علي حسين الدهلكي
حرية ـ (9/1/2024)
شكلت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لإيران منعطفا مهما في مسار ترتيب الوضع الاقليمي بعد سقوط نظام بشار الاسد وفقدان ايران احدى اهم ركائزها في المنطقة .
وبعض النظر عما يتم الاعلان عنه من اهداف الزيارة على انها لتعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين في مختلف المجالات ، الا إن ما يحدث في الوسط الاقليمي والدولي من احداث متسارعة قد تلقي بضلالها على الواقع العراقي والايراني خاصة وأن ايران باتت احد الاهداف التي يلمح البعض الى احداث التغيير فيها .
فاليوم نجد ان النظام السوري الجديد يعلن جهارا عن عدائه لإيران ويحملها مسؤولية ما حدث بسوريا من مأسي خلال 14 عاما ، كما نجد ترامب الرئيس الامريكي القادم يتوعد ايران بالويل والثبور ، ناهيك عن فرنسا والمانيا بالإضافة الى العدو اللدود الكيان الصهيوني.
ويتحمل العراق ضغوطا كبيرة من قبل العديد من الدول الكبرى لتغيير سياسته تجاه ايران لعدة اسباب لعل في مقدمتها وجود فصائل المقاومة العراقية التي تتهم بولائها لإيران ، كما يعتقد البعض بان العراق بات القاعدة الخلفية لإيران . وهو ما تنفيه الحكومة العراقية جملة وتفصيلا .
وهنا نجد بان زيارة السيد السوداني لإيران تحمل في مضامينها عدة رسائل وتحمل اكثر من ملف وسط ضباب الازمات المتصاعد .
ولذلك فانه بات من حكم المؤكد ان السيد السوداني سيناقش مع نظرائه الايرانيين ملف سوريا وانعكاسات ما يحدث فيها على العراق وايران ، وربما يحمل السوداني رسائل من القيادة السورية لقادة ايران تتضمن افكار لتنظيم العلاقات ما بين الطرفين، أو انه سيجد عند الايرانيين ما يقدمه لقادة سوريا بهذا الشان، او انه سيستعرض وجهة نظر ومواقف الحكومة العراقية أزاء التعاطي مع الواقع السوري الجديد .
كما قد يحمل السيد السوداني رسائل امريكية او اوربية لإيران بخصوص الوضع الجديد في منطقة الشرق الاوسط ومسارات هذا الترتيب وتحذير ايران من التدخل في تغيير مساراته عقب استلام ترامب لمهامه.
في حين سيستمع السوداني لوجهات نظر واراء وافكار القيادة الايرانية بخصوص ما حدث ويحدث في المنطقة ، وربما يحصل السوداني على تأكيدات او موافقات من الجانب الايراني على معظم ما سيطرحه بسبب ما تعانيه ايران من خسائر تمثلت بفقدانها لحلفائها واذرعها في لبنان وسوريا معولة بذلك على كسب الوقت لترتيب اوضاعها الخارجية من جديد .
ولا نستبعد أن يطرح السوداني ملف فصائل المقاومة العراقية وما تسببه هذه الفصائل من إحراج للحكومة العراقية ، وهو ما سيدفع السيد السوداني لعرض عدة افكار ومقترحات بخصوص توضيب امور هذه الفصائل وآلية التعاطي مع مستقبلها .
ولذلك فان ايران التي تعاني اوضاعا صعبة في الخارج قد تجد نفسها مضطرة للقبول ببعض التنازلات او التضحيات مقابل الحصول على مكاسب او عروض مغرية تقدمها لها هذه الدول
وتحاول ايران بشتى الطرق التخلص من العقوبات الدولية المفروضة عليها وهي على استعداد للتعاطي مع اي مقترحات تضمن لها التخلص من تلك العقوبات، وربما يكون السوداني يحمل من المقترحات والرسائل الدولية ما يصب في هذا الاتجاه مقابل التزامات يتوجب على ايران التقيد بها ، فمن المعروف ان ايران لا تستلم بسرعة وتمتلك القدرة الكبيرة على المطاولة والعناد ،بالإضافة الى علاقتها الاستراتيجية مع روسيا.
إن ما جعل العالم يتوجه الى العراق لإقناع الجانب الايراني في التعاطي مع المستجدات بشكل ايجابي هو العلاقة القوية التي تربط العراق بإيران في مجالات عدة .
كما نعتقد بان السوداني سيطرح ملفات اقتصادية وامنية مهمة مثل ملف الغاز الايراني لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في العراق وملف الربط السككي ما بين البلدين ، بالإضافة الى ملف الارهاب والتعاون الامني لمكافحته.
إن الحكومة العراقية باتت مدركة لحجم المخاطر التي تحيط بالعراق والناتجة عن عوامل خارجية لا يكون العراق طرفا فيها ولكنه يكون أول المتضررين بها .
وهنا نجد ان السوداني كان ذكيا في استخدام الدبلوماسية المنتجة في مواكبة الاحداث والتدخل الفوري في التعاطي معها الامر الذي جعله محط احترام الجميع ومصدر ثقتهم .
ومن الامور المهمة التي تفرزها هذه الزيارة إن العراق قد اصبح محل ثقة المجتمع الدولي في كونه لاعب مهم في تعزيز الاستقرار بمنطقة الشرق الاوسط ويعد احسن وسيطا في حل الازمات وهو ما يعيد للعراق مكانته الدولية المرموقة التي فقدها منذ عام 1980.