حرية ـ (11/2/22025)
أحمد الصراف
ربما كنت أكثر مَن طالَب، وعلى مدى ربع قرن، بضرورة مراقبة أعمال الجمعيات الخيرية، خاصة أن غالبيتها تعود لأحزاب دينية متشددة، وضرورة تتبع أين تذهب أموالها، وذكرت في إحدى مقالاتي أن إجمالي ما جمعته، على مدى نصف قرن، بلغ عشرات مليارات الدولارات، لم يصرف منها شيء تقريباً في الداخل، فقامت جمعيتان بإحالتي إلى القضاء، لكن نلت البراءة تالياً.
كما طالَبتُ الجهات المعنية بدراسة خطورتها على أمننا الداخلي، وأمن دول عدة شقيقة وصديقة أخرى، فأموالها كانت تتسرب لجهات مشكوك بأنشطتها، هذه الشكوك دفعت وزارة الخزانة الأمريكية، بعد أحداث 11 سبتمبر، إلى فرض الكثير من المطالبات علينا، بعد أن اكتشفت عجزنا أو عدم رغبتنا في «لجم» تسيُّب هذه الجمعيات، ووضعت مجموعة ضوابط تتعلق بطريقة مراقبة ما تجمعه الجمعيات من أموال، لكن «الشق» كان بالفعل أكبر من الراتق، فنفوذ معظم «زعماء الأحزاب الدينية»، كان أقوى من نفوذ مجلس الوزراء، في ذروة استئساد مجلس الأمة، حيث نجحوا في عرقلة كل الجهود الهادفة لمراقبة أموال الجمعيات، وبالتالي لم تلقَ مطالباتي، من خلال مقالاتي أو مقابلاتي التلفزيونية أو لقاءاتي مع المسؤولين، إلا جواباً واحداً: «يصير خير»!
جاء عهد جديد، وجاءت وزيرة شؤون ذكية، وكان لا بد من تطبيق متطلبات وزارة الخزانة بدقة أكبر، فتغيرت، خلال فترة قصيرة، قواعد اللعبة بشكل كامل، وبدأت عملية تقليم مخالب الجمعيات المتمردة، وبطريقة محترفة، من خلال اعتماد أنظمة جديدة كلياً سواء ما تعلق بطريقة جمع التبرعات أو صرفها، ومُنع جمع أيّة أموال نقدية، كما تم حصر طلبات المساعدات من خلال منصة موحدة، يتقدم من خلالها صاحب الحاجة بطلبه، وعلى الجمعيات أن تختار من تريد مساعدته، ويكون دفع المساعدة من خلال تحويل مصرفي، بعد أن منعت الوزارة الجمعيات من صرف مساعداتها في صورة شيكات أو نقدية، وبالتالي أصبحت الوزارة على علم تام لمن وكيف تصرف المساعدات.
كما وضعت منصة أخرى للمساعدات الخارجية، لكنها بحاجة إلى وضع ضوابط مشددة لها، فلا تزال تشكل مصدر قلق للبعض. بقي عيب وحيد لمنصة الشؤون، حيث تم حرمان الجهات الأكثر حاجة، كمرضى المستشفيات، أو من أنهوا حكم السجن، وانتهت إقاماتهم، من استخدام المنصة، لعدم حملهم بطاقة مدنية صالحة، أو حساباً مصرفياً!!
شكلت الإجراءات الجديدة ضربةً للجمعيات الخربة، وكان صراخها على قدر ألمها، لكن لم تنجدها أية جهة، بعد أن ذهب الفساد السياسي، الذي كان يستفيد منها ويحميها، مع حل المجلس. وكما توقعت في مقال سابق فإن التطبيق الحازم لهذا النظام أنهى مبرر وجود عدد كبير من المبرات والجمعيات، المسماة بالخيرية، والتي تأسس الكثير منها، أساساً، للاستفادة من نسبة «القائمين عليها»، فمع شح الموارد وزيادة الأعباء، والتشدد في الصرف، بدأت تشكو من الوهن، لذا تتالت قرارات «الشؤون» الأخيرة بحلّ وتصفية أموال عدد منها، ليرتفع إجمالي ما حُلّ منها أخيراً إلى 15، إضافة إلى 23 أخرى على قائمة الحل، والغربلة مستمرة.
يشاع أن الحكومة بصدد دمج الجمعيات الخيرية، وهذه فكرة غير عملية، فكل ما هو مطلوب تطبيق القانون عليها وتشديد الرقابة. كما أن هناك اتجاهاً لحصر العمل الخيري الخارجي باسم الدولة، وهذا جيد لكن خطورته تكمن في احتمال سيطرة «الجماعة نفسها» على مقدرات هذه الجهة!!
شكراً لجهود الوزيرة الحويلة، ونقول معها: «لا تبوق.. لا تخاف»!