حرية ـ (23/2/22025)
أندرو غرايس
عندما يلتقي دونالد ترمب بكير ستارمر في واشنطن الأسبوع المقبل، قيل لي إن الأخير سيخبر الرئيس أن الولايات المتحدة قادرة على تحقيق كثير من خلال العمل مع حلفائها مقارنة بما يمكنها تحقيقه بمفردها.
كذلك سيعيد رئيس الوزراء طمأنة ترمب بأن المملكة المتحدة ستزيد إنفاقها الدفاعي. وسيشرح ما عناه عندما تحدث عن حاجة الولايات المتحدة إلى أن تكون “دعامة أساس” لقوات أوروبية لحماية وقف إطلاق النار أو اتفاق السلام في أوكرانيا – على الأرجح من خلال الدعم الجوي، والاستخبارات، والاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، والاستطلاع، ولكن من دون نشر قوات قتالية أميركية (حتى لو لقيت القوات الأوروبية حتفها على يد الروس).
ولكن، هل بوسع ستارمر فعلاً أن يلعب دور الجسر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟
مما لا شك فيه أن الأزمة التي أشعلها ترمب أطاحت بعض تحفظات الاتحاد الأوروبي في شأن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وفي حقيقة أن يقوم طرف خارجي بتمثيله في محادثات البيت الأبيض، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره من قبل، ولكنه الآن أصبح ضرورة حتمية.
يعتقد بعض حلفاء ستارمر أنه سيكون من الأسهل بالنسبة إليه أن يكون الجسر العابر للأطلسي مقارنة برئيس الوزراء السابق الذي طمح للعب هذا الدور: توني بلير، عندما كانت المملكة المتحدة لا تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي (يقول منتقدو بلير إن الجسر الذي شيده انهار عندما رفض فكرة “الحل الأوروبي” في شأن العراق وزعم على نحو خاطئ أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك استبعد تماماً العمل العسكري).
وفي هذا السياق، كشف لي مصدر في الحكومة البريطانية أنه “سيكون الأمر أصعب بالنسبة إلى ستارمر مع الأوروبيين، ولكن أسهل مع الأميركيين. فنحن لدينا بالفعل ’قدم في الداخل وقدم في الخارج‘ في أوروبا ولهذا سيكون من الأسهل للولايات المتحدة أن تتواصل معنا وتثق بنا”.
ولكن، ينتاب الشك بعض الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن. فقد اعتبر أحدهم أن تعهد ستارمر بنشر قوات بريطانية على الأرض أدى إلى انقسام أوروبا في وقت وحدها فيه ترمب. وقال “كنا موحدين في مؤتمر ميونيخ للأمن الأحد الماضي وما لبثنا أن انقسمنا عندما التقينا في باريس الإثنين”.
في حال نجح ستارمر في إقناع ترمب بمنح المملكة المتحدة استثناءً من التعريفات الجمركية الأميركية المقترحة على الصلب مع فرضها على الاتحاد الأوروبي، فلن تنضم المملكة المتحدة إلى الرد الأوروبي الحتمي. وهذا قد يغضب بروكسل وقد يجعل إعادة التوازن التي يسعى إليها ستارمر مع الاتحاد الأوروبي أكثر صعوبة.
من شأن هذا الأمر أن يثير تساؤلات حول ادعاء ستارمر المتفائل بأن المملكة المتحدة لا تواجه خيارين متناقضين بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وأن بإمكانها الاستمتاع بأفضل ما في الجانبين معاً.
في الواقع، يقر بلير الآن بأنه اختار أن يقدم “التزاماً حقيقياً” تجاه الولايات المتحدة بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، بدلاً من “مجرد الهتاف من الخارج ولعب دور المتفرج”. في كتابه “عن القيادة” On Leadership الذي صدر العام الماضي، قال رئيس الوزراء السابق: “لقد كان خياراً… يمكن لمثل هذه الخيارات في السياسة الخارجية أن تكون صعبة بالفعل. وحدهم خبراء السياسة الخارجية الجالسون في مقاعدهم المريحة يؤمنون بفلسفة ’الاستمتاع بكل شيء في الوقت نفسه’ في صنع السياسات”.
على رغم أن ستارمر محق في محاولته لعب دور الجسر، يشكك الخبراء أن بوسعه الذهاب بعيداً في ذلك. وفي هذا الصدد، وصفت المؤرخة مارغريت ماكميلان الفكرة بأنها “حلم بعيد المنال”. وقالت: “إنه ليس جسراً مقدراً له أن يدوم طويلاً. سيركله ترمب وشركاؤه ذات يوم ويتخلصون منه. فهم لا يؤمنون بالعلاقة الخاصة. ربما يكون هناك أشخاص في بريطانيا ما زالوا يؤمنون بها. ولكن من المؤكد أنها لا تحظى بأي صدقية في الولايات المتحدة، وبخاصة من قبل الإدارة الحالية”.
من جهته قال أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد، تيموثي غارتون آش، في ندوة عبر الإنترنت عقدتها خلية التفكير “المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة” The UK in a Changing Europe: “بوسع المملكة المتحدة أن تكون أحد الجسور، ولكن ليس الجسر الرئيس”. وأضاف أن رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية، جورجيا ميلوني، في وضع أفضل من ستارمر لاستمالة ترمب في شأن أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة ستقيم أيضاً علاقات مع ألمانيا وفرنسا وبولندا.
لعله من غير المبالغ القول إن ستارمر غير متأكد من كيفية رد الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته على عرضه. وبات بعض نواب حزب العمال يخشون من أن رئيس الوزراء سيبحر في مهمة مستحيلة بعد التصريح الصادم الذي فجره ترمب ضد أوكرانيا (والرئيس الأوكراني) والذي قال فيه “كان ينبغي لك ألا تبدأ الحرب أبداً” الذي تماهى فيه مع الموقف الروسي وغير في الواقع موقفه lk الحرب الدائرة. يبدو أن ترمب اتخذ خياره وبالنسبة إلى أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة فإن هذا القرار يمثل النهاية الأشد ظلاماً وقتامة للسيناريو الكارثي والمرعب الذي ينتظرهم.
سيشعر رئيس الوزراء بالقلق مما إذا كان ترمب المتشدد الذي لا يقبل المساومة سيستمع إلى رسالة لا يود سماعها. خلال الأسبوع الماضي، أخبرني أحد مستشاري ستارمر أن “وجود رئيس يؤمن بإجراء الصفقات أفضل من رئيس يتصرف بصورة أحادية الجانب”، لأنه بذلك سيكون للمملكة المتحدة مقعد على طاولة المفاوضات في الأقل. ثم أتى الموقف غير العادي والأحادي الجانب الذي اتخذه ترمب في شأن أوكرانيا، متخلياً عن أصدقاء أميركا في جميع أنحاء العالم بينما تراجع عن معاداة عدوه في روسيا – من دون أن يكون لأوكرانيا أو أوروبا أي مقعد على طاولة المفاوضات.
ولكن، بمعنى أو بآخر، لعل ستارمر لا يملك أي خيار على الإطلاق، إذ يتعين عليه التعامل مع النظام العالمي الجديد المرعب كما هو، وليس كما يتمنى أن يكون.