حرية ـ (20/2/22025)
لا تعتمد كثير من التنظيمات العقائدية فى العالمين العربى والإسلامى فقط على البناء الفكرى لضمان ولاء عناصرها إنما أيضًا تربطها بشبكة مصالح وخدمات، وهو ما حدث مع حركة حماس وحزب الله فى لبنان وغيرهما.
والحقيقة أن الاشتباكات التى تجرى فى محيط مطار بيروت فى لبنان بين أنصار حزب الله وقوات من الجيش عكست أزمة مختلفة عن السابقة، حيث كان الخلاف يجرى أساسًا فى المجال السياسى متمثلًا فى رفض سيطرة الحزب على القرارين السياسى والعسكرى، أو حرب الإسناد التى دخل فيها دعمًا لغزة واعتبر كثير من اللبنانيين أنها لم تفد غزة وأضرت بلبنان، إنما امتدت هذه المرة إلى أنصار الحزب الذين تضررت مصالحهم بعد فرض قيود على دخول الأموال الإيرانية وعلى تمويل الحزب.
لقد مثل حزب الله بالنسبة للكثيرين من أعضائه شبكة تضامن اجتماعى، كما أنهم بالقدر الذى أعلنوا فيه حبهم لمشروع الحزب السياسى والعقائدى أحبوا أيضًا خدماته الصحية، والتعليمية، والقرض الحسن، وغيرها.
إن الخلاف حول حزب الله لبنانيًا وعربيًا موجود، فهناك من يرى أن إسرائيل عدو للبنان وتمثل تهديدًا له، وأن هيمنة الحزب على القرار السياسى والعسكرى كانت من أجل دعم «مقاومة إسرائيل»، وطالما أن الأخيرة لا تعبأ بالمجتمع الدولى وقرارات الأمم المتحدة فإنها يمكن أن تستبيح لبنان فى أى وقت، وأن المطلوب صيغة جديدة لحزب الله يلتزم فيها بقرار الأمم المتحدة ١٧٠١ويحتفظ أيضًا بقدرات عسكرية كامنة للدفاع والردع فقط.
بالمقابل هناك تيار واسع يعتبر أن الحزب ورط لبنان فى الحرب مع إسرائيل وأنه مسؤول عن الدمار الذى أصاب البلاد، وأن ظاهرته العسكرية يجب أن تنتهى وأن يتحول فقط لمشروع سياسى داخل الساحة اللبنانية المتنوعة.
والحقيقة أن هذا الخلاف امتد ليصل إلى أنصار الحزب فى مواجهه القوى الرئيسية المناوئة له كتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب حتى أصبح هناك سجال وتنابز حول المسؤول عن الحرب ونتائجها وفاتورتها، وأن مشاهد الاحتضان التى حدثت أثناء الحرب لأنصار حزب الله فى مختلف المناطق اللبنانية اختفت حاليًّا لصالح حالة من الاحتقان، وروج الحزب لمقولات من نوع أن المختلفين معه هم المتخاذلون الذين غيروا الحكم فى لبنان عبر العدوان الإسرائيلى، وبدلًا من أن يقوم بمراجعة حقيقية لأخطائه فى الداخل اللبنانى حمّل الآخرين مسؤولية اختياراته وتوترت العلاقة بين أنصار الحزب والعهد الجديد.
التحدى الذى سيواجه لبنان فى الفترة القادمة هو أنه لا يوجد تنظيم عقائدى قوى وممتد ومؤثر بهذا الشكل وسط طائفته إلا حزب الله، فالتنظيمات الإسلامية السنية أضعف بكثير كما أن كثيرًا من السنة والمسيحيين منخرطون فى أحزاب مدنية، حتى لو كان أساسها طائفيًا وبالتالى ستصبح التحديات أمام العهد الجديد كبيرة، ولكنه يظل قادرًا على تجاوزها.