حرية ـ (6/3/2025)
اختار ما يقارب من 70 ألف متقاعد فرنسي الإقامة الدائمة في مدن وقرى المغرب في محاولة للابتعاد عن أجواء أوروبا الباردة، فاعتدال المناخ والشمس الدافئة والقرب الجغرافي وانخفاض كلفة المعيشة، كلها عوامل جاذبة إلى جانب الروابط الإنسانية مع المغاربة.
وإضافة إلى 70 ألف متقاعد فرنسي استقروا بصورة دائمة في المغرب، يفضل آلاف آخرون من المتقاعدين الفرنسيين هذه الوجهة، لينعموا بدفء شمس المملكة، غير أنهم يعودون بعد تحسن الطقس مع إطلالة فصل الربيع إلى بلدهم الأصلي.
وتفيد تقارير إعلامية فرنسية بأن آلاف المتقاعدين الفرنسيين اختاروا الاستقرار في الحواضر الكبرى مثل أغادير ومراكش والدار البيضاء والرباط وطنجة، غير أن آخرين فضلوا العيش في المناطق القروية بحثاً عن حياة هادئة أكثر.
طيور مهاجرة
وفي رحلة العبور، قطع زوجان فرنسيان مسافة تتجاوز 2800 كيلومتر على متن “قاطرة تخييم” قضوا خلالها أكثر من 30 ساعة، انطلاقاً من مدينة بريست الفرنسية في اتجاه مدينة أغادير جنوب المملكة، وفق الزوجة نيكول في حديث لإحدى القنوات الفرنسية.
بالنسبة للزوج ميشيل فقال إن “الشمس ودرجات الحرارة المعتدلة سببان رئيسيان في اختيارهما المغرب”، لكن هناك أيضاً عاملاً آخر هو كلفة المعيشة المنخفضة.

آلاف المتقاعدين الفرنسيين فضلوا العيش في المناطق القروية بحثاً عن حياة هادئة
الزوج ميشيل كان موظفاً في شركة السكك الحديدية الفرنسية، بينما كانت نيكول تعمل في مطعم مدرسي وفي المغرب، والمعاش التقاعدي قد لا يتيح لهما التمتع بالإجازة كما هي الحال في المغرب، حيث بإمكانهما ارتياد المنتجعات والمطاعم بصورة متكررة وبكلفة أقل.
وبحسب القناة الفرنسية أنه أسوة بهذين الزوجين يقضي 30 ألف متقاعد فرنسي فصل الشتاء في المغرب، من بينهم تيريز- ماري وجيل، اللذان اختارا الاستقرار في المغرب ليستمتعا أيضاً بكلفة معيشة منخفضة.
يحصل المتقاعدان الفرنسيان على معاش تقاعدي قدره 2000 يورو شهرياً، ما يتيح لهما الاستمتاع بأشياء صغيرة في حياة التقاعد لا يستطيعان تحمل تكلفتها المالية في فرنسا.
يقيم الزوجان معاً في منطقة سياحية بالمغرب يشرف عليها متقاعد فرنسي أيضاً اسمه باتريس، الذي تحدث للقناة ذاتها قائلاً “نحن بالفعل أمام هجرة موسمية، حيث ينتقل المتقاعدون الفرنسيون أو الأوروبيون من الشتاء البارد إلى دفء المغرب”.
ووفق تقارير فرنسية متطابقة، أصبح المغرب خلال بضعة أعوام ثالث وجهة مفضلة للمتقاعدين الفرنسيين حول العالم، بعد إسبانيا والبرتغال. وفي مدينة أغادير السياحية وحدها يقضي 4 آلاف متقاعد فرنسي ما تبقى من حياتهم في أجواء من الراحة والهدوء.
وتنص الاتفاقيات بين المغرب وفرنسا على أن المتقاعدين الفرنسيين لا يحتاجون الحصول على تأشيرة للإقامة في البلاد لمدة لا تتجاوز 3 أشهر، أما بالنسبة لمن يرغبون في البقاء لفترة أطول، يقدمون طلباً للحصول على بطاقة تسجيل لدى الإدارة المغربية، والتي تمنحهم تصريح إقامة لمدة عام قابل للتجديد، وعند إثبات إقامة المتقاعد في المغرب لمدة لا تقل عن 3 أعوام، يمكنه التقدم بطلب للحصول على بطاقة إقامة صالحة لمدة 10 أعوام.
الطبيعة والبشر
وتختلف دوافع المتقاعدين الفرنسيين الذين اختاروا وجهة المغرب، سواء للاستقرار النهائي فيها، أو لقضاء أشهر فصلي الخريف والشتاء، هرباً من ضراوة البرد القارس في بلدهم، واغتنام الجو المعتدل في المملكة.
يقول في هذا الصدد المرشد السياحي المحلي بمدينة أغادير، حسين سجيد، إن آلاف المتقاعدين يتوافدون إلى هذه المدينة من أجل الاستقرار في أحيائها الجميلة، أو في ضواحيها ومنتجعاتها خصوصاً بالنسبة للمتقاعدين ذوي الرواتب المرتفعة.

الكلفة المعيشية منخفضة في المغرب مقارنة مع فرنسا
وتابع المتحدث ذاته بأن هناك أيضاً صنفاً آخر من المتقاعدين الفرنسيين، ومن جنسيات أوروبية أخرى، يختارون الاستقرار المؤقت في أغادير لمدة بضعة أشهر، إما في “كارافانات” متنقلة، أو في فنادق سياحية، ثم يعودون أدراجهم إلى بلدهم، وأحياناً يقررون بعد ذلك العودة إلى المغرب والإقامة النهائية فيه.
ووفق المرشد السياحي عينه، فإن أبرز دوافع اختيار المتقاعدين الفرنسيين وجهة المغرب للاستقرار في حواضره كما في بواديه، هو الطبيعة المميزة التي يزخر بها، وأيضاً معاملة المغاربة من خلال إكرام الضيوف والسياح.
وأكمل المتحدث ذاته شارحاً أنه إضافة إلى الكلفة المعيشية المنخفضة في المغرب مقارنة مع فرنسا، التي تعد عاملاً حاسماً في الاختيار، تلعب اللغة الفرنسية دوراً بارزاً أيضاً في هذا الاختيار، بالنظر إلى معرفة وتحدث قطاعات عريضة من المغاربة بهذه اللغة بحكم عوامل تاريخية تتعلق بالاستعمار الفرنسي للمملكة، الشيء الذي ييسر إقامة هؤلاء المتقاعدين في حياتهم اليومية الجديدة.
مزايا ضريبية وقرب جغرافي
وفي ريبورتاج عرضته القناة الفرنسية تحدث المتقاعدان ناتالي (62 سنة) وإيف (64 سنة) عن اختيارهما مدينة أغادير المغربية، وقالا إن الامتيازات الضريبة سبب رئيس في اتخاذ هذا القرار.
ويستفيد المتقاعدون الفرنسيون المقيمون في المغرب من إعفاء ضريبي، بمجرد ما يفتحون حساباً مصرفياً محلياً، وهو دافع حاسم أيضاً في اختيار المتقاعدين للوجهة المغربية للاستقرار النهائي أو المؤقت.
وترى الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير في هذا السياق أن المتقاعد الفرنسي الذي يفد إلى المغرب يأتي بصفته سائحاً، غير أنه بمجرد قضائه فترة من الزمن في إحدى مدن أو بوادي المملكة، يندمج وسط النسيج المجتمعي، وينصهر فيه بيسر، بالنظر إلى الطبيعة السجية للمواطن المغربي.
وتابعت الباحثة أن العامل المادي حاضر بصورة كبيرة في قرارات استقرار المتقاعدين الفرنسيين في المغرب، من قبيل التكلفة المعيشية ورخص الأسعار وتكاليف النقل والأكل والمطاعم مقارنة مع فرنسا، علاوة على التسهيلات الضريبية الممنوحة من قبل الحكومة المغربية لهذه الفئة تشجيعاً للسياحة، ناهيك عن ارتفاع عملة اليورو أمام الدرهم المغربي، ما يعضد الوضعية المالية لهؤلاء المتقاعدين عند صرف معاشاتهم بالعملة المحلية.
ولفتت الباحثة إلى أن القرب الجغرافي يلعب دوراً مؤثراً أيضاً في اختيار الوجهة المغربية، ذلك أن رحلة الطائرة من فرنسا إلى المغرب لا تتجاوز ساعات قليلة، زيادة على ترسخ العلاقات التاريخية والاجتماعية التي تربط بين المغاربة والفرنسيين على مدى العقود الماضية.
تقرير:حسن الأشرف