حرية – 24/2/2025
أحمد الحمداني
سافرت كثيرًا خلال عملي جُبت مدنًا عربية متعددة والتقيت أشخاصًا من مختلف الأطياف منهم من حمل السلاح في وجه الظلم ومنهم من رفع صوته طلبًا للحرية ومنهم من لفّ علم بلاده على جسده وهو يهتف لفريقه في المدرجات وآخرون لم يحملوا سوى أمتعتهم الفقيرة وهم يفرّون من موت لم يسمعوا باسمه من قبل بعضهم كانوا في السلطة وبعضهم كانوا ضحاياها، لكن جميعهم بلا استثناء أجمعوا على عبارة واحدة “اتفق العرب على ألا يتفقوا.”
ربما هذه هي الجملة الوحيدة التي يلتقي عندها الجميع من المحيط إلى الخليج.
ليست هذه القمة العربية الأولى ولن تكون الأخيرة العناوين كما هي قضايا مصيرية تحديات كبرى ومصير الأمة العربية على المحك!
لكن وكالعادة، النتيجة واحدة بيانات ختامية فضفاضة قرارات غير مُلزمة ومؤتمرات صحفية تمجّد ما لم يحدث.
في كل مرة يتكرر السيناريو ذاته يتوافد القادة إلى قاعات القمة محمّلين بالشعارات يتبادلون المصافحات أمام الكاميرات يلقون خطبًا نارية عن وحدة الصف ثم يغادرون ليعود كل منهم إلى حساباته الضيقة وتحالفاته الخاصة وخلافاته التي لا تنتهي.
وكأن ما قيل في القمة مجرد تمرين لغوي لا أكثر.
الحقيقة أن الفشل ليس سرًا بل هو نتيجة حتمية لواقع عربي غارق في الخلافات السياسية والتجاذبات الإقليمية. كل دولة لها أجندتها و كل زعيم لديه أولوياته وكل طرف يخشى أن يكسب الآخر أكثر منه.
أما الشعوب فتكتفي بالمشاهدة إن كانت لا تزال تصدّق أن هناك ما يمكن انتظاره من هذه القمم.
القضية الفلسطينية.. الحاضر الغائب
هذه المرة ترفع القمة شعار التصدي لمخططات التهجير القسري في إشارة واضحة لما يُحاك ضد الفلسطينيين. يتمسك القادة العرب بالمواقف الدبلوماسية يشيرون إلى القرارات الأممية يستذكرون مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو والمبادرة العربية للسلام ويطالبون الولايات المتحدة بدور “الوسيط النزيه”.
لكن، من ذا الذي يصدق ذلك؟ من يراهن على نزاهة وسيطٍ هو نفسه من يسلّح المحتل ويدعمه سياسيًا واقتصاديًا؟ ومن يراهن على موقف عربي موحد، فيما بعض العواصم باتت ترى التطبيع خيارًا استراتيجيًا لا مفر منه؟
العرب في مفترق طرق
اليوم وأكثر من أي وقت مضى، يواجه العالم العربي تحديًا وجوديًا.
ليس فقط بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية ولكن لأن فكرة “العمل العربي المشترك” باتت تفقد معناها. لم تعد القضية في ضعف الأداء الدبلوماسي، بل في غياب الإرادة الحقيقية للعمل الجماعي.
لن تنجح أي قمة عربية طالما بقيت مجرد مناسبة بروتوكولية وطالما ظل القادة العرب عاجزين عن تجاوز خلافاتهم.
التغيير لن يأتي من قاعات المؤتمرات بل من قرار عربي شجاع بإنهاء زمن البيانات الجوفاء والانتقال إلى الفعل الحقيقي.
ربما يومًا ما قد نشهد قمة عربية مختلفة لكن حتى ذلك الحين سيبقى الاتفاق الوحيد بين العرب هو أنهم لن يتفقوا.