حرية ـ (1/2/22025)
في مفارقة اقتصادية خطيرة وسوء إدارة للموارد الطبيعية، يحتل العراق المرتبة 12 عالمياً في احتياطي الغاز بكمية تقارب 127 تريليون قدم مكعب، ومع هذا الاحتياطي الضخم يفترض أن يكون العراق مكتفياً بل ومصدراً للغاز الطبيعي، لكنه يستورده من إيران بـ3 مليارات دولار سنوياً، ويحرق كميات هائلة منه يومياً، بحسب مختصين في مجال الطاقة.
ويرى متخصصون، أن هذا الأمر، يعود إلى أن تركيز وزارة النفط في العقدين الماضيين كان منصباً على تطوير الحقول النفطية وزيادة إنتاجيتها والبحث عن رقع استكشافية جديدة للنفط، ولم يكن الغاز ضمن الأولويات، لكن بدأت الوزارة خلال السنوات الثلاث الماضية بالاهتمام باستثمارات الغاز الطبيعي في جولات التراخيص الأخيرة وبدأت تعطي أولوية لها.
ووسط توقعات، أن يصل استثمار الغاز المصاحب إلى 80 % خلال العام الحالي حسب خطط وزارة النفط، فمن المتوقع أن يصل استثمار هذا الغاز المصاحب إلى 100 % بحلول عام 2028.
وفي هذا الشأن، يقول نائب رئيس لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، حسين السعبري، إن “ملف الغاز تأخر كثيراً لكن حالياً هناك جدية في هذا الموضوع، حيث إن العراق يستخدم جزءاً من الغاز الذي لديه ويصدر الجزء الآخر، لكن العملية تحتاج إلى وقت، وحسب حسابات وزارة النفط تستغرق العملية من 3 إلى 5 سنوات للوصول إلى استثمار جميع الغاز”.
ويضيف السعبري، أنه “بوصول العراق إلى استثمار جميع الغاز حينها لن تعد هناك حاجة لاستيراد الغاز لمحطات الكهرباء، لتحقيق الاكتفاء الذاتي منه”.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي، مصطفى الفرج، إن “احتلال العراق المرتبة 12 من الغاز، دليل على أن العراق يمتلك ثروات طبيعية هائلة لم تستغل بالشكل الأمثل، والمفارقة الاقتصادية في هذا تتمثل باحراق كميات كبيرة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط، وبالوقت نفسه يعمد العراق على استيراد الغاز من إيران لتلبية احتياجات محطات توليد الكهرباء”.
وعن أبعاد هذه المفارقة، يوضح الفرج، أن “حرق الغاز بدلاً من استثماره يؤدي إلى فقدان عوائد مالية هائلة يمكن أن تساهم في دعم الموازنة العامة، كما هناك تكاليف استيراد مرتفعة، في وقت يشكل استيراد الغاز من إيران ضغطاً إضافياً على الميزانية التجارية ويكبد الاقتصاد العراقي تكاليف باهظة”.
ويتابع، “كما يتسبب حرق الغاز والانبعاثات الكربونية في تلوث البيئة، ما يعرض العراق لانتقادات دولية بشأن الالتزام بالمعايير البيئية، ما يؤثر على السياحة بشكل عام”.
ويرى الفرج، أن “عدم وجود بنية تحتية كافية لمعالجة وتخزين الغاز هو السبب الرئيس لهذه الأزمة، ما يتطلب استثمارات ضخمة في هذا القطاع، من خلال استثمارات بالبنى التحتية وتشجيع القطاع العام والخاص لبناء محطات معالجة الغاز وتطوير شبكة أنابيب نقل”.
وبالإضافة إلى ما سبق، يلفت الفرج، إلى أنه “كما ينبغي التعاون مع شركات دولية متخصصة لتطوير قطاع الغاز وتحويله إلى مصدر طاقة محلي، وإنشاء صناعات بتروكيماوية تعتمد على الغاز لتوليد فرص عمل وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد من خلال تحسين العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى وتنويع مصادر الطاقة”.
بدوره، يعتبر الباحث الاقتصادي، أحمد عيد، أن “احتلال العراق المرتبة 12 عالمياً في احتياطي الغاز بينما يستورد الغاز من إيران ويحرق كميات هائلة منه يومياً، يعكس مفارقة اقتصادية خطيرة وسوء إدارة للموارد نتيجة لسيطرة إيران على القرار الاقتصادي والسياسي والذي يهدد مستقبل العراق بفرض عقوبات دولية”.
ويرى عيد، أن “هذا الواقع يعكس المستويات المتدنية في التفكير وغياب التخطيط الاستراتيجي، والفساد المستشري، والتبعية الاقتصادية”.
ويشير إلى أن “احراق الغاز المصاحب بدلاً من استثماره يكلّف العراق مليارات الدولارات سنوياً، في وقت يعاني فيه العراق من عجز مالي وتراجع الخدمات وأزمة مالية خانقة مرتقبة مع انخفاض أسعار النفط عالمياً”.
ويردف، “كما أن الاعتماد على الاستيراد من إيران يضع البلد تحت ضغط سياسي واقتصادي مستمر، ويحدّ من سيادته في مجال الطاقة”.
ويؤكد عيد، أن “الحل يكمن في تبنّي سياسات استثمارية فاعلة، وإلزام الشركات النفطية بتطوير مشاريع معالجة الغاز، وتعزيز الشراكات مع جهات قادرة على استغلال هذه الثروة محلياً؛ فضلاً عن أن الاستمرار في النهج الحالي يعني مزيداً من الهدر والتبعية، بينما يمكن أن يكون الغاز ركيزة لتنمية اقتصادية مستدامة”.
من جانبه، يقول الخبير النفطي، الدكتور حمزة الجواهري، إن “العراق يمتلك كميات هائلة من الغاز في المنطقة الغربية، وهذه اثبتتها الدراسات ونتائج الحفر ما بين العراق والسعودية، لكن لحد الآن لم تستكشف بالكامل، لعدم تطوير منشآت لمعالجة الغاز بسبب الفساد الواضح للعيان”.
ويؤكد الجواهري، أن “العراق فيه خيرات إذا تم استثمارها بالشكل الصحيح يمكن أن تطوره ليكون أفضل دولة في المنطقة وحتى في العالم، لكن في ظل بقاء الفساد ونظام المحاصصة والتوافق وعدم محاسبة الفاسدين وعدم منع الكتل السياسية المسيطرة على الاقتصاديات، فلن تتحقق خطط وزارة النفط بانتهاء حرق الغاز عام 2028”.
إلى ذلك، يوضح الخبير في شؤون الطاقة، الدكتور كوفند شيرواني، أن “العراق يعاني من عجز كبير في الطاقة الكهربائية المجهزة، حيث إن التوليد يقارب من 27 ألف ميغاواط، في حين الحاجة بحدود 45 ألف ميغاواط، ما يعني وجود عجز قدره 18 ألف ميغاواط، وهذا يزداد مع القدرات الضائعة في التوليد والنقل والتوزيع”.
ويضيف شيرواني، “لذلك العراق بحاجة إلى إنشاء على الأقل 3 محطات ضخمة للطاقة الكهربائية سعة كل واحدة منها 5 آلاف ميغاواط، بشكل مشابه لما عملته مصر في العامين الماضيين بإنشاء 3 محطات بمدة عام ونصف عبر عملاق الطاقة الألماني شركة (سيمنز)، وأن هذه المحطات الثلاث لن تكلف إلا بحدود 6 إلى 7 مليارات دولار، وهي متوفرة ضمن التخصيصات السنوية لوزارة الكهرباء”.
ويرى شيرواني، أن “هذا يفترض أن يكون متزامناً مع توفير الوقود لتشغيل محطات الطاقة، والوقود الأمثل لها هو الغاز الطبيعي لعدة مزايا، فهو أقل تلويثاً وأكثر كفاءة وأقل كلفة من أنواع النفط الأخرى كالكاز أويل والنفط الأسود وغيرها، لكن استثماره متأخر في العراق، إذ لا يزال يستفيد من 70 بالمائة من هذا الغاز المحروق و30 بالمائة تهدر، لذلك يستورد العراق سنوياً بـ3 مليارات دولار غاز من إيران”.
ويبين، أن “هذه الاستيرادات تأتي على الرغم من الاحتياطات الضخمة للغاز الطبيعي الموجود في العراق التي تقارب حسب تصريح وكيل وزارة النفط لشؤون الغاز 127 تريليون قدم مكعب، وبالتالي يحتل العراق المرتبة الثانية عشر عالمياً بامتلاكه لاحتياطات الغاز الطبيعي، ومع احتياطي بهذه الضخامة يفترض أن يكون العراق مكتفياً بل ومصدراً للغاز الطبيعي وليس مستورداً”.
ويوضح، “لكن كان تركيز وزارة النفط في العقدين الماضيين منصباً على تطوير الحقول النفطية وزيادة إنتاجيتها والبحث عن رقع استكشافية جديدة للنفط، ولم يكن الغاز ضمن الأولويات، لكن مع تزايد ارتفاع أسعار الغاز إلى 3 أضعاف خلال 3 سنوات الماضية بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بدأ الاهتمام به”.
ويتابع شيرواني، أن “استثمار الغاز المصاحب سيصل إلى 80 بالمائة خلال العام الحالي، وإلى 100 بالمائة بحلول عام 2028، حسب وزارة النفط، وهذا أمر جيد، لكن يفترض أن يبدأ العمل من العام الحالي إلى عام 2028 بإنشاء محطات ضخمة جديدة حديثة متقدمة تقنياً ريثما تتكامل مشاريع استثمار الغاز لتكون جاهزة وتوفر الوقود لهذه المحطات الكبيرة”.
ويؤكد خبير الطاقة، أن “وزارة النفط بدأت منذ 3 سنوات بالاهتمام باستثمارات الغاز الطبيعي في جولات التراخيص الأخيرة وبدأت تعطي أولوية لها، لأنها أصبحت تدرك أن هذا النوع من الوقود الهيدروكربوني سيكون هو الوقود الذي يحل محل النفط بعد جفاف أو تراجع إنتاج آبار النفط في عموم العالم، لذلك من المفترض أن تحضى باهتمام متزايد من الحكومة لكي تسد ليس الحاجة المحلية فقط وإنما أيضاً تكون مصدر إيرادات إضافي لمبيعات النفط الخام الحالي التي تستأثر بحوالي 90 بالمائة من الإيرادات العامة للدولة العراقية”.