حرية ـ (16/2/22025)
سعد بن طفلة العجمي
لا يشكل الوجه أكثر من خمسة في المئة من سطح جسم الإنسان، لكنه الأكثر أهمية والأغنى بالمعلومات والإشارات من باقي الجسم، ويعتبر مخزن معلومات عن الشخص ويعكس أرشيفاً لتعابيره.
وجه بشوش ووجه عبوس، ووجه خائف وآخر مبتسم، وذاك “مكشر” وهذا مكفهر، وأبو وجهين المنافق، وأوصاف للوجه يصعب حصرها وتقديم قائمة واحدة لتوصيفها وبالتالي قراءة الشخص من خلالها.
أمثال لا حصر لها بالعربية الفصحى والدارجة وبكل لغات وثقافات العالم تتحدث عن جمال الوجه أو قبحه وعن طاقاته الإيجابية أو السلبية، وعن جمال الوجه غنى صباح فخري: “ربة الوجه الصبوحي”، والجبين والخدود والعيون والشفاه كانت ولا تزال مركزاً لتوصيف جمال الوجه، فقال الشاعر مانع بن سعيد العتيبة:
هذا جبين الزين ولا الصباحي
بس الخدود تبث لحظات الغروب
أما الشاعر محسن الهزاني فقد جمع الجبين والمبسم ببيتين شهيرين:
برق تلالا قلت عز الجلالا
أثره جبين صويحبي وأحسبه برق
ومبسم هيا له بالظلام اشتعالا
بين البروق وبين مبسم هيا فرق
وفي الشفاه غنوا للأمير خالد الفيصل:
وقف ترى لي مع شفايفك ميعاد
بيني وبين الموت معسول ماها
في شفتك جمر حمر فيه وقاد
أغليت أنا لون الجمر من غلاها
وفي العيون ورموشها تغزل المحبون وتفنن الهائمون بجمالها، فغنى عبدالحليم حافظ “أبوعيون جريئة” من كلمات مرسي جميل عزيز:
فات رمشه الجريء وندهنى
وفي أجمل عيون توهني
ووصف أمير الشعراء أحمد شوقي العيون والجفون بشطر بيت شهير
“عيناك بحر والجفون شواطئ”، و”عيون الرجال للرجال حراب” مثل شعبي كناية عن قوة رسائل العينين لمن ينظر إليها، والعين من أغلى أعضاء الجسم في الوجه، فيقال يا حبيبي يا عيوني، كناية عن قيمة المستمع، ولا يقال يا حبيبي يا خدودي أو يا أسناني أو يا خشمي أو يا شفايفي أو يا حنكي، كما وصف المحبون أسنان المحبوبة وخلدوا الأسنان كما لم يهتم بها من درس طب الأسنان سنين طويلة، فقال عنترة في وصف لمعان أسنان عبلة:
وددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ووجه التفاؤل “وجه خير”، ووجه الشؤم “يقطع الخميرة من البيت” كما يقال في مصر، ويشي الوجه بالقبح فقد هجى الحطيئة وجهه حين لم يجد من يهجوه:
أنا اليوم لي وجها ًفلله خلقه
فقبّح من وجه وقبح حامله
وقراءة الوجه قراءة تقاسيم، والتقاسيم هي التوزيع بقطعة موسيقية، ويقال لمن يصعب قراءة وجهه بالإنجليزية بأن وجهه “وجه بوكر” ((Poker Face كناية عن صعوبة قراءة أفكاره من خلال جمود وجهه كجمود وجه مقامري ورق البوكر، ويقال أيضاً بأن “وجهه حديد” كناية عن حدة تضاريس وجهه، ويقال إن فلان “وجهه طويل” كناية عن جرأته المشروعة بالقول والطلب لطيب أفعاله السابقة.
كما أن التبرؤ من علاقة أو اتفاق ما تختصر بأن “الوجه من الوجه أبيض”، وفي الأمثال الشعبية “فلان وجه ابن فهرة”، والمثل كناية عمن لا حياء في وجهه الذي يشبه الحجر، والفهر مدق حجري أيضاً تدق وتطحن به الحبوب والأعشاب المجففة، ولا أعرف أصل هذا المثل لكنه شائع جداً في الخليج والجزيرة لمن لا يستحي مما يقول ولو كان قولاً فاحشاً، ويرادفه بالقول “فلان مغسول وجهه بمرق”.
يرى الروس أن وجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب وجه خير عليهم، فقد أعلن قبل ساعات وزير دفاعه الجديد بيت هيغسيث بعد اتصال بين رئيسه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن العودة لحدود 2014 بين روسيا وأكرانيا أمر غير واقعي، وأن على أكرانيا التنازل عن بعض أراضيها، وأن عضوية أوكرانيا في الـ “ناتو” غير مفيدة، أما بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فإن وجه ترمب بالنسبة إليه “وجه ودرّ” أي مهلكة.
وبالنسبة إلى الدنمارك وغرينلاند وكندا وبنما والمكسيك فيعتبر وجه ترمب وجهاً شريراً يريد ضم دولهم أو السيطرة على قراراتها ومقدراتها، وقد دعمت الولايات المتحدة الأميركية حرب الإبادة في غزة على مدى 15 شهراً، ثم يطلب الرئيس دونالد ترمب من فلسطينيي غزة الرحيل منها ليسكنوا في مصر والأردن كي يعيد بناءها كريفييرا للشرق الأوسط، من دون أن يحمل إسرائيل أو بلاده أية مسؤولية عما آلت إليه أوضاعها، وهذا أنصع الأمثلة على “وجه ابن فهرة”.