حرية – 6/2/2025
بغداد – خاص – احمد الحمداني
يشهد العراق تحولات كبيرة في قطاع الاستثمار حيث يسعى إلى جذب استثمارات ضخمة تُقدر بـ7 مليارات دولار هذا العام، بفضل جهود صندوق العراق للتنمية الذي تأسس عام 2023 بهدف تحفيز القطاع الخاص ودعم المشروعات التنموية.
إلا أن هذه الجهود تصطدم بتحديات كبرى أبرزها الفساد الإداري وغياب الشفافية وضعف الرقابة على المشاريع الاستثمارية وهو ما دفع بعض النواب في مجلس النواب العراقي إلى المطالبة باستجواب رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار وسط شبهات فساد تعرقل عجلة التنمية.
حملة برلمانية لاستجواب رئيس هيئة الاستثمار
تصاعدت في الآونة الأخيرة الاتهامات بوجود مخالفات وسوء إدارة في الهيئة الوطنية للاستثمار الأمر الذي دفع نوابًا في البرلمان العراقي إلى جمع تواقيع لاستجواب رئيس الهيئة حيدر مكية وسط مطالبات بالكشف عن شبهات الفساد التي تؤثر على المشاريع الاستثمارية الكبرى.
وتقود حملة الاستجواب النائبة سوزان منصور، التي شددت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن منح إجازات استثمارية بشكل غير قانوني، والتجاوز على القوانين المتعلقة بتنظيم المشاريع.
كما أكد النائب يوسف الكلابي في أكثر من مناسبة أن هناك “ضرورة ملحّة لاستجواب رئيس هيئة الاستثمار” بسبب شبهات الفساد المرتبطة بعدد من المشاريع الكبرى، وعدم التزام الهيئة بالمعايير المطلوبة في متابعة الاستثمارات، خاصة في ظل فشل العديد من المشاريع وعدم استكمالها وفق الجداول الزمنية المحددة.
صندوق العراق للتنمية ومحاولات تحفيز الاستثمار
يُعد صندوق العراق للتنمية أحد أبرز المبادرات الحكومية لتحفيز الاقتصاد، حيث يلعب دورًا مهمًا في تمويل المشروعات الاستثمارية.
وأكد محمد النجار، مستشار رئيس الوزراء لشؤون الاستثمار والمدير التنفيذي للصندوق، أن هناك مشاريع مخططة بقيمة 7 مليارات دولار سيتم تنفيذها هذا العام بعد استكمال الدراسات اللازمة خلال العامين الماضيين.
وخلال زيارة وفد تجاري فرنسي يضم ممثلي 30 شركة، أوضح النجار أن العراق يسعى لجذب استثمارات فرنسية تقدر بـ4 مليارات دولار في قطاعات غير تقليدية، مثل إدارة القطاعات الصحية، والبيئية، والنقل العام، والزراعة الذكية.
وأشار النجار إلى أن الصندوق يهدف إلى تهيئة بيئة استثمارية جاذبة للقطاع الخاص العراقي والأجنبي، لكنه أقر بوجود تحديات تتعلق بالبيروقراطية وتعقيدات الإجراءات الحكومية التي ما زالت تؤثر على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى العراق.
الاستثمار السياحي: فرصة غير مستغلة
رغم أن العراق يمتلك أكثر من 12,500 موقع أثري مسجل لدى اليونيسكو، إلا أن قطاع السياحة لا يزال غير مستغل بشكل كبير.
وفي محاولة لتطوير هذا القطاع، أطلق صندوق العراق للتنمية مبادرة “حضارة” التي تهدف إلى تأسيس شركة استثمارية بالشراكة مع مستثمرين محليين وأجانب لإنشاء منتجعات سياحية في المناطق الأثرية. ومن المتوقع أن تسهم هذه المبادرة في جذب استثمارات بقيمة مليار دولار إلى القطاع السياحي خلال العام الحالي.
ويشير الخبراء إلى أن ضعف البنية التحتية السياحية، وانعدام الخدمات الأساسية في العديد من المواقع الأثرية، وغياب التشريعات الداعمة للاستثمار في هذا القطاع، عوامل تعيق استقطاب رؤوس الأموال، على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يمتلكها العراق في هذا المجال.
فساد الاستثمار ومشاكل المشاريع السكنية
على الرغم من الجهود الحكومية لدعم الاستثمار، إلا أن العديد من المشاريع الاستثمارية تعاني من مشكلات قانونية وإدارية، أبرزها:
عدم التزام هيئة الاستثمار بمتابعة المشاريع السكنية، حيث لا يتم تخصيص 60% من مساحة هذه المشاريع كمساحات خضراء، وفقًا لما ينص عليه القانون، وهو ما أدى إلى انتشار المشاريع الإسمنتية دون تخطيط عمراني سليم.
استغلال المتنزهات والمساحات الخضراء للاستثمار التجاري، حيث سمحت دائرة التصميم في أمانة بغداد بتحويل عدد من المتنزهات إلى مشاريع استثمارية، مما أدى إلى تقليص المساحات الخضراء في العاصمة، وزيادة معدلات التلوث البيئي.
عدم محاسبة الشركات والمستثمرين المخالفين، وغياب الرقابة الجدية على تنفيذ المشاريع وفق المعايير البيئية والعمرانية المطلوبة، ما أدى إلى تعثر الكثير من المشاريع أو تنفيذها بجودة رديئة تضر بالمواطنين والبيئة.
طموحات العراق لجذب الاستثمارات رغم التحديات
رغم المشكلات التي تواجه قطاع الاستثمار، تسعى الحكومة العراقية إلى تنفيذ خطة طموحة لجذب استثمارات أجنبية بقيمة 250 مليار دولار خلال عامي 2025 و2026، تشمل مشاريع في الطاقة المتجددة، والمدن الصناعية، والزراعة، والتعليم، والترفيه، والسياحة.
ومنذ تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار عام 2006، لم تتجاوز الاستثمارات المتدفقة إلى العراق 35 مليار دولار حتى نهاية 2022، لكن بعد الإصلاحات الإدارية والفنية الأخيرة، ارتفع حجم الإجازات الاستثمارية الممنوحة إلى 69 مليار دولار حتى منتصف 2023.
الفساد الإداري والبيروقراطية عائق أساسي أمام التنمية
يشير مختصون في الاقتصاد إلى أن أحد أكبر العوامل التي تعرقل جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية هو الفساد الإداري، حيث تصنف تقارير دولية العراق ضمن قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم.
وتبرز التحديات الرئيسية في:
البيروقراطية المعقدة والإجراءات الطويلة التي تعيق إنجاز المشاريع.
غياب الشفافية في منح إجازات الاستثمار، مما يفتح الباب أمام الفساد والمحسوبية.
عدم وجود ضمانات قانونية لحماية المستثمرين الأجانب، مما يجعلهم يترددون في دخول السوق العراقية.
في ظل هذه الأوضاع، يبقى السؤال الأهم هل سيتمكن العراق من تحقيق طموحاتها الاستثمارية، أم أن الفساد والبيروقراطية سيظلان عائقًا أمام تقدم العراق اقتصاديًا؟