حرية ـ (4/3/2025)
عبد الله بن بجاد العتيبي
الحوار العاصف الذي جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي أخرج إلى العلن بعض ما يدور في الغرف المغلقة من المفاوضات السياسية القاسية والعنيفة. لقد خسر زيلينسكي دون شكٍ وخسرت معه أوكرانيا، وانتصر ترمب لأنه رئيس قوي لأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ. لمثل هذا الحوار القاسي واللغة الخشنة سوابق في التاريخ الحديث، تكشف عن خطورة مثل هذه الحوارات وتأثيرها على شخصيات الرؤساء، ومن أشهر الأمثلة على هذا لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأميركي جي إف كينيدي مع الرئيس السوفييتي نكيتا خروتشوف في فيينا عام 1961.
قصة هذا الاجتماع نقلها غالب مَن كتب عن تلك الفترة، ومِن ذلك ما ذكره نايجل هاملتون، وهو كاتب سير وأكاديمي بريطاني ورئيس الجمعية الدولية لكتاب السِّيَّر، في كتابه «القياصرة الأميركيون»، حيث تحدث كينيدي عن هذا اللقاء العاصف حيث «اعترف في ما بعد لجايمس ريستون، وهو صحافي يعمل في صحيفة نيويورك تايمز، بأن المواجهة كانت (أصعب ما فعله في حياته)، وأشار وزير خارجية كينيدي، دين راسك، إلى أن الرئيس (كان حزيناً جداً، لم يكن مستعداً لوحشية عرض خروتشوف)».. وأضاف هاملتون: «وكتب رئيس الوزراء البريطاني ماك ميلان، الذي زاره كينيدي في لندن في طريق عودته إلى أميركا، في مذكراته، أن الرئيس كان ما يزال مصدوماً وأنه وصف القمة في فيينا (كمقابلة شخص عادي لنابليون للمرة الأولى في أوج سلطته)».
ويشرح هاملتون: «قال نائب الرئيس جونسون: لقد جمّد خروتشوف الدم في عروق رفيقي المسكين من الخوف». وبعض الكتب ذكرت تفاصيل أكثر عن هذه المواجهة التاريخية المحتدمة، توضح أن خروتشوف فعلاً أخاف كينيدي كثيراً. قصة أخرى عن المفاوضات القاسية التي تعقد خلف الأبواب المغلقة، وهي قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، على هامش قمة «جي 8» التي التأمت في موسكو عام 2007، وقد خرج ساركوزي ليتحدث مع الصحفيين وبدا وكأنه في حالة سكرٍ من تخبطه في الحديث.
والحقيقة أنه قبل مؤتمره الصحفي اجتمع ببوتين الذي عامله بخشونةٍ وحدةٍ جعلته يفقد توازنه، فعندما ندد ساركوزي بالحل العسكري الروسي في الشيشان، قاطعه بوتين قائلاً: «حسناً، هل انتهيت؟ اسمع سأشرح لك، إن بلدك هو هكذا، مشيراً بكلتا يديه حول حجم فرنسا الصغيرة، أما بلدي فهو هكذا، والآن لديك حلان: إما أن تتابع الحديث معي بهذه اللهجة وعندها سأقوم بسحقك، وإما أن تغير أسلوبك وسأجعلك بالمقابل ملكاً على أوروبا». ثمة اختلاف بين لقاء ترامب وزيلينسكي وهاتين السابقتين التاريخيتين، وهو أن هاتين الحادثتين وقعتا بعيداً عن كاميرات المصورين وتغطية الصحفيين، لكنهما نقلتا فيما بعد، بينما تقريع ترمب ونائبه لزيلينسكي مبثوث على الهواء مباشرةً وشاهده العالَم أجمع بعدما تمت ترجمته لغالب لغات العالم الذي يسعى لمعرفة ساكن البيت الأبيض الذي يقود أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ.
والحقيقة أن زيلينسكي لم يحسن التصرف في ذلك اللقاء، وخسر شخصياً وخسرت معه بلاده أقوى داعم لها في حربها القائمة مع روسيا، ولن تستطيع أوروبا التقدم وأخذ مكان أميركا هناك، على الرغم من كل التصريحات المؤيدة لزيلينسكي، فلغة القوة الخشنة لا يمكن الاستهانة بمفرداتها وبخاصة في زمن الحروب. وأوروبا نفسها لا تستطيع حماية نفسها أمام روسيا عسكرياً دون حلف «الناتو» الذي تمثل أميركا قائده والعنصر الفاعل فيه، وهو حلف يرى ترمب أنه يجب إعادة ترتيبه من جديد. وأخيراً، فهذا الحوار الساخن أوضح للعالم كم أن المفاوضات السياسية قاسية وخشنة.