حرية ـ (15/2/22025)
جيفري كمب
تستفيد كل الحكومات والمؤسسات الخاصة الكبيرة من المراجعات الدورية لعملياتها، لمراقبة الإهدار أو سوء الاستخدام المالي. وهذا إجراء طبيعي في معظم البلدان، وعادةً ما يؤدي إلى إصلاحات توفر أموالَ دافعي الضرائب أو المساهمين. وخلال حملته الانتخابية، وعد دونالد ترامب الشعب الأميركي بأنه، حال انتخابه، سيقوم بإصلاحات جذرية في البيروقراطية الأميركية الهائلة، التي تطوّرت على مدار التسعين عاماً الماضية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين. وعندما تم انتخاب ترامب لولاية رئاسية ثانية، لم يكن مفاجئاً أن يبدأ بإصدار أوامرَ تنفيذية للحد من تجاوزات بعض الدوائر الحكومية. كما كان معروفاً بمطالبته بإلغاء وزارة التعليم.
لكن قلةً من الأميركيين كانوا مستعدين للهجوم الشديد الذي شنه على البيروقراطية في الأسابيع التي تلت تنصيبَه في 20 يناير 2025. لقد عيَّن ترامب إيلون ماسك لرئاسة وزارة جديدة تُسمى «وزارة كفاءة الحكومة» (DOGE)، لمراجعة جميع جوانب الحكومة الفيدرالية والتوصية بتخفيض التكاليف. وقد قام ماسك بتوظيف عدد من المعاونين الشباب لمساعدته، دون أن يخضع أي منهم، بما في ذلك ماسك نفسه، للفحوصات الأمنية الدقيقة التي تُجرى عادةً للمناصب الحكومية الحسّاسة.
وفي غضون أيام قليلة، أصبح من الواضح أن ماسك لم يكن يهدف فقط إلى تقليص وإصلاح الإدارات، بل كان يسعى إلى تدميرها بشكل كامل ودون سابق إنذار. وكان أكثر قراراته جرأةً حتى الآن دعوته إلى إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، التي أنشأها الرئيس جون كينيدي في عام 1961 لدعم أهداف السياسة الخارجية الأميركية من خلال تقديم المساعدات المدنية والتنموية للدول في جميع أنحاء العالم.
وتبلغ ميزانية وكالة التنمية الدولية السنوية 40 مليار دولار، ومنذ إنشائها، تمت إدارتها من قبل مسؤولين مؤهلين من مختلف الأطياف السياسية. ولطالما أدرك الرؤساء «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» على حد سواء قيمةَ هذه المؤسسة كعنصر أساسي في القوة الناعمة الأميركية. وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرضت لها الوكالة على مر السنين، فإن أياً من الرؤساء الأميركيين لم يفكر في إلغائها.
لكن هذه المرة، وبتوصية من ماسك، قررت إدارة ترامب، بين ليلة وضحاها، تجميدَ جميع برامجها وفصل جميع موظفيها. وأثار هذا القرار المفاجئ ردَّة فعل عنيفة، حيث تم تقديم طعون قضائية لوقف هذه الإجراءات. وقد أصدر قاضٍ فيدرالي أمراً مؤقتاً بتعليق تنفيذ القرار، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة ستمتثل للأحكام القضائية. ويعتقد كل من نائب الرئيس، جي دي فانس، ورئيس مجلس النواب، مايك جونسون، أن المحاكم تجاوزت سلطتَها.
وإذا قررت الإدارة تجاهلَ قرارات المحاكم، فستحدث أزمةٌ دستورية يتعين على المحكمة العليا حلَّها. والسؤال الحاسم هو ما إذا كان القضاة التسعة سيحكمون لصالح المحاكم الأدنى، أم سيقررون أن لترامب، بصفته رئيساً، لديه الحق القانوني في تجاوزها.
وبما أن ستة من قضاة المحكمة محافظون مقابل ثلاثة ليبراليين فقط، فليس من الواضح كيف سيحكمون في هذه القضية. وإذا أيدت المحكمةُ ترامب، فستكون الولايات المتحدة أمام أخطر أزمة منذ الحرب الأهلية، وستدخل البلادُ في حالة اضطراب. كما ستتضرر قوةُ الولايات المتحدة ونفوذُها عالمياً، مما سيسمح لمنافسيها بالسعي لفرض نظام عالمي جديد يتوافق مع مصالحهم.