حرية ـ (22/3/2025)
المصدر: النهار
في 20 آذار / مارس 2003، شنّت الولايات المتحدة غزوًا عسكريًا للعراق، مبررةً ذلك بوجود أسلحة دمار شامل وتهديد النظام العراقي للأمن الدولي. أدى هذا الغزو إلى الإطاحة بصدام حسين، لكنه تسبب في تغييرات جذرية في العراق والمنطقة. فقد أعاد تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط، وعمّق الصراعات الطائفية، وظهور جماعات إرهابية مثل “داعش”.
في الذكرى الـ22 للغزو، سألت “النهار” كتاباً وأكاديميين كيف غيّر غزو العراق وجه الشرق الأوسط؟
كتب عبدالله العلمي: غزو العراق… فشل التجربة الديموقراطية
بعد سنوات من سقوط نظام صدام حسين، فشلت (التجربة الديمقراطية)، ورزحت الدولة المنهارة تحت أزمات أمنية وسياسية وطائفية
مازالت أحداث العشرين من آذار/ مارس 2003 عالقة في أذهان الكثير من شعوب المنطقة. لم يكن يوماً عادياً، فقد بدأت واشنطن حرباً شعواء عند الساعة 5:35 فجراً، تحت اسم “عملية حرية العراق”. الهدف كان “حسم مصير النظام، والسيطرة على بغداد، بسبب وجود أسلحة دمار شامل نووية وكيميائية على الأراضي العراقية ولأن نظام صدام حسين يشكل تهديداً للأمن العالمي” كما قالت واشنطن.
توالت الأحداث، وتم نشر 150 ألف جندي أميركي و40 ألف جندي بريطاني في العراق لبدء عملية عسكرية شاملة غيرت وجه المنطقة. سقطت مدينة الناصرية، ثم مطار بغداد، وغرقت عدة قصور رئاسية ووزارات في فوضى عارمة، كما سقطت كركوك والموصل وتكريت، تلاها القبض على صدام الذي أُعدم شنقاً عام 2006. انسحبت القوات الأميركية من العراق، في كانون الأول/ ديسمبر 2011، بعد 8 سنوات و9 أشهر، وقتِل أكثر من 100 ألف مدني، و 4500 في صفوف القوات الأميركية.
الآن وبعد عدة سنوات من سقوط نظام صدام حسين، مازالت الشكوك تحيط بما يسمى (العراق الجديد). فشلت (التجربة الديمقراطية)، ورزحت الدولة المنهارة تحت أزمات أمنية وسياسية وطائفية نتيجة توغل ميليشيات تحظى بنفوذ سياسي واسع مثل “القاعدة” و”داعش”. كذلك تفشي الفساد، وأصبحت المنطقة أكثر اضطراباً، واحتل العراق المُقَسَّم المرتبة 157 من بين 180 دولة من أكثر الدول فساداً في العالم، تحكمه أنماط حزبية متناقضة.
وكتب وزير الإعلام الكويتي الأسبق سامي عبد اللطيف النصف في النهار:
ما حصل في العراق في ربيع 2003 قضية موجبة بالكامل، وربما نحن العرب أضعناها. ما حدث في تلك السنة، أي إسقاط زعيم بالقوة الخارجية ليس بلا سوابق وحصل مثله الكثير عبر التاريخ، من إسقاط هتلر على يد قوات الحلفاء، والطغمة العسكرية في اليابان، وموسيليني وحتى بنما نورييغا. ولكن قد يكون صدام هو الأسوأ لأسباب عدة، أولاها بقاؤه في الحكم مدة أطول من طغاة آخرين، ووصول عدوانه إلى القتل الجماعي لشعبه واستخدامه الاسلحة الكيميائية. كذلك غزا صدام الكويت وشن حرباً على ايران. وتدخل صدام أيضاً في أزمات عدة على الساحة العربية، بما فيها الحرب اللبنانية حيث كان يدعم منظمة التحرير الفلسطينية، كما اضطلع بأدوار في قتل قيادات فلسطينية.
غزو العراق… بغداد أفضل بكثير بلا صدام
كان صدام فاعلاً في التدمير لا في الداخل العراقي فحسب، وإنما أيضاً في الخارج.
في 20 آذار / مارس 2003، شنّت الولايات المتحدة غزوًا عسكريًا للعراق، مبررةً ذلك بوجود أسلحة دمار شامل وتهديد النظام العراقي للأمن الدولي.
أدى هذا الغزو إلى الإطاحة بصدام حسين، لكنه تسبب في تغييرات جذرية في العراق والمنطقة. فقد أعاد تشكيل الخريطة السياسية للشرق الأوسط، وعمّق الصراعات الطائفية، وظهور جماعات إرهابية مثل “داعش”.
في الذكرى الـ22 للغزو، سألت النهار وزير الإعلام الكويتي الأسبق سامي عبد اللطيف النصف كيف غيّر غزو العراق وجه المنطقة؟
ما حصل في العراق في ربيع 2003 قضية موجبة بالكامل، وربما نحن العرب أضعناها. ما حدث في تلك السنة، أي إسقاط زعيم بالقوة الخارجية ليس بلا سوابق وحصل مثله الكثير عبر التاريخ، من إسقاط هتلر على يد قوات الحلفاء، والطغمة العسكرية في اليابان، وموسيليني وحتى بنما نورييغا. ولكن قد يكون صدام هو الأسوأ لأسباب عدة، أولاها بقاؤه في الحكم مدة أطول من طغاة آخرين، ووصول عدوانه إلى القتل الجماعي لشعبه واستخدامه الاسلحة الكيميائية. كذلك غزا صدام الكويت وشن حرباً على ايران. وتدخل صدام أيضاً في أزمات عدة على الساحة العربية، بما فيها الحرب اللبنانية حيث كان يدعم منظمة التحرير الفلسطينية، كما اضطلع بأدوار في قتل قيادات فلسطينية.
كان صدام فاعلاً في التدمير لا في الداخل العراقي فحسب، وإنما أيضاً في الخارج.
من هذا المنطلق، قام المجتمع الدولي بالأمر الصحيح. عندما دخل العراق وأطاح به. ولكن ما حصل لاحقاً يتحمل مسؤولية جزء منه صدام وقواته وجيشه ورجال استخباراته الذين أشعلوا الحرب الأهلية وقاموا بالقتل الطائفي. ولا يمكن تصور أن “داعش” و”القاعدة” هزما وحدهما الجيش العراقي والجيش السوري. وبالتالي، يتحمل صدام مسؤولية الدمار الذي حصل قبل 2003 وبعده أيضاً.
زرت العراق أيام صدام حسين، وزرته مؤخراً فوجدت الفارق شاسعاً جداً خلافاً لما يروّج بالخارج من أن الاوضاع أسوأ مما كانت، والفساد حالياً هو جزئي مقارنة بأيام كانت الثروة بكاملها بين أيدي حزب البعث وعند عائلة صدام. ولو تسلم عدي وقصي الحكم لكان العراقيون ترحموا على صدام.
برأيي، لم يكن يجب تسمية التواجد الأميركي في العراق باحتلال، وكأنه مثل الاحتلال الفرنسي للجزائر أوالبريطاني لمصر. هذا تواجد عسكري مثله مثل الوجود العسكري في بريطانيا وكوريا واليابان ودول خليجية منها الكويت، ولم نشعر الا بدفئه. وكان يمكن العراق أن يستفيد من التواجد الأميركي بالحصول على الاموال وبخلق عملية “بناء أمة” بمساعدة الأميركيين على غرار ما حدث في اليابان والمانيا.
خيرالله خيرالله
غزو العراق: الحرب… اللغز!
لا يزال لغز الحرب الأميركيّة على العراق لغزاً على رغم مرور 22 عاماً على انطلاق الحملة العسكرية التي توجت بسقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد في التاسع من نيسان /أبريل 2003.
مع سقوط التمثال، سقط النظام العائلي – البعثي الذي أقامه الديكتاتور العراقي، وهو نظام غير مأسوف عليه، في ضوء ما تسبب به من كوارث في الداخل العراقي وعلى صعيد المنطقة.
المخيف في الأمر أن القرار الذي اتخذته إدارة جورج بوش الأبن أدى في واقع الحال إلى تغيير طبيعة التوازن الإقليمي بعدما سلمت الولايات المتحدة العراق على صحن من فضّة إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. تحولت إيران إلى المنتصر الوحيد في حرب خاضها الأميركيون مع بعض الحلفاء بهدف إقامة “نظام ديموقراطي” في العراق.
لا وجود، إلى اليوم، لجواب واضح يفسّر الأسباب التي جعلت الولايات المتحدة تخوض حرباً في العراق خدمة لإيران. كلّ ما في الأمر أن أميركا تدفع حالياً ثمن القرار الخاطئ الذي اتخذته إدارة بوش الإبن. لم تدرك تلك الإدارة معنى انتقال السلطة الفعلية في العراق إلى “الحرس الثوري” الإيراني؟
بقي لغز حرب 2003 لغزاً. ما لم يعد لغزاً ذلك التراجع الإيراني في الإقليم منذ اندلاع حرب غزّة في السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.
واضح أن تفاعلات الزلزال العراقي ما زالت مستمرّة. ما ليس واضحا هل تمحوها تفاعلات الزلزال الآخر الذي تسببت به حرب غزّة؟
وكتب المفكر والكاتب المصري د. وليد محمود عبد الناصر
شكل الغزو الأمبركي للعراق في 2003 بدء مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة وعلاقتها بالعالم الخارجي، وفي ذكراه الـ 22، يتعين أن نتفكر في بعض الاعتبارات التي أحاطت به والنتائج التي ترتبت عليه.
فالاعتبار الأول أن الغزو كان الحالة الأولى منذ نهاية الاستعمار التقليدي في المنطقة التي تقوم قوة دولية بغزو شامل لأراضي دولة عربية وتغيير الحكم بها واحتلالها حتى تم إعادة صياغة النظام السياسي فيها بما يتماشى مع الأسباب التي دفعت للغزو.
أما الاعتبار الثاني، فكان وجود بعض دول المنطقة، بما فيها دول عربية، مؤيدة للغزو، سواء صراحةً أو ضمنياً، وتبريرها ذلك الموقف باعتبار العراق قام مرتين بغزو دول مجاورة، أولاها إيران في 1980 ومني بالفشل، وثانيها الكويت في 1990، ونجح في احتلالها ولكنه انهزم عسكرياً وأجبر على الانسحاب، وعانى خسائر فادحة في الحالتين.
وتمثل الاعتبار الثالث في أن قطاعات واسعة من الشعب العراقي تصاعدت معاناتها من حكم صدام حسين، ولكنها كانت عاجزة عن الإطاحة به واحتاجت تدخلاً عسكرياً خارجياً لتحقيق ذلك.
وفيما يتعلق بنتائج الغزو على صعيد المنطقة، فأولها أن الغزو أفضى إلى تصاعد الصيغ والنزعات الطائفية في المنطقة، وهو تصاعد كان بزغ بقوة بعد الحرب الأهلية اللبنانية في 1975، ولكنه تراجع لفترة لبنانياً وإقليمياً عقب ذلك.
وثاني النتائج هو إعطاء دفعة جديدة لصعود حركات سياسية ترفع شعارات إسلامية وتتبنى الأفكار الأصولية أو السلفية أو الجهادية أو الجمع بين أكثر من مكون منها، كما رأينا في ظهور “داعش” في سوريا والعراق.
وثالث النتائج كان تعظيم دور التدخل العسكري الدولي المباشر في شؤون البلدان العربية، وهو ما تمثل خلال ما سمي بـ “الربيع العربي” في تدخل حلف الناتو في ليبيا الذي أدى لسقوط نظام القذافي، ثم تدخلات عسكرية مباشرة من أطراف دولية وإقليمية في سوريا استغرقت بعض الوقت وأدت لسقوط حكم بشار الأسد في 2024.

وكتب رشيد الخيّون: غزو العراق… كل ميليشيا أصبحت حكومة
كان المؤمل، حسب الخطاب الأميركي والبريطاني، أن تُبنى ديمقراطية، وأن العراق، المنطقة والعالم بلا صدام حسين ستكون أفضل؛ لكن المفاجأة أن ينتهي النظام الواحد، لتظهر أنظمة داخل العراق، فكل ميليشيا شيعية، دخلت مِن إيران إلى العراق، أو أسسها الإيرانيون، أصبحت حكومة، تقابلها الجماعات المسلحة السُّنية، وبالتدريج ظهر واضحاً أن كلاً منها سبب لوجود الأخرى.
كان فندق الهيلتون بلندن(12-14/ 12/ 2002)، وسط شارع العرب (أجور روود)- مقفلاً لثلاثة أيام لاجتماع المعارضة العراقيَّة، والسفير الأمريكي لاحقاً بالعراق زلماي خليل زادة يتنقل بين المجاميع، المتفقة على إسقاط نظام البعث، ومختلفة على التمثيل في اللجان؛ ومَن لم يكن تحت عاطفة بغض النّظام السابق، وما يريده مِن مناصب يسلمها له الأميركان، يحدد تماماً اتجاه البوصلة، فالطائفيّة معلنة على أشدها، توّجها ما قُدم بعنوان “إعلان الشيعة”؛ وبعد ثلاثة شهور (آذار/مارس 2003)، وجه الرئيس الأميركي إنذاراً لصدام حسين وولديه، لترك العراق خلال 48 ساعة، وحصل الزحف وسقط النظام في (2003/4/9)، كان ذهول العراقيين ليس لسرعة الانهيار، فهذا مفهوم، لكن لذوبان أركان النّظام، فلا وجود لأحد، وكأنهم غادروا جميعاً.
كان المؤمل، حسب الخطاب الأميركي والبريطاني، أن تُبنى ديمقراطية، وأن العراق، المنطقة والعالم بلا صدام حسين ستكون أفضل؛ لكن المفاجأة أن ينتهي النظام الواحد، لتظهر أنظمة داخل العراق، فكل ميليشيا شيعية، دخلت مِن إيران إلى العراق، أو أسسها الإيرانيون، أصبحت حكومة، تقابلها الجماعات المسلحة السُّنية، وبالتدريج ظهر واضحاً أن كلاً منها سبب لوجود الأخرى.
صارت المنطقة على كف عفريت، والعراق مصدر الفوضى والسلاح، اشتدت بوجودها قبضة حزب الله، وقد أخرجه الوضع العراقي، بالتمكن الإيراني، إلى سورية واليمن، ناهيك عن الداخل العراقيّ، فعلا صوت التطرف الديني، فصارت بقية الطوائف، التي لا حاميَ لها، غير استتباب الأمن مِن قبل نظام، هو مفقود بالأساس، بين الهجرة والقتل، وتهديد وجودها.
أخذ الأميركان يبررون فوضى سفك الدم بـ”الفوضى الخلاقة”، فما حصل هو ليس إسقاط النظام إنما إسقاط الدولة، بمؤسساتها كافة، ما حصل بالمنطقة كان أساسه ما قدمه الأميركان وسموه “الفوضى الخلاقة”؛ التي مكنت إيران مِن العراق، فصارت إيران بالمال العراقي الهائل تسد عوزها، وتقلل من آثار الحصار الذي فُرض عليها. لم يكن غزو العراق، وفق ما مر من تجربة لكل هذه السنوات، هدفه إسقاط النظام، إنما تغيير شامل بالمنطقة، أبعد حل القضية الفلسطينية، والتي هي الجذوة المشتعلة، ومكن التلاعب بها، لصالح الإسلام السياسيّ؛ أطلقوا الفوضى الخلاقة، ونحروا بلداً يسير على طريق التجزئة، ولم يذكر، الذين تنعموا بالفساد، شيئاً مما اتفقوا عليه بإشراف الأفغاني زلماي، في ردهات فندق الهلتون “أجور روود” أن يظهر إلى الوجود “