حرية ـ (18/2/22025)
يواجه تنفيذ الموازنة الاستثمارية العراقية تحديات كبيرة، بسبب تأخر إطلاق التخصيصات المالية وعدم تمويل المقاولين، ما أدى إلى تعثر تنفيذ المشاريع في المحافظات العراقية.
وتشير التقديرات إلى أن تراكم مستحقات المقاولين تجاوزت 5 تريليونات دينار عراقي، وهو ما يعطل قدرتهم على الاستمرار في العمل أو الدخول في مشاريع جديدة، وفق خبراء في الشأن الاقتصادي.
ويدعو الخبراء إلى أهمية إعادة جدولة الأولويات التمويلية لضمان استمرار المشاريع ذات الضرورة الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن اعتماد نظام التمويل المرحلي للمشاريع الإنتاجية، إلى جانب تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحسين آليات تحصيل مستحقات الدولة غير النفطية لضمان وجود تدفقات نقدية مستقرة.
وفي هذا السياق، يقول عضو مجلس النواب العراقي، باسم نغيمش، إن “توقف المشاريع كان متوقعاً وحذرنا منه منذ إقرار الموازنة، وكان اعتراضنا على عدم دقة احتساب الأموال الكافية لتغطية مشاريع المحافظات، لأن أموال الأمن الغذائي هي الموجودة فقط في أمانات المحافظات، أما أموال مشاريع تنمية الأقاليم فهي ذرعات عمل أموالها غير موجودة في المحافظات بل في وزارة المالية كأمانات، لذلك توقعنا حصول هذه المشكلة وتوقف المشاريع”.
ويضيف نغيمش، “كما أن هذه المشكلة لا تقتصر على الموازنة الاستثمارية فقط بل شملت حتى التشغيلية، حيث تعاني دوائر الدولة من نقص في تمويل استحقاقات بعض الموظفين للمناقلة والعلاوات والترفيعات واحتساب شهادة والمخصصات”.
ويشير نغيمش وهو نائب عن محافظة واسط، إلى أن “المشاريع في المحافظات توقفت، وتطلب محافظة واسط 130 مليار دينار ذرعات عمل منجزة للمقاولين الذين اضطروا لتقديم طلبات توقف، لذلك على الحكومة المركزية تحمل مسؤوليتها وأخذ دورها بإيجاد الحلول المناسبة لمشكلة السيولة النقدية”.
ويكشف نغيمش، “قبل أيام كان هناك لقاء مع وزيرة المالية التي اشتكت عند الطلب منها تمويل بعض المشاريع بعدم وجود سيولة نقدية، لذلك نخشى من عودة سيناريو عام 2014 باندثار المشاريع وبالتالي خسارة الدولة مبالغ طائلة”.
وكانت وثيقة متداولة مذيلة بتوقيع وزيرة المالية العراقية، طيف سامي، أظهرت أثناء مخاطبتها مكتب رئيس الوزراء في 9 شباط/فبراير الجاري، بأن “الخزينة تعاني من عجز كبير في تمويل رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية”.
لكن الوزارة عادت في بيان أمس الثلاثاء، وقالت فيه “عدم وجود أي عجز مالي يؤثر على نفقات الرواتب”، لافتة إلى “استمرار العمل على ضمان استقرار السياسة المالية وتوفير المستحقات وفق الخطط المعتمدة”.
من جهته، يقول نائب رئيس لجنة الاستثمار النيابية، حسين السعبري، أن “الأزمة المالية واضحة، ومؤخراً كان للمقاولين وأًصحاب الشركات تظاهرة أمام وزارة التخطيط لعدم استلام حقوقهم من الذرعات”.
ويشير السعبري خلال حديثه له، إلى أن “المقاول عندما ينجز نسبة معينة، يفترض على الحكومة المحلية ووزارة المالية صرف مقدار العمل الذي أنجزه، لكن اليوم هناك مشكلة مع المقاولين في أغلب المحافظات بهذا الخصوص”.
ويؤكد، أن “الأزمة المالية صعبة، وأن ارتفاع الدين الداخلي إلى 82 تريليون دينار دليل على الأزمة الحالية، وأن عدم استطاعة الحكومة سداد هذه الديون سوف يتسبب بمشكلة تلقي بظلالها على الطبقات الوسطى والفقيرة، لأن عدم صرف الحكومة المستحقات للمقاول لن يصرف هو أيضاً مستحقات عماله”.
وفي هذا الصدد، يحمل المحلل السياسي، عبد الله الكناني، “الحكومة المركزية والحكومات المحلية الإخفاق في تقديم المشاريع والخدمات للمواطنين وعدم الجدية في العمل، بسبب عدم وجود تخطيط صحيح ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب”.
ويؤكد الكناني، أن “المتضرر في الأزمة هو المواطن فهو بين نار الحكومتين المحلية والمركزية، في وقت يتم صرف أموالاً طائلة على رواتب المسؤولين والنواب وعلى سفرياتهم وغيرها ما يؤثر على الموازنة العامة”.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه، أن “توقف المشاريع الخدمية تعكس إشكالية أعمق تتعلق بآليات تمويل المشاريع، وضعف التخطيط المالي، وعدم الالتزام التام بقانون الإدارة المالية”.
ويضيف عبد ربه، أن “الموازنة الاستثمارية للعراق لعام 2024 بلغت نحو 49 تريليون دينار، إلا أن تنفيذها يواجه تحديات كبيرة بسبب تأخر إطلاق التخصيصات المالية وعدم تمويل المقاولين”.
ويوضح، أن “أزمة تمويل المقاولين إحدى العقبات الرئيسية، إذ يؤدي تأخير وزارة المالية في صرف المستحقات إلى تعثر التنفيذ، وتشير التقديرات إلى أن تراكم مستحقات المقاولين تجاوز 5 تريليونات دينار، وهو ما يعطل قدرتهم على الاستمرار في العمل أو الدخول في مشاريع جديدة”.
ويتابع الخبير الاقتصادي، “كما أن عدم وجود خطة واضحة لتوزيع السيولة يؤدي إلى تعطيل بعض المشاريع ذات الأولوية بينما تستمر مشاريع أخرى ذات طابع أقل إلحاحاً، بالمقابل نعاني من تراجع واضح للمشاريع المنتجة، حيث لا تتجاوز نسبة الإنفاق على القطاعات الإنتاجية مثل المصانع والزراعة والطاقة 15% من إجمالي الموازنة الاستثمارية، مما يزيد من الاعتماد على الاستيراد ويحد من فرص تطوير الإنتاج المحلي”.
ويدعو عبد ربه، إلى “إعادة جدولة الأولويات التمويلية لضمان استمرار المشاريع ذات الضرورة الاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن اعتماد نظام التمويل المرحلي للمشاريع الإنتاجية بحيث تدار وفق مبدأ التمويل الذاتي التدريجي بدلاً من الاعتماد الكلي على الموازنة العامة”.
ويكمل حديثه، “كما أن تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يسهم في دعم مشاريع البنية التحتية والصناعة والطاقة، إلى جانب تحسين آليات تحصيل مستحقات الدولة غير النفطية لضمان وجود تدفقات نقدية مستقرة”.
ويحذر عبد ربه في نهاية كلامه، “من أن عدم وجود إصلاحات مالية سيجعل العراق يعاني من التأخيرات المستمرة في تنفيذ المشاريع، مما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة ويؤدي إلى مزيد من الهدر في الموارد وتراجع مستوى الخدمات الأساسية”.