حرية ـ (4/2/22025)
انتهى يناير (كانون الثاني) أخيراً، لكنه بدا وكأنه امتد لستة أشهر كاملة، خصوصاً مع احتوائه على خمس نهايات أسبوع، مما عزز الإحساس بطوله وثقله لدى كثيرين. فبين ضغوط ما بعد موسم الأعياد، والعودة لروتين الحياة اليومية، والاستعداد المبكر لشهر رمضان، وجد بعضهم نفسه في حالة انتظار مستمر، سواء لراتب يتأخر، أم لأهداف العام الجديد التي ما زالت في بداياتها. لكن لماذا نشعر بأن بعض الأشهر تمضي ببطء شديد، بينما تمر أخرى بسرعة خاطفة؟
إدراك الزمن وتأثيره في المزاج
على رغم ثبات الوقت بوحداته الدقيقة، يختلف إدراك الأفراد له تبعاً لحالتهم النفسية، إذ تبدو فترات الانتظار طويلة ومملة، بينما تمر اللحظات سريعاً في أوقات الفرح والانشغال. ووفقاً لدراسة نشرتها جامعة “وات” في فلوريدا، فإن تصورنا للزمن يتأثر بتجاربنا العاطفية، مما يفسر شعور بعضهم بطول بعض الأشهر مقارنة بغيرها، خصوصاً في الفترات التي يكثر فيها الضغط النفسي أو التغيرات الحياتية.
“الإثنين الأزرق”… اليوم الأكثر كآبة؟
من المفاهيم المرتبطة بهذه الظاهرة ما يعرف بـ”الإثنين الأزرق”، وهو مصطلح قدمه عالم النفس البريطاني كليف أرنال عام 2005، مشيراً إلى أن ثالث إثنين في يناير هو أكثر الأيام كآبة في السنة. استند أرنال إلى معادلة تأخذ في الاعتبار عوامل مثل الطقس البارد، وتراكم الديون بعد موسم الأعياد، والفشل في تحقيق قرارات العام الجديد.
وعلى رغم اعتراف أرنال بعدم وجود دراسات علمية كافية تثبت صحة المفهوم، إلا أن الفكرة لا تزال تلقى صدى واسعاً، إذ يعتبره بعضهم مناسبة للتعبير عن مشاعر الإحباط الجماعية ومناقشة تأثير العوامل الموسمية في الصحة النفسية.
العوامل التي تؤثر في الإحساس ببطء الوقت
الطقس البارد وقلة ضوء الشمس يؤثران في المزاج والطاقة، مما يجعل الشتاء يبدو أطول. كما أن العودة للعمل بعد إجازة طويلة تتطلب مجهوداً نفسياً وذهنياً أكبر، خصوصاً مع زيادة الضغوط المالية في بداية العام. هذه العوامل مجتمعة قد تجعل يناير (كانون الثاني) يبدو وكأنه أطول من غيره، حتى لو كان عدد أيامه ثابتاً.
كيف يمكن التعامل مع هذا الشعور؟
للتخفيف من هذا الإحساس، ينصح الخبراء بملء الفراغ بممارسات يومية مفيدة مثل الرياضة والتأمل والتخطيط لأنشطة ممتعة. كما أن التعرض للضوء الطبيعي صباحاً يساعد في تنظيم الساعة البيولوجية، مما يقلل الشعور بالإرهاق ويجعل الأيام تمر بسلاسة أكبر.
في النهاية، يظل إدراكنا للوقت تجربة ذاتية تتأثر بعدد من العوامل، لكن فهم تأثيراتها قد يساعد في التعامل مع الأشهر التي تبدو أطول من غيرها.
اكتئاب شهر شوال
يتنافس شهر شوال مع يناير في الشعور بطوله وتأثيره في الحالة المزاجية، إذ يواجه بعضهم اضطرابات في التكيف مع العودة للروتين بعد العيد، تماماً كما يحدث مع بداية العام الجديد. ويرتبط هذا الشعور بتغيرات في الساعة البيولوجية بسبب تبدل نمط النوم خلال رمضان، إلى جانب الأعباء المالية التي تثقل كاهل كثيرين بعد الاحتفالات، مما يجعل الأيام تبدو أطول وأثقل مروراً.
وعلى رغم رفض وزارة الصحة السعودية لهذا المصطلح، فإنها تعترف بوجود حالة من التقلب المزاجي لدى بعض الفئات، التي تنجم عن اختلال نظام النوم وسوء التغذية، إذ تؤدي قلة النوم وسوء العادات الغذائية إلى مشاعر سلبية، إضافة إلى الإرهاق الناتج عن العودة للعمل بعد إجازة طويلة.
ويشير الباحث النفسي محمد الغوينم إلى أن هذه الحالة قد تكون مرتبطة بما يعرف بـ”الاضطراب العاطفي الموسمي”، وهو نوع من الاكتئاب الموسمي الذي يؤثر في الحالة المزاجية للأفراد بسبب التغيرات المناخية وانخفاض مستويات ضوء الشمس. ووفقاً لدراسة نشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA)، فإن هذا الاضطراب ناتج من تغيرات في الساعة البيولوجية تؤثر في إنتاج الميلاتونين والسيروتونين، وهما هرمونان يلعبان دوراً رئيساً في تنظيم المزاج والطاقة.
أما استشاري النوم أحمد باهمام فيوضح أن إعادة ضبط النوم قد تستغرق من 10 أيام إلى أسبوعين، ويؤكد أن النوم المتأخر والاستيقاظ في أوقات غير منتظمة يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية والتعب المزمن. وينصح الخبراء بضرورة التعرض للضوء الطبيعي صباحاً، وتقليل استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، وتناول وجبات متوازنة للحفاظ على استقرار المزاج والطاقة.
“ساعة الدوبامين”
غالباً ما نشعر أن الوقت يمضي بسرعة عندما نستمتع، بينما يبدو أنه يتباطأ في لحظات الانتظار أو الملل، فما السبب وراء ذلك؟ تفسر الاختصاصية النفسية لينا خضر هذه الظاهرة من خلال فرضية “ساعة الدوبامين”، التي تسلط الضوء على دور هذا الناقل العصبي في تشكيل إحساسنا بالزمن.
ووفقاً لدراسة نشرتها جامعة كاليفورنيا – بيركلي، فإن الدوبامين هو مادة كيماوية في الدماغ تؤثر في وظائف متعددة، من بينها الإدراك الحسي والشعور بالمكافأة. فعندما يكون الإنسان في حالة استمتاع أو انشغال بنشاط محفز، مثل الاستماع إلى الموسيقى، أو ممارسة هواية مفضلة، أو حتى قضاء الوقت مع الأصدقاء، يتم تحفيز إنتاج الدوبامين، مما يجعل الدماغ يسجل الزمن بصورة أسرع، فيبدو لنا وكأنه يمر بسرعة. في المقابل، عندما نشعر بالملل، أو نؤدي مهمات رتيبة لا تثير اهتمامنا، ينخفض مستوى الدوبامين، فتصبح الخلايا العصبية أقل نشاطاً، ويبدو الوقت أطول مما هو عليه في الواقع.
الضغوط الدراسية
تلعب الضغوط النفسية والتوتر دوراً أساساً في إدراكنا للوقت، إذ إن فترات الاختبارات والمشاريع الدراسية تبدو أطول بسبب القلق المصاحب لها. وتوضح هيفاء محمد، طالبة دراسات عليا، أن إحساسها بمرور الزمن يتغير تبعاً للضغوط التي تواجهها، إذ تشعر بأن الأيام تمتد بصورة مبالغ فيها خلال الفترات الدراسية، بينما تمر بسرعة كبيرة خلال العطلات.
العوامل المالية
لا يقتصر إدراك الزمن على العوامل النفسية فحسب، بل تلعب الظروف المالية دوراً محورياً، إذ تؤثر الأعباء الاقتصادية في الشعور بمرور الأيام. ويشير الخبير الاقتصادي عبدالله الصقعبي إلى أن عدداً من الأسر في الدول العربية والخليجية تواجه ضغوطاً مالية متزايدة، خصوصاً هذا العام، إذ يتزامن يناير (كانون الثاني) مع الاستعدادات المبكرة لشهر رمضان، وهو موسم يتطلب إنفاقاً مكثفاً على مستلزمات مختلفة، من المواد الغذائية إلى الهدايا والملابس.
ويضيف الصقعبي أن التحدي الأكبر يتمثل في الفترة الطويلة بين راتب ديسمبر (كانون الأول) وراتب يناير (كانون الثاني)، إذ يواجه عدد من الأسر ضغوطاً مالية غير مسبوقة بسبب تزامن هذه الفترة مع موسم الأعياد والعطل الشتوية، مما يجعل التخطيط المالي أمراً ضرورياً.
وفي ظل هذه الظروف يؤكد الصقعبي أهمية التخطيط المالي المسبق لتجنب الضغوط الاقتصادية، من خلال إدارة الموازنة بحكمة وتقليل الإنفاق غير الضروري، مما يسهم في توزيع الأعباء المالية بصورة أكثر توازناً، ويجعل فترة يناير (كانون الثاني) تبدو أقل وطأة من الناحية الاقتصادية.