حرية ـ (1/2/22025)
في عالم يشهد سباقاً متسارعاً في مجال الذكاء الاصطناعي، برز “ديب سيك” كأحد أكثر الابتكارات الصينية إثارة للجدل، متجاوزاً توقعات الخبراء ومنافساً كبار اللاعبين الأميركيين. نجاحه المفاجئ على رغم موازنته المتواضعة أثار مخاوف في واشنطن، إذ يعكس قدرة الصين على تطوير تقنيات متقدمة بكلفة منخفضة مما يهدد الهيمنة الغربية.
1- ما “ديب سيك”؟
“ديب سيك” (DeepSeek) هو روبوت دردشة يعتمد على الذكاء الاصطناعي، طورته شركة صينية تأسست في مايو (أيار) 2023 على يد ليانغ وينفينغ، ويقع مقرها في مدينة هانغتشو بمقاطعة تشجيانغ، أحد أبرز المراكز التكنولوجية في الصين.
يسعى التطبيق إلى منافسة منصات الذكاء الأميركية مثل “تشات جي بي تي” و”كلاود” و”جيميناي”، إذ يعتمد على تقنيات تحليل متقدمة تتيح له التعامل مع كميات ضخمة من البيانات وتقديم إجابات دقيقة في مجالات متنوعة.
وعلى رغم حداثته، حقق “ديب سيك” انتشاراً سريعاً، إذ تصدر قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً في متجر “آب ستور” في الولايات المتحدة، متجاوزاً “تشات جي بي تي”، في مفاجأة لخبراء الذكاء الاصطناعي.
2- كم تبلغ كلفة تطوير “ديب سيك”؟
أعلنت الشركة المطورة أن كلفة تطوير “ديب سيك” بلغت 5.6 مليون دولار فقط، وهو مبلغ أقل بكثير مما تنفقه شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.
على سبيل المثال، تخصص “أوبن أي آي” مئات الملايين من الدولارات لتطوير “تشات جي بي تي”، فيما تستثمر “مايكروسوفت” و”غوغل” و”ميتا” مليارات الدولارات لتعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
هذا الفارق الكبير في الكلفة جعل الخبراء يتساءلون عن كيفية نجاح “ديب سيك” في تقديم أداء مماثل أو حتى متفوق على بعض النماذج الغربية، على رغم استخدامه موارد أقل بكثير.
يسعى التطبيق الصيني إلى منافسة منصات الذكاء الأميركية مثل “تشات جي بي تي”
3- ما مميزات التطبيق؟
يعتمد “ديب سيك” على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إذ يمكنه تحليل البيانات وتقديم إجابات دقيقة في مجالات متعددة، من كتابة النصوص والمقالات إلى حل المسائل الرياضية المعقدة وبرمجة الأكواد البرمجية. كما يوفر اقتراحات لوصفات الطعام بناء على المكونات المتاحة، مما يجعله أداة شاملة تلبي احتياجات مختلفة.
يدعم التطبيق لغات عدة، لكنه أكثر كفاءة في الإنجليزية والصينية، مما يسهل تفاعله مع شريحة واسعة من المستخدمين. ويستند إلى نموذج لغوي كبير (LLM) مدرب على كميات ضخمة من البيانات، مما يتيح له تحليل النصوص بدقة عالية والتفاعل بطريقة طبيعية.
كما يتميز بكونه مفتوح المصدر، بما يسمح للمطورين والباحثين في الذكاء الاصطناعي بتعديله وتحسينه، على عكس النماذج المغلقة للمنافسين. هذه الشفافية عززت شعبيته بين مجتمع المطورين، إذ يمكن لأي شخص دراسة بنيته التقنية والاستفادة منها في تطوير تطبيقات جديدة.
4- لماذا ارتفعت عمليات تنزيل التطبيق؟
خلال أيام قليلة من إطلاقه، تصدر “ديب سيك” قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً على متجر “آب ستور” في الولايات المتحدة، متجاوزاً “تشات جي بي تي”.
أحد أهم الأسباب وراء ذلك هو أنه مجاني بالكامل، بينما تفرض “أوبن أي آي” رسوماً تصل إلى 20 دولاراً شهرياً للوصول إلى الميزات الكاملة لـ”تشات جي بي تي”.
إضافة إلى ذلك، جذب التطبيق اهتمام المستخدمين بسبب كفاءته العالية وأدائه القوي، مما دفع كثيرين إلى تجربته ومقارنته بالمنافسين الأميركيين.
5- كيف كان رد فعل قادة الولايات المتحدة على نجاح “ديب سيك”؟
علق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على التطبيق، واصفاً إياه بأنه “جرس إنذار” للصناعة الأميركية، وحث الشركات الأميركية على إعادة النظر في استراتيجياتها وخفض تكاليفها للبقاء في المنافسة.
أما الرئيس التنفيذي لـ”مايكروسوفت” ساتيا ناديلا، فأكد أن التقدم الصيني في الذكاء الاصطناعي يجب أن يؤخذ على محمل الجد.
حقق “ديب سيك” انتشاراً سريعاً، إذ تصدر قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً في متجر “آب ستور” في الولايات المتحدة
بينما وصف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ”أوبن أي آي”، التطبيق بأنه “مثير للإعجاب”، لكنه أشار إلى أن المنافسة تعزز الابتكار.
إيلون ماسك كان من أكثر الشخصيات التي أبدت قلقها، إذ شكك في كيفية حصول “ديب سيك” على الرقائق المتطورة من “إنفيديا”، واتهم الصين بالحصول عليها بطرق غير قانونية، وهو ادعاء نفته “إنفيديا” رسمياً.
6- كيف أثر نجاح “ديب سيك” في الأسهم الأميركية؟
تسبب نجاح شركة الذكاء الاصطناعي الصيني الناشئ في خسائر ضخمة لأثرياء العالم، بلغت 108 مليارات دولار في يوم واحد، وفقاً لمؤشر “بلومبرغ” للمليارديرات.
وكان أبرز المتضررين مؤسس “أوراكل” لاري إليسون الذي فقد 22.6 مليار دولار، يليه الرئيس التنفيذي لـ”إنفيديا” جينسن هوانغ بخسارة 20 مليار دولار.
أدى انتشار التطبيق ذلك إلى تراجع حاد في أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية أول من أمس الإثنين، إذ فقد قطاع التكنولوجيا في “وول ستريت” تريليون دولار، وسجل سهم “إنفيديا” انخفاضاً غير مسبوق بنسبة 17 في المئة، بعدما أثبت “ديب سيك” إمكان تحقيق نتائج قوية باستخدام رقائق أقدم وأرخص.
كما اضطرت شركات كبرى مثل “مايكروسوفت” و”ميتا” إلى إعادة النظر في استراتيجياتها بعد هذا التحول، وأظهر “ديب سيك” قدرة الصين على تطوير تقنيات متقدمة من دون الحاجة إلى أحدث الابتكارات الأميركية، مما قد يحد من الاعتماد العالمي على الشركات الأميركية ويعيد تشكيل موازين القوى في قطاع التكنولوجيا.
7- كيف يؤثر “ديب سيك” في صناعة الرقائق الإلكترونية؟
التطورات الأخيرة أظهرت أن تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة لم يعد يتطلب أحدث معالجات “إنفيديا”، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الرقائق الأميركية المتطورة، وإذا نجحت الشركات الصينية في تطوير بدائل فعالة، فقد تتأثر أرباح كبرى شركات تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.
بحسب تقرير نشرته “بلومبرغ”، فإن اعتماد الشركات الصينية على تقنيات أقل كلفة في الذكاء الاصطناعي قد يعيد تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي، إذ لم تعد هناك حاجة ماسة إلى وحدات معالجة رسومية (GPUs) فائقة التطور، مما يقلل من الاعتماد على الشركات الأميركية. هذا التطور يمنح الصين فرصة لتعزيز الابتكار المحلي وتوسيع إنتاجها، وهو ما قد يخفف من وطأة العقوبات الأميركية على تصدير الرقائق المتقدمة.
وفي السياق ذاته، يشير تقرير لـ”نيويورك تايمز” إلى أن استبدال التقنيات الأميركية ببدائل صينية قد يحدث تحولاً جذرياً في سوق أشباه الموصلات العالمية. فمن شأن قدرة الشركات الآسيوية على تقديم حلول ذكاء اصطناعي عالية الكفاءة بكلفة أقل أن تضغط على الأسعار، وتعيد رسم موازين القوى في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، مما قد يحد من النفوذ الأميركي في هذا المجال.
8- لماذا تتخوف الولايات المتحدة من التطبيقات الصينية؟
تشعر الولايات المتحدة بالقلق من “ديب سيك” لأنه يمثل اختراقاً صينياً في مجال الذكاء الاصطناعي على رغم القيود الأميركية المفروضة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين.
نجاح التطبيق أظهر أن الصين قادرة على تطوير تقنيات منافسة بكلفة أقل بكثير، مما يهدد الهيمنة الأميركية في هذا المجال، إضافة إلى ذلك فإن كون التطبيق مفتوح المصدر قد يسمح لدول أخرى بالاستفادة من تقنياته، مما يقلل الاعتماد على الشركات الأميركية. الولايات المتحدة كثيراً ما اعتقدت أن تفوقها في مجال الرقائق الإلكترونية سيضمن لها الهيمنة في الذكاء الاصطناعي، لكن “ديب سيك” أثبت أن تطوير نماذج قوية لا يتطلب بالضرورة أحدث التقنيات الغربية، وهو ما يزيد من مخاوف واشنطن.
9- هل هناك مخاوف أمنية في شأن “ديب سيك”؟
أثارت التطبيقات صينية مخاوف متزايدة لدى الحكومات الغربية، في شأن الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية.
تتعلق هذه المخاوف بإمكان جمع هذه التطبيقات لبيانات المستخدمين وتخزينها على خوادم في الصين، مما قد يتيح للحكومة الصينية الوصول إليها.
في الولايات المتحدة، حذرت البحرية الأميركية أفرادها من استخدام تطبيق “ديب سيك” بسبب مخاوف تتعلق بجمع البيانات وإمكان استغلالها، كما أعرب بعض المشرعين الأميركيين عن قلقهم من أن تطبيقات مثل “ديب سيك” قد تشكل تهديداً للأمن القومي، نظراً إلى إمكان مشاركة البيانات مع الحكومة الصينية.
اعتماد الشركات الصينية على تقنيات أقل كلفة في الذكاء الاصطناعي قد يعيد تشكيل المشهد التكنولوجي العالمي
أما في المملكة المتحدة، فنصح خبراء في مجال التكنولوجيا بتوخي الحذر عند استخدام تطبيق “ديب سيك”، مشيرين إلى أخطار محتملة تتعلق بالخصوصية وإمكان استغلال البيانات من الحكومة الصينية.
إلى جانب ذلك أظهرت تجارب المستخدمين أن “ديب سيك” يتجنب مناقشة المواضيع الحساسة بالنسبة إلى الحكومة الصينية، مثل “احتجاجات ميدان تيانانمن” أو وضع تايوان، مما يثير تساؤلات حول حرية المعلومات على المنصة.
كما تتضمن سياسات الخصوصية لتطبيق “ديب سيك” جمع معلومات مثل نماذج الأجهزة وأنظمة التشغيل وأنماط الكتابة وعناوين IP ولغات النظام، وتخزينها على خوادم في الصين، مما يزيد من المخاوف في شأن إمكان وصول الحكومة الصينية إلى هذه البيانات.
10- كيف استجابت الصين لنجاح “ديب سيك”؟
احتفت الحكومة الصينية بنجاح “ديب سيك”، وحضر مؤسس الشركة ليانغ وينفينغ اجتماعاً مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في إشارة إلى الدعم الحكومي لهذا الإنجاز. كما أصبح التطبيق حديث الساعة في الصين، وازداد عدد مستخدميه بصورة غير مسبوقة، مما قد يعزز دور الصين كمنافس رئيس في مجال الذكاء الاصطناعي.