حرية ـ (8/2/22024)
مروان الأمين
بعد الأثمان الباهظة التي تكبّدها “حزب الله” في الحرب الأخيرة، وما تبعها من تغيّرات في ميزان القوى، وتبلور معادلة إقليمية ودولية أفضت إلى انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، ما يعكس تراجع دور “الحزب” كضابط وحيد لإيقاع المشهد السياسي، جاء خطاب القسم ليؤكد العودة إلى المشتركات الوطنية، داعياً إلى كلمة سواء تحت سقف الدستور وفي إطار مؤسسات الدولة، رافضاً منطق الغالب والمغلوب، ومؤكداً أنّ أيّ خسارة تصيب طرفاً، إنّما تصيب الجميع. وفي هذا السياق، شدّد خطاب التكليف للقاضي نواف سلام على نهج اليد الممدودة، في إشارة إلى مرحلة سياسية جديدة تقوم على التشارك والتفاهم، بما يرسّخ مصلحة وطنية جامعة.
مبادرة اليد الممدودة لم تجد نظيراً لها من طرف الثنائي، بل جوبهت بسلسلة من المواقف والممارسات التي تعكس الاستمرار بعقلية التسلّط والفرض.
ومن بين تلك الممارسات:
1- سعى الثنائي إلى فرض إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، لكن مع تعثر هذا المسعى، خرج علينا النائب محمد رعد بتصريح يؤكد الاستمرار بالنهج ذاته لجهة لغة التهديد والاستعلاء. واستكمل هذا التصريح بمقاطعة الاستشارات مع الرئيس المكلّف، في خطوة أقلّ ما يقال فيها خروج عن الأصول والأعراف.
2- الإصرار على الحصول على وزارة المالية، وحصرها بمرشح تابع للثنائي، في رسالة واضحة مفادها أنّ النهج ذاته مستمر: الإمساك بقرارات الحكومة، وفرض خياره على الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية من دون أي اعتبار لمبدأ الشراكة والتوافق.
3- في ظل عجز “حزب الله” عن القيام بتحركات عسكرية جنوب الليطاني بسبب تداعياتها المحتملة عليه، لجأ إلى تحريض ما يُسمى بـ “الأهالي” على تنظيم تحركات شعبية وضعت الجيش اللبناني في موقف حرج. من خلال هذا العمل، بعث “الحزب” برسالة واضحة إلى من يعنيهم الأمر: أنّه لا يزال الممسك بزمام الأمور الأمنية جنوباً، سواء عبر ميليشياته أو من خلال تحريك “الأهالي”، في محاولة لتقويض هيبة الدولة وترويض دور الجيش.
4- لم يكتفِ “حزب الله” بالتحركات الشعبية جنوباً، بل استكملها بعراضة استفزازية ذات طابع مذهبي في شوارع بيروت، في رسالة واضحة مفادها أنّ نهج الاستقواء والعنجهية لا يزال مستمراً، وأنّ فرض إرادته على باقي المكوّنات هو خياره السياسي والميداني. وهذا المشهد يتكرر أيضاً مع وابل الرصاص الذي يرافق تشييع عناصره، ما يعكس استهانة واضحة بهيبة الدولة ومؤسساتها، ورسالة استقواء إلى المكوّنات الأخرى.
5- في تطوّر قضائي مثير للجدل، صدر قرار بحفظ ملف اغتيال الناشط والمفكّر لقمان سليم. يُثير هذا القرار تساؤلات حول أبعاده القانونية والسياسية، ولجهة التوقيت أيضاً، بحيث يحمل رسالة واضحة إلى العهد، والرئيس المكلّف، وكافة القوى السياسية واللبنانيين، مفادها أنّ “حزب الله” لا يزال ممسكاً بمفاصل القضاء، وأنّ سياسة الإفلات من العقاب ما زالت قائمة، ولا زال القاتل يجد ضالته في قرارات وأحكام تصيب الحقيقة والعدالة في مقتل.
اليد الممدودة خيار إيجابي، لكنّ الرضوخ لشروط التسلّط أمر آخر كلّياً. ولتكتسب هذه المبادرة فاعليتها، لا بدّ من يدٍ تلاقيها، لا يدٍ تحاول ليّها وكسرها.
في هذا المشهد، يترقّب اللبنانيون ترجمة وعود خطاب القسم إلى خطواتٍ ملموسة، وتشكيل حكومة تعبّر عن تطلعاتهم، بدل الخضوع لإملاءات الثنائي، خصوصاً في ما يتعلق بوزارة المالية وباحتكار التمثيل الشيعي.