حرية ـ (12/1/22025)
بسام بربندي
العلاقات السورية-العراقية: فرصة للتجديد بعد الأسد
يفتح سقوط نظام بشار الأسد صفحة جديدة في تاريخ العلاقات السورية-العراقية. فبعد سنوات من التوتر والانقطاع، أصبح بإمكان البلدين الجارين إعادة بناء علاقاتهما على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. وعلى الرغم من التاريخ الطويل والمعقد، فإن سوريا والعراق في وضع فريد يتيح لهما إنشاء شراكة تعود بالنفع على الطرفين وتسهم في استقرار المنطقة.
تاريخ من الأخوّة والانقسام
تشترك سوريا والعراق في حدود تمتد على طول 600 كيلومتر، بالإضافة إلى روابط ثقافية وقبلية عميقة صمدت عبر القرون. ومع ذلك، فقد اتسمت علاقاتهما السياسية بالتوتر والصراع في كثير من الأحيان. ففي عهد حزب البعث في كلا البلدين، أدت الخلافات الشخصية بين حافظ الأسد وصدام حسين إلى انقسام البلدين، خاصة خلال الحرب الإيرانية-العراقية.
ومع ذلك، شهدت العلاقات لحظات من الوحدة. فبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، استقبلت سوريا آلاف العراقيين الفارين من الحرب والعنف الطائفي، حيث عاش الشعبان معًا وتقاسما الموارد في أوقات صعبة. لكن، للأسف، انهارت هذه الروح التضامنية عندما بدأت الثورة السورية عام 2011.
في الوقت الذي طالب فيه السوريون بالحرية والكرامة من خلال احتجاجات سلمية، رد نظام الأسد بالقمع الوحشي. وبدلاً من دعم تطلعات الشعب السوري المشروعة، اختارت الحكومة العراقية آنذاك دعم نظام الأسد بالمال والوقود والميليشيات والأسلحة، على الرغم من أن النظام نفسه كان قد أرسل الإرهابيين والسيارات المفخخة لاستهداف المدن العراقية، وأبرزها تفجيرات “الأربعاء الدامي” في بغداد عام 2009. ورغم هذه الجراح، يمكن تجاوز الماضي لبناء مستقبل أفضل.
بناء مستقبل ديمقراطي في سوريا
كانت الثورة السورية، ولا تزال، نداءً للحرية والكرامة والتغيير. ومع إعادة بناء سوريا، يجب إنشاء نظام حكم جديد قائم على المواطنة بدلاً من الطائفية، كسبيل وحيد للتحرر من إرث حزب البعث القمعي.
الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة ستمكن الشعب السوري من اختيار قادته، وبناء مجتمع شامل ومستقر. هذا النظام الديمقراطي ليس ضروريًا فقط لاستقرار سوريا الداخلي، بل أيضًا لاستقرار المنطقة بأكملها.
وللمضي قدمًا، يجب على العراق، كجار قريب، دعم هذا التحول الديمقراطي في سوريا، مع إنهاء الخطاب الطائفي ضد سوريا وشعبها. على العراق سن قوانين تضمن محاسبة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام التي تروج للخطابات التحريضية. العلاقات بين البلدين يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون، مما يمهد الطريق لعهد جديد من الشراكة البنّاءة بين سوريا والعراق.
مكافحة الإرهاب معًا
عانت كل من سوريا والعراق من ويلات الإرهاب، مما يجعل التعاون بينهما أمرًا ضروريًا لمنع جماعات مثل داعش من استعادة قوتها. يمكن تحقيق ذلك من خلال تأمين مرافق حساسة مثل مخيم الهول والعمل معًا على تفكيك شبكات التهريب التي تمثل تهديدًا أمنيًا واقتصاديًا لكلا البلدين.
يجب على الحكومة السورية أيضًا معالجة الأزمة الإنسانية في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لا سيما في مخيم الهول، حيث يقيم الآلاف من النازحين ومقاتلي داعش السابقين. التنسيق مع العراق والشركاء الدوليين يمكن أن يسهم في تحسين الظروف الإنسانية وحل هذه القضايا بطريقة تعزز الاستقرار على المدى الطويل.
وفي الوقت نفسه، يقع على عاتق الحكومة العراقية مسؤولية منع تسلل عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK) إلى الأراضي السورية، أو تهريب الأسلحة والمخدرات، التي قد تزيد من زعزعة استقرار المنطقة. كما يجب على الحكومة العراقية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع تدخل الميليشيات الشيعية غير الحكومية في الأراضي السورية، مما يضمن عدم تأجيج الصراعات أو تهديد استقرار سوريا.
التعاون الأمني الوثيق بين الجانبين سيسهم في تأمين الحدود بشكل أفضل وحماية البلدين من التهديدات المشتركة، مع وضع أسس لشراكة قوية مبنية على المصالح الأمنية المشتركة والاستقرار الإقليمي.
الفرص الاقتصادية لكلا البلدين
اقتصاديًا، الإمكانيات للتعاون بين البلدين كبيرة جدًا. موقع سوريا الجغرافي يجعلها شريكًا مثاليًا في مشروع “ممر التنمية” العراقي الطموح، الذي يهدف إلى ربط الخليج العربي بموانئ البحر المتوسط عبر شبكات من الطرق والسكك الحديدية. كما أن إعادة تأهيل خط أنابيب كركوك-بانياس يمكن أن يوفر للعراق وصولاً حيويًا إلى البحر المتوسط، مما يعزز اقتصادات البلدين.
لكي يبني العراق وسوريا علاقة تعاونية حقيقية، يجب أن يتعامل العراق مع مخاوفه تجاه سوريا من منظور عربي، وليس من خلال عدسة التأثير الإيراني. يجب أن تكون سياسات العراق تجاه سوريا متوافقة مع العالم العربي الأوسع، مما يعزز العلاقات مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل السعودية والأردن ومصر. ويجب أن لا يكون العراق وسيطًا للمصالح الإيرانية في سوريا. التركيز على التضامن العربي سيضمن علاقة أكثر توازنًا وبناءً بين البلدين.
التعاون بين القطاعين الخاصين في سوريا والعراق يمكن أن يعزز العلاقات بشكل أكبر، ويوفر فرص عمل ومشاريع تعود بالنفع على كلا الشعبين. التركيز المشترك على التجارة والبنية التحتية يمكن أن يحول المنطقة إلى مركز للنشاط الاقتصادي والازدهار.
طريق نحو الاستقرار
لدى سوريا والعراق فرصة لطي صفحة عقود من الانقسام وانعدام الثقة. من خلال معالجة المظالم التاريخية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، واعتماد المبادئ الديمقراطية، يمكن للبلدين بناء مستقبل قائم على التعاون والمنفعة المتبادلة.
دور العراق سيكون حاسمًا، ويجب أن يعطي الأولوية للتعاون العربي في تعامله مع سوريا، يترافق ذلك مع تعزيز العلاقات من خلال التعاون مع شركاء عرب مثل السعودية والأردن ومصر، بدلاً من أن يكون قناة للتأثير الإيراني.
الطريق قد لا يكون سهلاً، لكن المكافآت—السلام والاستقرار والازدهار—تستحق الجهد. معًا، يمكن لسوريا والعراق أن يثبتا للعالم ما يمكن تحقيقه عندما يجتمع بلدين لإعادة البناء والتقدم.