حرية ـ (13/3/2025)
قال مصدران مطلعان لوكالة “رويترز” إن روسيا قدمت للولايات المتحدة قائمة مطالب للموافقة على اتفاق ينهي حربها على أوكرانيا، ويعيد ضبط العلاقات مع واشنطن.
ولم تتضح بعد مطالب روسيا على وجه الدقة، أو ما إذا كانت مستعدة للدخول في محادثات سلام مع كييف قبل قبولها.
وأضاف المصدران أن مسؤولين روساً وأميركيين ناقشوا الشروط خلال محادثات حضورية وافتراضية على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، ووصفا شروط الكرملين بأنها “فضفاضة ومشابهة” لشروط سبق أن قدمها لأوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وشملت الشروط السابقة عدم انضمام كييف إلى الناتو، وإبرام اتفاق بعدم نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، واعترافاً دولياً بتبعية شبه جزيرة القرم وأربع مقاطعات لروسيا.
كما طالبت روسيا الولايات المتحدة وحلف “الناتو” خلال السنوات الأخيرة بمعالجة ما وصفتها “بالأسباب الجذرية” للحرب، بما في ذلك توسع الحلف شرقاً.
وينتظر الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراراً من بوتين بشأن موافقته على هدنة مدتها 30 يوماً، والتي أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، أنه سيقبلها كخطوة أولى نحو محادثات السلام.
وقال ترمب إن مسؤولين أميركيين سيتوجهون إلى روسيا، الأربعاء، لمناقشة اتفاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بشأن وقف مؤقت للقتال لمدة 30 يوماً ومسار لمحادثات السلام.
موافقة محتملة بشروط
وقال الكرملين، الأربعاء، إنه ينتظر تفاصيل من واشنطن بشأن اقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا، في حين قالت مصادر رفيعة المستوى في موسكو إن أي اتفاق يتعين أن يأخذ في الاعتبار التقدم الذي أحرزته روسيا ويعالج مخاوفها.
ورجحت “بلومبرغ” في تقرير، الأربعاء، أن يوافق الرئيس الروسي على شروط هدنة نهائية مع أوكرانيا، لكنه يرغب في استيفاء شروطه الخاصة مُسبقاً، ما قد يُطيل أمد المفاوضات.
ونقلت “بلومبرغ” عن شخص، وصفته بأنه مقرب من الكرملين، قوله إن “الرئيس الروسي يريد أن يضمن مراعاة شروطه قبل الموافقة على هدنة”.
ولتحقيق ذلك، سيحاول الرئيس الروسي “تمديد الجدول الزمني للموافقة على أي وقف للقتال في أوكرانيا”، بحسب أشخاص آخرين مُطلعين على الوضع.
ولم يناقش المسؤولون الروس مع نظرائهم الأميركيين الاتفاق المحدد الذي وافق عليه وفد أوكراني في مدينة جدة السعودية، الثلاثاء، وقال أحد الأشخاص إن الكرملين يعتبر أن “هذا الإطار غير مقبول”.
وأضاف أحد المقربين من الرئاسة الروسية أن الكرملين ربما يطلب أيضاً وقف إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا كشرط لوقف إطلاق النار.
قلق أميركي وأوروبي
ويخشى بعض المسؤولين والمشرعين والخبراء الأميركيين من أن يستغل بوتين الهدنة لتكثيف ما يصفونه بمحاولة “لتقسيم” الولايات المتحدة وأوكرانيا وأوروبا وتقويض أي محادثات.
ولم ترد السفارة الروسية في واشنطن، والبيت الأبيض على طلب “رويترز” الحصول على تعليقات على الفور.
وفي موسكو، اتهم مساعد الرئيس الروسي نيكولاي باتروشيف بريطانيا بـ”عرقلة” تطبيع العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، وكذلك المفاوضات بشأن أوكرانيا. وقال باتروشيف في مقابلة مع مجلة “ناتسيونالنايا أوبورونا”: “أعتقد أن لندن هي من دبرت التصعيد الحالي للوضع”، وفق ما أوردت وكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء.
فيما أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالاجتماع الذي عُقد هذا الأسبوع في المملكة السعودية بين مسؤولين أميركيين وأوكرانيين ووصفه بأنه بنّاء، وقال إن هدنة محتملة لمدة 30 يوماً مع روسيا يمكن استخدامها لصياغة اتفاق سلام أوسع.
وطرحت موسكو العديد من هذه المطالب نفسها خلال العقدين الماضيين، وشق بعضها طريقه إلى مفاوضات رسمية مع الولايات المتحدة وأوروبا.
ومؤخراً، ناقشت موسكو هذه المطالب مع إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في سلسلة من الاجتماعات في أواخر عام 2021، وأوائل عام 2022، بينما كانت تتمركز عشرات الآلاف من القوات الروسية على حدود أوكرانيا، في انتظار الأمر بالغزو.
وتضمنت هذه المطالب تقييد العمليات العسكرية للولايات المتحدة وحلف الناتو من أوروبا الشرقية إلى آسيا الوسطى.
ومع رفض إدارة بايدن بعض الشروط، سعت إلى استباق الغزو من خلال التعاون مع روسيا بشأن العديد منها، وفقاً لوثائق حكومية أميركية اطلعت عليها “رويترز”، وعدد من المسؤولين الأميركيين السابقين، لكن هذه الجهود فشلت، وشنت روسيا هجوماً في 24 فبراير 2022.
اتفاق إسطنبول
وصرح مسؤولون أميركيون وروس خلال الأسابيع الأخيرة بأن مسودة اتفاق ناقشتها واشنطن وكييف وموسكو في إسطنبول عام 2022، ربما تكون نقطة انطلاق لمحادثات سلام، إلا أن الاتفاق لم يُبرم قط.
وفي تلك المحادثات، طالبت روسيا أوكرانيا بالتخلي عن طموحاتها بالانضمام إلى الناتو، وقبول وضع دائم خالٍ من الأسلحة النووية. كما طالبت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي إجراءات تتخذها الدول التي ترغب في مساعدة أوكرانيا في حالة الحرب.
ولم توضح إدارة ترمب كيف تتعامل مع مفاوضاتها مع موسكو. ويجري الجانبان اثنين من المحادثات المنفصلة؛ إحداهما تتعلق بإعادة ضبط العلاقات الأميركية الروسية، والأخرى بشأن اتفاقية سلام في أوكرانيا. وتبدو الإدارة الأميركية منقسمة بشأن كيفية المضي قدماً.
ووصف المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي يُساعد في قيادة النقاش مع موسكو، في تصريحات لشبكة CNN في فبراير، محادثات إسطنبول بأنها “مفاوضات مُقنعة وجوهرية”، وقال إنها ربما تُشكل “مؤشراً للتوصل إلى اتفاق سلام”.
لكن المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا وروسيا، الجنرال المتقاعد كيث كيلوج، صرّح أمام مجلس العلاقات الخارجية، الأسبوع الماضي بأنه لا يرى في اتفاق إسطنبول نقطة انطلاق، قائلاً: “أعتقد أن علينا صياغة شيء جديد تماماً”.
مطالب قديمة
ويقول خبراء إن مطالب روسيا لا تهدف على الأرجح إلى صياغة اتفاق نهائي مع أوكرانيا فحسب، بل تهدف أيضاً إلى أن تكون أساساً لاتفاقيات مع داعميها الغربيين.
وقدمت روسيا مطالب مماثلة للولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، وهي مطالب من شأنها أن تحد من قدرة الغرب على بناء وجود عسكري أقوى في أوروبا، وربما تسمح لبوتين بتوسيع نفوذه في القارة.
وقالت الباحثة في معهد “بروكينجز” وكبيرة محللي الاستخبارات الأميريكية لشؤون روسيا وأوراسيا أنجيلا ستنت: “لا يوجد ما يشير إلى استعداد الروس لتقديم أي تنازلات.. لم تتغير المطالب إطلاقاً.. أعتقد أنهم غير مهتمين حقاً بالسلام، أو بوقف إطلاق نار حقيقي”.
وفي إطار جهودهم لإحباط ما خلص إليه مسؤولو الاستخبارات الأميركية بأنه غزو روسي وشيك، تواصل كبار مسؤولي إدارة بايدن مع نظرائهم الروس بشأن ثلاثة من مطالب الكرملين، وفق وثائق حكومية أميركية اطلعت عليها “رويترز”.
تمثلت هذه المطالب في حظر التدريبات العسكرية للقوات الأميركية وقوات الناتو على أراضي الدول الأعضاء الجديدة في الحلف، وحظر نشر الصواريخ الأميركية متوسطة المدى في أوروبا، أو أي مكان آخر في نطاق الأراضي الروسية، بحسب الوثائق.
وأظهرت الوثائق أن الروس سعوا أيضاً إلى منع التدريبات العسكرية للولايات المتحدة أو حلف الناتو من أوروبا الشرقية إلى القوقاز وآسيا الوسطى.
وقالت كوري شاك، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) والمشرفة على دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في “معهد أميركان إنتربرايز” لأبحاث السياسة العامة ومقره واشنطن: “هذه هي المطالب الروسية نفسها التي طُرحت منذ عام ١٩٤٥”، مضيفة أنه “مع نهج إدارة ترمب خلال الأسابيع الأخيرة، لا تقتصر مخاوف الأوروبيين على أننا سنتخلى عنهم، بل يخشون أيضاً انضمامنا إلى العدو”.