حرية ـ (3/2/22025)
في الدول المستهلكة للتقنيات ينظر كثر إلى بعض الأدوات العريقة مثل “الأنتينا” والهاتف الثابت أو الأرضي، على أنها وسائل اتصال بدائية منقرضة، إذ يربط هؤلاء استخدام تلك الأدوات بالمظهر الاجتماعي وثقافة العيب، وفي المقابل تشجع مدن أوروبية كبرى مواطنيها على استخدام وسائل نقل قديمة مثل الدراجات الهوائية وحافلات النقل الجماعي والقطار الكهربائي (الترام) بدلاً من السيارات الخاصة، وذلك من قبيل مقاومة التلوث الهوائي وازدحام المرور.
وتبذل شركات الحافلات في الدول المتقدمة جهوداً كبيرة لكي يصبح النقل العام أكثر شعبية لدى المسافرين، ولذلك تقوم الدول المنتجة لهذه التقنيات بتطويرها وتحديثها باستمرار، كونها ترى في ذلك توفيراً للنفقات على الدولة والمواطن، وتقليلاً للأضرار البيئية المترتبة عن إلغائها أو تجاهل استخدامها.
ثقافة الاستهلاك
تعبر طريقة استخدام بعض التقنيات القديمة عن ثقافة المجتمعات التي تنقسم شرقاً وغرباً بين منتج أو مستهلك لها، إذ تعد أدوات مثل لاقط البث التلفزيوني والإذاعي القديم المعروف باسم الهوائي أو “الأنتينا”، بمثابة أدوات منقرضة من الحياة في بعض دول العالم الثالث، في حين أنها لا تزال مستخدمة على نطاق واسع شعبياً ورسمياً في البلدان التي ظهرت فيها للوجود أول مرة، وذلك إلى جانب الهاتف الثابت أو ما يعرف شعبياً بالهاتف الأرضي، وبعض وسائل المواصلات التقليدية مثل الحافلات (الباصات)، وحتى القطارات.
حافلات متوقفة في ساحة انتظار سيارات مفتوحة بالقرب من حي تشايناتاون في سنغافورة
ويعود ذلك وفق قراءة في عدد من الموسوعات العلمية والتقنية إلى قدرة المجتمعات المصنعة لهذه الأدوات على تحديثها، وجعلها مناسبة للاستخدام بكلفة أقل اقتصادياً وبيئياً، إذ تربط حكومات الدول المتقدمة وسائل نقل قديمة مثل الحافلات بصورة دائمة ببرامج اتصال متطورة عبر شبكة الإنترنت والهواتف المحمولة، مما يجعل حضورها في المشهد العام فاعلاً وحيوياً.
مشهد لافت للنظر
مجرد وجود الهوائي مثلاً على سطح أحد المنازل في بعض دول العالم العربي يعد بمثابة مشهد لافت للنظر، حيث يعبر ذلك في الغالب عن الفقر الشديد أو العوز أو عن عدم تطور الإنسان وعجزه عن مجاراة صيحات العصر.
ويصل الأمر أحياناً إلى اعتبار هذا المظهر عيباً اجتماعياً يقابل بسخرية المجتمع وتهكمه. في المقابل يظهر الهوائي البدائي الصنع في كثير من مدن البلدان الأوروبية الكبرى على مئات وآلاف المنازل بوصفه مظهراً طبيعياً ألفته الأعين.
ما هو الهوائي؟
بحسب موقع الموسوعة التقنية على الإنترنت ومراجع عديدة أخرى هناك ما يزيد على 10 أنواع من الهوائيات حالياً في العالم. وتستخدم الهوائيات في نظم البث الإذاعي والتلفزيوني والاتصال اللاسلكي من نقطة إلى نقطة، وفي شبكات الكمبيوتر المحلية اللاسلكية والرادار واستكشاف الفضاء وفي الاستشعار من بعد، لكن أبسطها وأقدمها على الإطلاق هو الهوائي الإذاعي البدائي أو ما يسمى “الدوقل” أو المشعار. وهو عبارة عن سلك يوصل بجهاز الإذاعة أو الاستقبال، ثم يشد عادة إلى سارية فوق مكان عال لتقوية الصوت وتجليته. وهو يعمل أيضاً محولاً للطاقة، فهو يحول طاقة الموجات الكهرومغناطيسية التي يصدرها هوائي محطة الإذاعة إلى تيارات كهربائية.
أول ظهور الهوائي
استمر مخاض إنتاج أول “أنتينا” بسيط في الحضارة الغربية لما يقارب 100 عام، بدءاً من عالم الفيزياء الألماني هاينريش هيرتز (1857-1894) الذي تمكن في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1886 عبر تجربته الأولى من استقبال الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من مرسل صغير قام هو ببنائه، واستقبل الموجة وقتها بمستقبل قام بتصميمه أيضاً. وكان المستقبل آنذاك مكوناً مما يسمى ثنائي قطب هيرتز.
أشخاص يعبرون شارعاً أمام ترام في محطة كايس دو سودري في لشبونة
خلال عام 1893 بدأ الفيزيائي الكرواتي نيكولا تيسلا تجارب على رنانات كهربائية بسيطة تصدر ترددات عالية، واستطاع عام 1896 استقبال الموجات الصادرة من جهاز في نيويورك بواسطة مستقبل على بعد 30 كيلومتراً منه. وكان جهاز البث حينها يعمل بقدرة 2 ميغاهيرتز.
هوائي للاستقبال التلفزيوني
وفق مراجع علمية عديدة منها المعجم العلمي المصور للجامعة الأميركية في القاهرة، طور العالم الإيطالي “ماركوني” ما قام به تيسلا في الـ10 من مايو (أيار) عام 1897 وأجرى تجربة أمام الناس، إذ أصدر إشارات لا سلكية (موجات كهرومغناطيسية) عبر قناة بريستول. واستخدم سلكاً معلقاً على عصا خشبية لإحدى الخيمات، وكانت تسمى الإيطالية (l’antenna centrale) ومنها اشتقت كلمة (Antenne)، ثم قام ماركوني عام 1901 باستقبال موجات كهرومغناطيسية مرسلة من إيرلندا واستقبلها عبر المحيط الأطلسي في أميركا، واستخدم لذلك هوائي مربع الشكل على ارتفاع 100 متر. وحصل ماركوني مع الفيزيائي فرديناند براون على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1909 عن مجهوداتهما في تطوير تليغرافات اللاسلكية.
الهاتف الثابت
تعرف المواقع العلمية الهاتف الثابت أو الأرضي كونه طريقة الاتصال السمعي باستخدام شبكة من الموصلات مثل (الكابل النحاسي والكابل الضوئي) المدفونة تحت الأرض في معظم الأحيان. ومن خصائص الهاتف الثابت مقارنة بالهاتف المتنقل أن الإنسان يستخدم الأجهزة وهي ثابتة، إذ لا يمكن إجراء الاتصال والتحرك في الوقت نفسه ولمسافة بعيدة.
ويتميز الهاتف الثابت بأنه لا يعتمد على تغطية راديوية عادة، بل على اتصال مباشر بالشبكة العامة من طريق كابل، لذلك فإنه متوافر للاتصال والاستقبال على مدار الساعة من دون التأثر بقوة التغطية والظروف الأخرى، وهو ذو كلفة أقل، إلى جانب ذلك فإنه يمكن استخدام وصلة الهاتف الثابت أيضاً للاتصال بالإنترنت وبكلفة أقل بكثير أيضاً.
أشخاص يركبون دراجات على طول الكورنيش في ظل ظروف ضبابية شمال غربي إنجلترا
وسائل النقل
وحول وسائل النقل قالت الموسوعة العلمية الأوروبية إن السفر بالحافلة لم يكن مريحاً في البداية بسبب الطرق الوعرة والإطارات القاسية التي كانت الحافلات تستخدمها، ولكن منذ مطلع القرن الـ20 أصبحت الحافلات أكثر راحة نظراً إلى وجود الطرق الجيدة واستخدام الإطارات المملوءة بالهواء.
وأكدت الموسوعة أنه في الخمسينيات أخذت خدمات الحافلة في الأقطار الصناعية في التراجع، وذلك بسبب قيام كثير من الناس باقتناء سيارات خاصة، وعلى رغم ذلك تنقل الحافلات العاملة بين المدن في الوقت الحاضر عدداً أكبر من المسافرين، إذ أعادت بعض شركات الحافلات العاملة في المدينة تسيير عربات الحافلة الكهربائية (الترام) لمقاومة التلوث الهوائي وازدحام المرور. وتأتي تلك الجهود أيضاً في إطار سعي شركات الحافلات إلى تخفيض أجرة الحافلة، لكي يصبح النقل العام أكثر شعبية لدى المسافرين.