حرية ـ (16/3/2025)
سعاد فهد المعجل
كتب الزميل مظفر عبد الله مقالًا جميلًا احتوى فيه قضية تراثية عقائدية دائمة الحضور، قضية تجديد الخطاب الديني خاصة ما يُخاطَب به العامة، حيث ناشد الزميل مظفر المسؤولين وشيوخ الدين ضرورة كسر طوق الملل من البرامج الدينية التقليدية أسوة ببرنامج للشيخ علي جمعة على احدى الفضائيات، والذي يستضيف فيه فتيانًا من الجنسين في أحد المساجد مع إتاحة الفرصة لهم لطرح كل أشكال الأسئلة التي قد يعتبرها البعض محظورة.
بقيت مسألة تجديد الخطاب الديني مسألة منهج مقتصر على المتخصصين والعلماء من الذين يملكون القدرة البلاغية والنقدية والتاريخية لاستنباط أحكام شرعية وفق أدلة تقليدية وعقلية محددة، وبقيت المؤتمرات والمنتديات المتخصصة في هذا المجال شبه مغلقة عن العامة، ناهيك عن الشباب، وبقيت قضية تجديد الخطاب الديني عالقة بين أدباء وكتاب وفلاسفة ومفكرين، وبين جهات رسمية حكومية في الغالب. وظلت كقضية في إطار نشر قيم الاعتدال والتسامح ومواجهة الغلو والتطرف وإعادة التمسك بالثوابت الدينية وإصلاح شأن المسلم والعقيدة وغير ذلك من أمور تتكرر دائمًا في الصحافة والإعلام والحوارات العامة.
اليوم تدخل قضية تجديد الخطاب الديني محطة غير مسبوقة في ظل جيل الألفية، الذي أصبح يُشكّل ما يقارب الـ %70 من المجتمعات العربية، جيل من الشباب يحمل في قلبه وعقله أسئلة شائكة حول الهوية الدينية، وعلاقة الدين بالسياسة، ومعنى التديّن الحقيقي، وحدود التطرف الديني، ومغزى الأحداث في التاريخ الإسلامي، ودرجة ارتباط الدين بتقدم الوطن السياسي والاقتصادي، وحقيقة الهوية الإسلامية، ومصادر التراث والقصص، وغيرها من أسئلة لم تعد إجابات الشيوخ التقليديين والبرامج الدينية والتوعوية السائدة تُشبع وتُجيب عن تساؤلات هذا الجيل.
هنالك أسئلة غالبًا ما يسألها الأطفال وبشكل عفوي ونظري، بعضها تساؤلات يُحتّمها تكوين العقل البشري الذي خلقه الله بلا حدود، أسئلة تتعلّق بكينونة الإنسان ومعنى الجنة والنار، وغير ذلك من أسئلة وجودية لا بد وأن يواجهها العقل البشري في مرحلة ما.
جيل اليوم، أو جيل الإنترنت والتكنولوجيا، اصبح محاصرًا بين رؤيتين في مسألة تجديد الخطاب الديني، رؤية تتمسك بالماضي وثوابته وروحه، ورؤية متأثرة بالحداثة وبكل ما أفرزته من واقع انعكس على كل شيء، بما في ذلك البُعد العقائدي، حتى أصبح الجدل اليوم بين شيوخ الدين متأرجحًا بين هاتين الرؤيتين، لكن المشكلة أن أيًا منهما لا يكفي لإشباع فضول جيل الألفية اليوم، والذي أصبح عازفًا عن كليهما، ولم يعد للوعظ والتوجيه الديني منهما مكانًا ولا صدى عند هذا الجيل.
تشتكي الأمة الإسلامية، بوعاظها وشيوخها ورجالاتها، من أن هنالك هجوماً مغرضًا وموجّهًا لشبابها، يهدف الى إبعادهم عن هويتهم ومعتقداتهم بحجة الذوبان في مفهوم العولمة والعالم القرية، خاصة في ظل الربط الجائر بين الإرهاب كسلوك متطرف، وبين الإسلام كعقيدة ودين، مثل هذا الربط الذي تضاعفت حدّته، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم لتزداد وتيرته مع ظهور داعش وغيرها من فصائل تم تفصيلها ورسمها لأهداف سياسية بحتة.
لكن، وبالرغم من كل هذه التحديات، فقد بقي الخطاب الديني متمسكًا بهيئته التقليدية، ولم تتوسّع مؤسساته لتحتوي مثل هذه التحديات والخطر الذي أصبح يواجه العقيدة والثقافة الإسلامية، وبقيت البرامج الدينية الموجّهة تجتر نفس القصص التراثية القديمة وتُعيد سرد أركان الإسلام وقواعده وطريقة الوضوء ومنقضاته، ومحاسن الصوم وثواب الحج وضرورة الزكاة، وكما لو أن الإسلام وأركانه قد نزل على المسلمين منذ أيام وليس منذ مئات السنين.
فشل الخطاب الديني إذًا في الإجابة عن أسئلة كثيرة يطرحها جيل الألفية اليوم، فشل لأنه لا يزال يرفض الخروج من قوقعة الوعظ المكرر والمفاهيم التقليدية، ويقتحم بشجاعة الحجة والمعرفة والعلم ما يطرحه شباب الألفية من اسئلة تجاوزت منقضات الوضوء ومبطلات الصوم.