حرية ـ (3/2/22025)
تتصاعد ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق بشكل مستمر، لأسباب تعزوها لجنة حقوق الانسان النيابية وناشطون في مجال حقوق الطفل وقانونيون إلى – اجتماعية واقتصادية وقانونية – لكن مهما تعددت الأسباب فهي غير مبررة لممارسة العنف ضد الأطفال، ما يستدعي اتخاذ إجراءات صارمة ونشر التوعية بحقوق الأطفال وتشريع القوانين ذات الصلة لتوفير الحماية لهم.
وتشهد ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق ارتفاعاً في عام 2024-2025، ووفقاً لاحصائيات وزارة الداخلية في عام 2024 فقد سجل 14 ألف دعوى عنف أسري وكانت غالبية هذه الحالات تتعلق بالعنف البدني، بحسب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق، فاضل الغراوي.
وأضاف في بيان أمس الأحد، أن من بين هذه الحالات، كانت نسبة الضحايا من الإناث 73%، بينما كانت نسبة الذكور 27%، بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة أجرتها الوزارة على مدى خمس سنوات (2019-2023) ارتفاعاً في ظاهرة العنف الأسري، مع تسجيل أعلى نسبة من هذه الجرائم في العاصمة بغداد بنسبة 31%.
وأوضح، أن نسبة الاعتداءات على الأطفال في عام 2024 قد ارتفعت وأن الاعتداءات المسجلة من قبل الوالدين تشكل حوالي 6% من إجمالي حالات العنف الأسري في البلاد.
وبالمقارنة مع الأعوام السابقة، يتضح أن ظاهرة العنف ضد الأطفال في تصاعد مستمر، ففي عام 2020، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن وقوع 12 ألف حالة عنف منزلي، وفي النصف الأول من عام 2022، تم معالجة 55 حالة تعنيف للأطفال، بالإضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة ورصد 22 طفلًا هارباً، بحسب الغراوي.
وأشار، إلى أن هذه النسبة من الأرقام قد لا تعكس الواقع بالكامل، نظراً لعدم الإبلاغ عن العديد من حالات العنف ضد الأطفال بسبب الوصمة الاجتماعية أو الخوف من الانتقام.
وطالب الغراوي، الحكومة والمؤسسات المعنية باتخاذ تدابير عاجلة وشاملة لحماية الأطفال من جميع أشكال العنف، بما في ذلك تعزيز التشريعات الوطنية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وزيادة الوعي المجتمعي حول مخاطر العنف وآثاره السلبية على الأجيال القادمة.
من جانبها، قالت عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، نيسان الزاير، إن “هناك عرفاً أو ثقافة عامة في المجتمع تتعلق بتعنيف الأطفال، لذلك يفترض إطلاق حملة للتوعية بحقوقهم، واتخاذ إجراءات صارمة للحد منها”.
وأشارت الزاير، خلال حديثها، إلى أن “قانون مناهضة العنف الأسري وقانون حماية الطفل جاءت من الحكومة لكن تم إرجاعها من قبل لجنة المرأة النيابية، لذلك سيكون للجنة حقوق الإنسان دوراً في إقرارها، وليس شرطاً أن تأت من الحكومة بل يمكن كتابة مسودة مع منظمات المجتمع المدني ومن ثم تشريعها”.
وكان مجلس الوزراء العراقي أقر في عام 2020 مشروع قانون مناهضة العنف الأسري وأرسله إلى مجلس النواب الذي لم يتمكن من إقراره بسبب تجاذبات الكتل السياسية حوله، بحجة أن القانون يمنح المرأة حق الحصول على رعاية حكومية، وهو ما تراه تلك الأحزاب يشجع النساء على التمرد.
وبالعودة إلى الزاير، فقد أوضحت أن “لجنة حقوق الإنسان، تتابع الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال ودور الأجهزة الأمنية بالقبض على المسيئين كما حصل في تعنيف طفلة كربلاء على يد جدها”.
وأول أمس السبت، أعلنت شرطة كربلاء، القبض على متهم عنف حفيدته بشدة في منطقة عين التمر، فيما أشارت إلى أن الطفلة المعنفة بدا على جسدها آثار تعذيب، نتيجة التعنيف الذي تعرضت له، مؤكدة أن الجد تم القبض عليه وتوقيفه وفق المادة 413 من قانون العقوبات العراقي.
وكشفت احصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية العراقية في العام 2023 عن تنامي العنف الأُسري بأشكاله كافة في العراق، وقد وصلت إلى 100 حالة في العاصمة بغداد فقط.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
من جهتها، قالت الناشطة في حقوق الطفل، تبارك عبد المجيد، إن “هناك أسباباً متنوعة وراء تعنيف الأطفال منها اجتماعية واقتصادية وقانونية، لكن مهما تعددت الأسباب فهي غير مبررة لممارسة العنف ضدهم”.
وأضافت عبد المجيد، خلال حديثها للوكالة، أن “ظاهرة تعنيف الأطفال من قبل ذويهم وأقاربهم في تفاقم في ظل عدم وجود قوانين رادعة بشكل كافي، وضعف الوصول إلى المؤسسات الأمنية المعنية بردع حالات العنف”.
وتابعت: “من الأسباب الأخرى هي عدم تشريع قانون العنف الأسري وقانون حماية الأطفال خاصة من قبل لجنة المرأة النيابية التي سعت جاهدة لتعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يبيح تزويج القاصرات وهو نوع من أنواع العنف بدل من الاهتمام بتشريع قانون حماية الأسرة”.
يذكر أن مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي أقر مؤخراً، قد أثار جدلاً واسعاً، كون تعديل هذه المادة سيقضي بحضانة الطفل للأب، وهو ما قد يدفع إلى استغلال الأطفال في الخلافات الأسرية، ويزيد من حالات الطلاق في البلاد.
ومن الأسباب الأخرى لظاهرة تعنيف الأطفال، أشارت عبد المجيد، إلى “العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية التي توارثت العنف أباً عن جد تحت غطاء (التأديب)، لهذا لا يزال يمارس هذا العنف تجاه الأطفال وحتى الزوجات والنساء عموماً، وكذلك في المدارس، فلا يزال المعلمين يستخدمون العصا في محاسبة الطلبة لعدم أداء الواجب بدل استخدام وسائل محببة للأطفال لتعليمهم، ولهذا عندما يكبر الطفل يرى أن هذا السلوك طبيعياً بحجة التربية”.
يشار إلى أن القضاء العراقي يتعامل مع حالات العنف الأسري وفق المادة (41- 1) من قانون العقوبات رقم (111 لسنة 1969)، الذي ينص، على أنه “لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالاً للحق: تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عُرفاً”.
بدوره، ذكر الخبير القانوني، محمد جمعة، إن “النظام القانوني العراقي يخلو من أي مادة قانونية تخص تعنيف الأطفال، وهذا خلل وفراغ قانوني كبير، في عدم وجود قانون للحماية من العنف الأسري، لذلك تم تكييف ما حصل لحادثة طفلة كربلاء بالمادة 413 التي تتعلق بالمشاجرة بين اثنين بالغين، ولا تخص الأطفال”.
وأوضح جمعة، أن “المساواة بين من يضرب رجلاً بالذي يضرب طفلاً غير ممكن، لكن القضاء لا حيلة له الا بالارتكاز على هذه المادة بسبب عدم وجود مادة أخرى تعاقب على الضرب، ما يؤكد الحاجة إلى تعديل قانون العقوبات أو حتى كتابة قانون عقوبات جديد، وتشريع قانون مناهضة العنف الأسري”.