكاديمي الإسرائيلي في جامعة “بار إيلان” مردخاي كيدار أشار إلى أن “نشر تلك الخريطة يهدف إلى تذكير القاصي والداني في العالم العربي والإسلامي بالحقائق التاريخية الموثقة في كتب التاريخ”. وقال إن ذلك يأتي “في ظل إنكار كثيرين في العالم العربي والإسلامي للتأريخ اليهودي وتكذيب حق اليهود على أرض أجدادهم”. ووفق كيدار، فإن “هناك آلاف الموجودات الأثرية التي تؤكد التاريخ اليهودي لهذه الأرض الذي بدأ بإبراهيم الخليل عام 1812 قبل الميلاد”.
ليس تصرفاً عابراً
وفي القاهرة، اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن “نشر الخرائط المزعومة ليس تصرفاً عابراً”، وأشار إلى أنه “لا بد من قراءته في سياق حال التطرف اليميني والهوس الديني التي تغرق فيها الحكومة الإسرائيلية ورموزها إلى حد استدعاء خرافات تاريخية وترويجها باعتبارها حقائق”. وحذر أبو الغيط من أن “تغافل المجتمع الدولي عن مثل هذه الحملة التحريضية يهدد بتأجيج مشاعر التطرف والتطرف المضاد من كل الأطراف”.