حرية ـ (4/3/2025)
عبد الله بشارة
من الطبيعي أن نتلمس ارتفاع الهمة الجماعية مع تواجد رئاسة المجلس ولمدة عام لدولة الكويت، فالمجلس الذي نعيش في حيويته الآن ولد من فكر كويتي مستقبلي ومن رعاية خاصة وفرتها الكويت صدرت من المرحوم الشيخ جابر الاحمد الصباح الذي اخرج مقترح قيام المجلس من فكرة الذي عايش واقع الإقليم ولمس ملامح التوجهات المغامرة لبعض الانظمة العربية في الجزء الآسيوي من العالم العربي وخطورتها على الاستقرار وانعكاساته على أمن الأسرة العالمية، مؤمناً بضرورات حشد الطاقة الخليجية، لتأمين الحفاظ على أمن المنطقة وهدوئها وإبراز الهمة الخليجية في إطار تجمعي يضم جميع دوله، كان ذلك في اخر عام 1979، ومع التجاوب الايجابي كان الانطلاق في 25 مايو 1981، وتأتي بعدها القمة الثانية في الرياض في نوفمبر 1981 مع التوقيع على قرار بدء تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية طريقاً للوصول الى سوق خليجي واحد.
وتنطلق المسيرة، وتتصاعد الرغبة العربية والعالمية للتعرف على هوية مجلس التعاون وطموحاته وعلى المسار الذي سيسلكه لتحقيق هذا الطموح.
كان نصيبي كأمين عام أن أنقل جوهر الرسالة العفيفة التي يريد المجلس الوصول الى محتواها في تأكيد أمن الخليج وسلامة تربته ورماله. كان استقبال رسالة مجلس التعاون التي حملتها الى الجامعة العربية عندما كان أمينها العام المرحوم عصمت عبدالمجيد، زميلي في الأمم المتحدة وصديقي في المجموعة العربية يتسم بالرزانة ويلتزم العقل، وكان لقائى مع الرئيس حسني مبارك ايجابياً رسم الممر للترحيب العربي.
كما توجهت الى أوروبا شارحاً رسالة المجلس ومأموريته المستقبلية، كانت فرنسا أكثر الحريصين على التعرف على هذا الصرح ومحتوياته ومنها الى هولندا والدول الإسكندنافية، وبريطانيا، والمانيا، كنت أقابل الصحافة التى تريد التعرف على هوية المجلس وكنت أفاجأ بحضور إيرانيين مقيمين في هذه الدول تشدهم المشاركة في الاسئلة لاسيما عن موقف المجلس من الحرب العراقية – إلايرانية. كان الترحيب الأوروبي ايجابياً ومتميزاً بالاطمئنان بأن الاستقرار في الخليج مضمون وأن المجلس يوفر الطوق الذي يصد المخاطر ويصون سلامة الخليج. كان الترحيب الأوروبي قوياً حاملاً مشاعر الشراكة في تأمين سلامة الخليج كمنطقة وكدول، هذا الشعور كان أيضاً قوياً وايجابياً كما لمسته عندما زرت واشنطن شارحاً رسالة المجلس، كما عبر عن موقف الاتحاد السوفيتي وزير خارجية السيد جروميكو عندما زار الشيخ صباح الاحمد موسكو وكنت معه في ابريل 1981 قبل قيام المجلس بشهر وأكد الوزير السوفيتي جروميكو دعم الاتحاد السوفيتي للمجلس القادم بعد اليقين بأن دبلوماسية المجلس تتميز بالانفتاح والصداقة مع الجميع. كانت احتمالات المخاطر في السنوات الأولى من عهد المجلس قد تأتي من الحرب العراقية – الايرانية التي كان المجلس يعمل على وضع حد لها بتواصله مع العراق لضمان قدرته على تطويق هجمات إيران، ولذلك اتبع المجلس نهجاً مفتوحاً مع القيادة العراقية يتمثل في زيارة وزير خارجية الدولة التي ترأس القمة مدينة بغداد لتأكيد دعم مجلس التعاون لموقف العراق وتأمين قدرته على صد التدخلات الايرانية، ولم يكن الرئيس العراقي صدام حسين سعيداً جداً بهذا النهج الذي اتبعه المجلس وكان يرى فيه حيادية لا تكفي لطمأنة العراق حول دعم المجلس، حيث كان يطمع في موقف صلب في مساندة العراق. كان العراق يعتمد كثيراً على مشاركة الكويت والمملكة العربية السعودية ورغم سخاء الدعم من الرياض والكويت ظل صدام حسين مشككاً ومتآمراً ومنتظراً مدخلاً ليحقق عبر هذا المدخل شيئاً من طموحاته.
ومن خلال الاجتماعات والتواصل مع الدول الاعضاء أدركت بأن هناك موضوعين يثيران حساسية دول المجلس وهما احترام السيادة، وحل مشاكل الحدود، الاول يتطلب الحذر الدائم والابتعاد الواعي عن حساسيتها، والثاني معلقات مؤذية ومزعجة لتحقيق السلاسة في التواصل بين الدول الاعضاء، ورغم ان الاطار المناسب لحل مشاكل الحدود هو الحوار المباشر بين الطرفين ورغم توافق الدول على الحوار فقد ظلت الحدود كعظم مزعج في مسار العلاقات بين الاطراف كما أثر ذلك الى حد ما في العمل الجماعي. وضعت جغرافية المجلس المملكة العربية السعودية، دولة جوار وحدود مشتركة مع جميع الدول الاعضاء، فلها حدود مشتركة مع الكويت وقطر والبحرين والامارات وسلطنة عمان، فلهذا فان المدخل المؤثر يتوافر في حوارات حدودية ثنائية مع الرياض ويمكن أن تلعب بيئة الشراكة المصيرية دوراً مهماً في ايجاد حلول ومخارج لتعقيدات الحدود، وهذا ما حصل بعد توافر المناخ الملائم للتواصل الى حل مناسب لها. تتميز اجتماعات القادة بالاستناد على النهج التاريخي المتبع في العلاقات الخليجية وأبرز ملامحه الاعتماد على منطق العقل واحترام الحقوق وتقدير أحكام السيادة والامتثال للقانون والابتعاد عن التضييق وصون الأمن الجماعي. وبهذه الروح تم اغلاق ملف الحدود وتبقى مواصفات الدبلوماسية الخليجية التي تتأثر باملاءات مواقع الدول وجغرافيتها، فان الدبلوماسية الخليجية بشكل عام تسير في نهج متشابه لا يمكن توحيده لان الجوار الجغرافي له دور في دبلوماسية الدولة، فعلاقات السلطنة مع اليمن تختلف عن علاقات اليمن مع الكويت، وعلاقات الكويت مع إيران غير علاقات إيران مع السلطنة والكويت مع العراق في علاقات تختلف عن علاقات الامارات مع العراق، والمجلس مدرك لهذه الحقيقة ويحترم الالتزام بها. ورغم هذه الايجابيات في مسيرة مجلس التعاون لاسيما في المكانة المميزة التي يتمتع بها في تقدير الأسرة العالمية تأثر المجلس سلبياً في مسيرته بسبب التباين في الاجتهادات التي تقدمها الدول الاعضاء لمعالجة بعض القضايا ليس حول الحدود فقط وانما تشمل بعض جوانب الاتفاقية الاقتصادية لاسيما حول العملة والضرائب. كان الشيخ جابر الاحمد أمير الكويت مهتماً كثيراً في طرح مقترح يعبر عن مساهمة شعبية تترجم الدور والمكانة الشعبية في مسيرة المجلس، ولم يتأخر في وضع التصور في ملف قدمه للقادة خلال انعقاد القمة في الكويت، وكان حريصاً على حصر الاطلاع على محتوى الملف المقترح باصحاب الجلالة والسمو فقط، كان جوهر الملف تواجد صيغة تعبر عن الرأي العام الخليجي ومقبولة من جميع الدول، وأن تقدم الدول مرئياتها حول المقترح لأجل المناقشة في قمة قادمة. وجاءت الحصيلة التي وافق عليها القادة بعد سنوات من المشاورات وتمثلت في هيئة استشارية من ثلاثين عضواً كل دول تختار خمسة من مواطنيها من أهل الخبرة. والحقيقة أن الدول الاعضاء درست المشروع بتأمل لكى تتعرف علي الاختصاص والصلاحيات وأهمها أن تبقى استشارية لا تشرع وانما تقدم دراسات تأتي من طرح أفكار يتداولها اعضاء الهيئة ويتولد منها مقترحات تقدم الى المجلس الوزاري لكى يرفعها الى القادة. وبعد مرور سنوات وخلال قمة الكويت وبعد تقاعدي من مجلس التعاون وعودتي الى الكويت وجدت نفسي أول رئيس للهيئة الاستشارية، حيث صادق القادة على انطلاقها في قمة الكويت بعد التحرير في ديسمبر 1991. كان المرحوم الشيخ سالم صباح السالم وزير خارجية الكويت. التقيت معه في المؤتمر الصحافي بعد القمة مباشرة، وكانت الأسئلة عن هذا المشروع الجديد الذي يضيف الى المجلس بعداً يعبر عن تواجد شعبي داخل مسيرة المجلس. منذ ذلك التاريخ والهيئة تجتمع في مقرها في مسقط واحيانا في الدولة التي تستضيف القمة. وبعد هذه السنوات لابد من النظر في تقييم تجربتها وتثمين حصيلتها ولم تتجاهل دولة الكويت هذه الضرورة، حيث استضافت اجتماعات الهيئة التي عقدت في يوم 29 من شهر يناير الماضي وتوج اللقاء بحضور سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد الذي عبر عن أهمية دور الهيئة في تعميق الترابط بين أبناء الخليج وتمكين المسيرة للوصول الى أهدافها، الأمر الذي رفع من حيوية الهيئة وتأمين وهجها لدى الدول الاعضاء وتعميق حيويتها باتساع اعطائها حرية اختيار القضايا التي تراها مناسبة لدراستها والمهم الاستفادة من الخبرات والطاقات التي تتواجد فيها، والحقيقة أن لقاء الهيئة في الكويت في يناير الماضي جدد الوهج من خلال اللقاء الجامع مع سمو ولي العهد ومداخلته الواضحة والمملوءة بالثقة وتأكيد رعاية الدول الاعضاء للمأمورية التي تسعى الهيئة لتحقيقها وخلاصتها التعبير عن الوجدان الذي يحمله أبناء الخليج مستقبلهم ودولهم.