حرية ـ (27/2/2025)
في الآونة الأخيرة، تصاعد الجدل حول مشاهد التجمهر في المعارض والمؤتمرات، حيث يحيط الحضور بشخصيات يُفترض أنها مشهورة، بينما يتفق معظم رواد مواقع التواصل الاجتماعي على أنهم لا يعرفونها. المشهد ذاته يتكرر في الشوارع، حيث تصطف طوابير طويلة أمام المقاهي لساعات للحصول على كوب قهوة.
يأتي ذلك في ظل ازدهار سوق تتيح استئجار أشخاص لحضور فعاليات معينة، حيث يخضع المشاركون لجلسات تدريبية قبل اختيارهم وفقاً لمتطلبات العميل، سواء من حيث العمر، أو المظهر الخارجي، أو حتى الجنسية. وفي نهاية اليوم، يحصلون على أجرهم اليومي، إضافة إلى وجبة طعام ووسيلة مواصلات.
يتمحور النقاش حول مصداقية هذه الجماعات والتساؤل عما إذا كانوا بالفعل جماهير طبيعيين أم أنهم مجموعات مدفوعة الأجر، بخاصة أن تصرفاتهم تبدو غير منطقية في بعض الأحيان. وعلى رغم عدم وجود تأكيد قاطع حول حقيقة الأمر، إلا أن “اندبندنت عربية” استقصت الحقيقة، وتبين بالفعل وجود شركات متخصصة توظف أفراداً لخلق بيئة حماسية وجاذبة خلال الفعاليات أو لأغراض تسويقية. تعمل هذه الشركات على استقطاب أشخاص من خلفيات متنوعة، وغالباً ما يكونون باحثين عن دخل إضافي، ليؤدوا دور الجمهور، ويضفوا أجواءً تفاعلية على الحدث.
وبحسب مشارك التقته “اندبندنت عربية” خلال إحدى الفعاليات في الرياض، والذي رفض ذكر اسمه، أوضح أن هذه الشركات تعقد جلسات تدريبية قصيرة تركز على أساليب التفاعل مع الحدث، بما في ذلك التصفيق والهتاف وفقاً لتوجيهات المنظمين. كما تمنح العملاء حرية اختيار تفاصيل الجمهور بالكامل، بدءاً من المظهر الخارجي وصولاً إلى الجنسية والعمر، لضمان تحقيق الأجواء المطلوبة في الفعالية.
متى يتم شراء الجمهور؟
في بعض المعارض والمؤتمرات أو البرامج التلفزيونية، يفضل منظمو الفعاليات طرح تذاكر للحضور لتحقيق مكاسب مالية، إلا أن البعض يلجأ إلى خيار “شراء الجمهور” لضمان الحضور في الوقت المحدد مع توجيهات خاصة تتناسب مع متطلبات الحدث.

“ظاهرة اللاين” التي تشهدها المقاهي والمطاعم اجتاحت الكرة الأرضية تزامناً مع ظهور “فيسبوك” و”تويتر” وأخواتهما
عند تواصل “اندبندنت عربية” مع إحدى الشركات المتخصصة في تنظيم الفعاليات وتوفير الجماهير، أوضح أحد المسؤولين أن العميل يمكنه تحديد عدد الجمهور المطلوب، الذي قد يتجاوز ألف شخص، مع إمكانية توجيههم وتدريبهم مسبقاً. يشمل ذلك تعليمهم كيفية التفاعل، مثل الهتاف والتصفيق، والاستجابة لمواقف معينة أو لشخصيات حاضرة في الحدث، وحتى التقاط الصور وفق متطلبات محددة يحددها العميل.
وفي تعليق من مسؤول في العلاقات العامة لإحدى الفعاليات الكبرى التي استعانت بجمهور مدفوع، أكد أن الهدف الأساسي من هذا الخيار هو ضمان التفاعل المتوقع، إضافة إلى ضبط أوقات الدخول والخروج بما يتماشى مع سير الحدث.
أما في ما يخص الرسوم المدفوعة لهذه الخدمة، أشار مسؤول الشركة إلى أنها تُحسب بناءً على عدد أيام الفعالية وساعات حضور الجمهور. فعلى سبيل المثال، إذا استمرت الفعالية لمدة يومين، وكان العميل بحاجة إلى الجمهور لمدة أربع ساعات يومياً، فإن التكلفة تصل إلى 250 ريالاً سعودياً (ما يعادل 67 دولاراً أميركياً) للفرد الواحد.
توظيف الجماهير للفت الانتباه والتسويق
لا يقتصر استئجار الجماهير على الفعاليات الكبرى فقط، بل يمكن أن يكون وسيلة للترويج والتسويق أمام المقاهي والمطاعم، حيث يُستخدم الحضور المدفوع لجذب الانتباه وزيادة الإقبال على المكان.
تتطلب بعض الفعاليات مواصفات محددة للمظهر الخارجي للحضور. فعلى سبيل المثال، في الأمسيات الشعرية، يُطلب ارتداء الزي السعودي الرسمي، بينما في المعارض التي تستضيف شخصيات مشهورة، قد يفضّل بعض العملاء أن ترتدي النساء الحاضرات النقاب لتسليط الضوء على المشاهير الحاضرين.
بحسب أحد مسؤولي شركات تنظيم الفعاليات، هناك خيارات واسعة يحددها العميل، إذ يمكنه اختيار طبيعة اللباس، سواء كان رسمياً أو غير رسمي (كاجوال)، بل وحتى تحديد ملامح الجمهور المطلوبة. كما يمكنه تحديد جنس الحضور، سواء رجالاً أو نساء، والفئات العمرية المناسبة. إضافة إلى ذلك، يمكن للعميل طلب حضور جمهور من جنسيات معينة وفقاً لحاجات الحدث.
تجربة أحد الحاضرين المدفوع لهم
في حديث مع “اندبندنت عربية”، قال سالم محمد، أحد المشاركين في الجماهير المدفوعة بإحدى الفعاليات، إن الشركة المنظمة تدربهم مسبقاً وإجراء “بروفة” قبل الحدث، لضمان الالتزام بالتوجيهات المطلوبة. وأضاف: “تُوَفَّر المواصلات عبر حافلات تنقلنا من نقطة التقاء إلى موقع الفعالية، ثم تعيدنا بعد انتهائها. كما يتم توجيهنا حول من نهتف له ونصفق عند ظهوره”.
واختتم سالم حديثه قائلاً: “في نهاية اليوم، نحصل على وجبة عشاء ومبلغ مالي محترم”.
شركات عالمية
مع تزايد تأثير الحشود المنظمة في المشهدين السياسي والاجتماعي على مستوى العالم، لم يعد استخدامها مقتصراً على منطقة بعينها، بل أصبحت أداة فعالة تُوظَّف في مختلف المجالات. ومن بين الشركات التي تقدم هذه الخدمة، تبرز شركة Crowds on Demand الأميركية، المتخصصة في توفير حشود مدفوعة لدعم الحملات الدعائية، المظاهرات، والفعاليات العامة.
تُعد Envisage Promotional Staffing Agency واحدة من أبرز الشركات البريطانية المتخصصة في توفير الحشود المدفوعة لمختلف الفعاليات والأنشطة الترويجية، حيث تمتلك أكثر من 20 ألف ممثل ومؤدٍّ مسجل في جميع أنحاء المملكة المتحدة، مما يسمح لها بتقديم خدمات محلية من دون تكاليف إضافية غير متوقعة.
أما في منطقة الخليج، فعلى رغم وجود شركات متخصصة في تنظيم الحشود وتوفيرها، إلا أنها نادراً ما تعلن عن هذه الخدمات بشكل واضح في مواقعها الإلكترونية أو حساباتها الرسمية، نظراً لحرص العملاء على سرية الترتيبات والتفاصيل المتعلقة بهذه الفعاليات.
ويعكس هذا النموذج كيف تحولت الحشود المنظمة إلى وسيلة عالمية تُستخدم في السياسة والتسويق والتأثير المجتمعي، ما جعل هذا القطاع يشمل العديد من الدول والمنظمات الساعية إلى تعزيز حضورها والتأثير في الرأي العام.