بغداد – حرية – احمد الحمداني
5/2/2025
تشهد العاصمة العراقية بغداد تفاقمًا متزايدًا في مستويات التلوث البيئي ما يشكل تهديدًا مباشرًا على الصحة العامة والبيئة.
وتتنوع مصادر هذا التلوث بين الانبعاثات الصناعية، وعوادم المركبات وحرق النفايات فضلًا عن انخفاض المساحات الخضراء، ما يجعل الهواء في المدينة من بين الأكثر تلوثًا في المنطقة.
أسباب التلوث في بغداد
1. عوادم المركبات وازدحام المرور
يعد قطاع النقل من أكبر المساهمين في تلوث الهواء في بغداد حيث تشير التقارير البيئية إلى أن أعداد السيارات في العاصمة تزايدت بشكل كبير خلال العقدين الماضيين في ظل غياب سياسات تنظيمية فعالة للحد من زيادة اعداد السيارات والسيطرة على الانبعاثات الكربونية.
ومع غياب الفحص البيئي الصارم على المركبات تتزايد نسبة الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين التي تؤثر بشكل مباشر على صحة السكان.
2. المناطق الصناعية والانبعاثات الكيميائية
توجد العديد من المصانع والورش الصناعية داخل بغداد بين الازقة أو بالقرب منها، والتي تطلق كميات هائلة من الغازات السامة والجسيمات الدقيقة دون رقابة بيئية صارمة.
وتعد الصناعات الثقيلة مثل تكرير النفط وإنتاج الإسمنت من أبرز الملوثين حيث تتسبب أدخنتها في ارتفاع نسب تلوث الهواء وتدهور جودة الحياة.
3. حرق النفايات والمخلفات
تعاني بغداد من ضعف في إدارة النفايات ما يؤدي إلى تفشي ظاهرة الحرق العشوائي للمخلفات سواء في داخل المناطق سكنية أو على أطراف المدينة دون تدخل من امانة بغداد او وزارة البيئة او الشرطة البيئية.
وتنتج عن عمليات الحرق غازات سامة مثل الديوكسينات والفورانات، والتي تعد من أخطر الملوثات التي تسبب أمراض الجهاز التنفسي والسرطان.
4. شح المساحات الخضراء وزحف العشوائيات
شهدت بغداد تقلصًا ملحوظًا في المساحات الخضراء نتيجة التوسع العمراني العشوائي،وقطع الأشجار لاستغلال الأراضي في مشاريع غير منظمة وهذا كله تتحمل مسؤوليته امانة بغداد. هذا النقص في الغطاء النباتي يزيد من تركيز الملوثات في الهواء كما يرفع درجات الحرارة ما يفاقم المشكلة البيئية.
التأثيرات الصحية والبيئية
أكدت تقارير طبية أن نسب الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية ازدادت بشكل واضح في السنوات الأخيرة بسبب التلوث.
كما ارتفعت معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية نتيجة استنشاق الهواء الملوث. من ناحية أخرى أدى تلوث المياه الناجم عن المخلفات الصناعية إلى زيادة معدلات الأمراض الجلدية والتسمم الغذائي.
الحلول الممكنة والجهود الحكومية
رغم إدراك الجهات الرسمية خطورة الوضع إلا أن الإجراءات البيئية لا تزال محدودة.
ومن أبرز الحلول الممكنة لمعالجة التلوث في بغداد:
فرض قوانين صارمة على الانبعاثات الصناعية وعوادم السيارات.
إطلاق مشاريع لتوسيع المساحات الخضراء وزراعة الأشجار في المدينة.
تحسين أنظمة إدارة النفايات وإنشاء محارق حديثة صديقة للبيئة.
تعزيز ثقافة الوعي البيئي لدى المواطنين من خلال حملات التثقيف والتوعية.
وتظل أزمة التلوث البيئي في بغداد تحديًا كبيرًا يتطلب تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية لمعالجته.
فمع استمرار تجاهل المشكلة ستزداد المخاطر على الصحة العامة والبيئة مما يجعل التحرك السريع والفعال ضرورة ملحّة لضمان مستقبل صحي ومستدام للعاصمة وسكانها.
إلا أن بعض الجهات المسؤولة مثل أمانة بغداد وهيئة الاستثمار لم تتخذ إجراءات كافية للحد من تفاقم الأزمة.
دور أمانة بغداد في مواجهة التلوث البيئي
رغم أن أمانة بغداد تعد الجهة المسؤولة عن إدارة وتنظيم المساحات الخضراء في العاصمة فإن قراراتها بشأن تخصيص بعض المناطق العامة للاستثمار وخاصة المتنزهات والمساحات الخضراء أثارت انتقادات واسعة.
حيث سمحت دائرة التصميم في الأمانة بإعطاء العديد من الحدائق العامة للاستثمار التجاري، مما أدى إلى تقليص المساحات الخضراء التي تعد خط الدفاع الأول ضد التلوث.
كما تواجه أمانة بغداد انتقادات لعدم محاسبتها الجادة للمخالفين الذين يتسببون في تلويث البيئة سواء عبر الانبعاثات غير المنظمة أو حرق النفايات في مناطق غير مخصصة وفي ظل غياب رقابة الامانة التي يجب ان تكون الفعالة تستمر هذه الممارسات السلبية التي تزيد من التلوث البيئي وتفاقم المشكلات الصحية للمواطنين.
ضعف دور هيئة الاستثمار في مشاريع الإسكان
إلى جانب مسؤوليات الأمانة تتحمل هيئة الاستثمار جزءًا كبيرًا من مسؤولية التدهور البيئي بسبب عدم التزامها بمتابعة المشاريع السكنية السابقة واللاحقة وضرورة فرض المساحات الخضراء لو اضطرذلك الى الطلب من المستثمر بهدم عمارات سكنية قد انشأت .
فغالبية هذه المشاريع لا تتضمن مساحات خضراء كافية رغم أن القوانين تفرض أن لا تقل نسبة المساحات الخضراء عن 60% من المساحة الإجمالية.
إلا أن غياب المتابعة والرقابة والفساد سمح لبعض المستثمرين بتجاهل هذه الاشتراطات ما أدى إلى انتشار كتل إسمنتية ضخمة دون تخطيط بيئي سليم مما يزيد من تلوث الهواء وارتفاع درجات الحرارة داخل المدينة.
ما الحل؟
للتخفيف من حدة التلوث في بغداد ينبغي على أمانة بغداد وهيئة الاستثمار اتخاذ إجراءات صارمة تشمل:
إعادة النظر في قرارات منح المتنزهات والمساحات الخضراء للاستثمار التجاري والعمل على إعادة تأهيلها كمناطق صديقة للبيئة وسحب الالجازات الاستثمارية.
فرض عقوبات صارمة على الجهات التي تنتهك القوانين البيئية بما في ذلك المصانع والمركبات الملوثة.
إلزام المشاريع السكنية الجديدة بالمساحات الخضراء المطلوبة ومتابعة تنفيذها وفق المعايير البيئية العالمية.
توسيع برامج التشجير وإعادة إحياء المساحات الخضراء داخل الأحياء السكنية والشوارع العامة وعد السماح لاي بناء سكني لا يحتوي على حديقة و مرأب سيارة.
لا تزال بغداد تعاني من أزمة بيئية خطيرة تهدد الصحة العامة وتفاقمها السياسات غير المدروسة وغياب الرقابة الجادة على المخالفين وعلى الرغم من الجهود الحكومية للبعض إلا أن هناك حاجة ماسة إلى قرارات أكثر حزمًا لحماية بيئة العاصمة وضمان مستقبل صحي ومستدام لسكانها.