حرية ـ (23/3/2025)
هل بات العالم على موعد مع سباق موصول بشبكات الإنترنت في الفضاء الخارجي، وصدام مسلح بين الأقمار الاصطناعية التي تغذي الشركات العالمية على الأرض، وتيسر من حرية تدفق المعلومات في العقد الثالث من القرن الـ21؟
غالب الظن أنه كذلك، لا سيما بعد أن تغيرت قواعد السطوة، فبعد أن كانت الرؤية الاستراتيجية العسكرية حتى الحرب العالمية الثانية، موصولة بأن من يمتلك القدرة على تسيير أساطيله وهيمنته على البحار يمكنه أن يفرض نفوذه على بقية العالم، اليوم بات من يمد أطرافه وأطيافه على الفضاء الخارجي وعسكرته، هو من سيتمكن من إعلاء كلمته في صراع الشطرنج الإدراكي.
ويمكن للقارئ التساؤل: ما الذي يستدعي الحديث عن هذا الملف المثير في هذا التوقيت؟
الشاهد أن هناك أكثر من سبب، والبداية بلا شك من عند مشاريع الفتى المعجزة إيلون ماسك، السيد الماورائي في البيت الأبيض اليوم، ولا سيما مشروع “ستارلينك”، الذي لعب دوراً مهماً وربما حاسماً في الأزمة الروسية – الأوكرانية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مروراً بمشاريع الرئيس دونالد ترمب الجديدة، وبنوع مميز “ستارغيت” وصولاً إلى ما أعلنته الصين أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي. وهل الأمر استعلان بالفعل لزمن حروب غير تقليدية، حروب لا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية، لكن أكلافها ربما تضحى أكثر هولاً مما هو تقليدي اعتيادي، لا سيما في ضوء الطفرات التكنولوجية الصاعدة في أعلى عليين، وبما يجعل البشر عند نقطة زمنية قريبة رهينة لعالم الاتصالات الفائقة السرعة والنفوذ؟

هل بدأت شركات الإنترنت الفضائية الأميركية تخشى بالفعل من التهديد التنافسي الصيني؟
الصين وإنترنت الأقمار الاصطناعية
في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أطلقت الصين بنجاح أول مجموعة من الأقمار الاصطناعية ذات المدار الأرضي لكوكبة الإنترنت بواسطة صاروخ من مقاطعة هاينان. وكانت هذه المهمة رقم 552 لسلسلة صواريخ حاملة من طراز “لونغ مارش”، وتهدف الأقمار الاصطناعية إلى أن تكون جزءاً من مجموعة أقمار اصطناعية أكبر للإنترنت تهدف إلى تعزيز الاتصال بالإنترنت.
ما الذي تخطط له الصين في الفضاء؟
المعروف أن شركة “تشيانفان” للأقمار الاصطناعية الصينية، تخطط لبناء كوكبة من 14 ألف قمر صناعي، مع نحو 600 قمر اصطناعي في المدار بحلول نهاية عام 2025. وحصلت الشركة الصينية على تمويل يبلغ نحو مليار دولار العام الماضي، وتشير موافقة الحكومة الصينية على إنشاء مجموعتين من الأقمار الاصطناعية للاتصالات في مدارات منخفضة إلى قيمة استراتيجية عالية لمثل هذه الأنظمة. وينظر إلى هذه المجموعات العملاقة على أنها ممكنات للاقتصاد الرقمي في الصين، إذ توفر خدمات النطاق العريض في المناطق النائية والمحرومة كجزء من مشروع الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية لسياسة “البيئة التحتية الجديدة” التي أعلنتها الصين في عام 2020.
هنا يطفو سؤال: ما الذي يجعل الصينيين متعجلين على هذا النحو لبناء منظومتهم الإنترنتية عبر الصواريخ في الفضاء؟
باختصار تواجه الصين مهمة شاقة في جهودها لمواكبة خدمة الأقمار الاصطناعية التي تقدمها شركة “سبيس إكس” لإيلون ماسك، وبحسب “سبيس إكس” فإن مشروع “ستارلينك” التابع للشركة لديه بالفعل ما يقرب من 7 آلاف قمر اصطناعي عامل في المدار، ويخدم نحو 5 ملايين عميل في أكثر من 100 دولة.
هنا يبدو واضحاً أن الصين تستهدف نطاقاً مماثلاً، وتأمل في امتلاك نحو 38000 قمر اصطناعي عبر ثلاثة من مشاريع الإنترنت ذات المدار الأرضي المنخفض، والمعروفة باسم “تشيانفان” و”غو وانغ” و”هونغ هو 3 “. والثابت أنه بعيداً من كونها أداة للتأثير الجيوسياسي، فإن امتلاك مجموعة أقمار اصطناعية خاصة بالإنترنت أصبح ضرورة للأمن القومي بصورة متزايدة، بخاصة عندما تكون البنية التحتية للإنترنت الأرضية معطلة أثناء الحرب.
في هذا الصدد أشار ستيفن فيلدشتاين، وهو زميل بارز في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي إلى أنه “عندما يتعلق الأمر بالفارق الذي لعبته تكنولوجيا ستارلينك في ساحة المعركة في أوكرانيا، فإن إحدى القفزات الكبيرة التي شهدناها كانت ظهور حرب الطائرات من دون طيار وساحة المعركة المتصلة”. من هنا يتضح أن امتلاك أسلحة تعتمد على الأقمار الاصطناعية هو شيء ينظر إليه على أنه ميزة عسكرية حاسمة، ولهذا السبب يعتقد أن الصين ترى كل ذلك وتقول إن الاستثمار في هذا المجال أمر بالغ الأهمية لتحقيق أهداف أمنها القومي.
هل تطور المشهد الإنترنتي الصيني في الفضاء الشهر الماضي، بما يشير إلى سرعة الدخول في عصر المواجهات بين واشنطن وبكين بنوع خاص؟

تواجه الصين مهمة شاقة في جهودها لمواكبة خدمة الأقمار الاصطناعية التي تقدمها شركة “سبيس إكس” لإيلون ماسك
“سبيس سيل” ومواجهة “سبيس إكس”
من الواضح أن الصين تنظر اليوم إلى عمالقة تكنولوجيا الاتصالات الأميركية، بوصفهم أعداء لا منافسين فحسب، وترى أن قطبيتها القادمة ستعترضها الصحوة التكنولوجية الغربية ما لم تسارع، بدورها، في حجز مكان لها في الفضاء، وفي مواجهة ماسك و”ستارلينك” وجيف بيزوس وبقية جماعتهم.
في هذا السياق تبدو شركة “سبيس سيل” الصينية، التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها، وكأنها تتحول إلى منافس قوي ضد “ستارلينك”، لا سيما بعد أن وقعت أخيراً اتفاقاً لدخول السوق البرازيلية، وبعد فترة وجيزة بدأت عملياتها في كازاخستان كمؤشر على وتيرة التوسع السريعة التي تحرزها، كما تجري برازيليا محادثات مع مشروع “كوبير” التابع لبيزوس وشركة “تيليسات” الكندية، وهو ما يشير إلى تحول عالمي بعيداً من مزودي الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية الاحتكاريين.
وفي مواجهة “ستارلينك” التي أطلقت عدداً من الأقمار الاصطناعية المدارية المنخفضة أكثر من جميع منافسيها مجتمعين منذ عام 2020، تمضي الصين في طريق غزوات ضخمة للفضاء، تشمل استثمارات ضخمة من الحكومة الصينية في شبكات الأقمار الاصطناعية المنافسة والبحوث العسكرية حول مراقبة وتتبع مجموعات الأقمار الاصطناعية.
هل تمضي الصين نحو الفضاء وفي جعبتها حلفاء جدد يرفضون الخضوع لفكرة الأحادية الأميركية؟ وسيطرة ماسك وبيزوس على الفضاء الخارجي؟
المؤكد أن هناك بالفعل عدداً من الحكومات التي رحبت بمزودي خدمات إنترنتية بديلة، لا سيما إذا كانت الصين التي تغرد بعيداً من القطبية الأميركية المنفردة، بخاصة في المناطق التي تعطل فيها مشاريع “ستارلينك” التابع لماسك خلال النزاعات السياسية والتجارية.
في هذا السياق تخطط شركة “سبيس إكس” المملوكة للدولة في الصين والخاضعة لسيطرتها، لإنشاء نظام أقمار اصطناعية منخفضة المدار يضم 648 قمراً اصطناعياً هذا العام، مع 15 ألف قمر اصطناعي في المدار بحلول عام 2030. وتظهر المقارنة أن “ستارلينك”، التي يعمل بها نحو 7 آلاف قمر اصطناعي بنشاط تهدف إلى استهداف ما مجموعه 42 ألف قمر بحلول نهاية هذا العقد.
وتنطلق الصين بقوة واعدة من خلال مجموعة أقمار “تشيانفان” أو “ألف شراع “، كأول جهد دولي ذي مغزى تبذله الصين في مجال النطاق العريض عبر الأقمار الاصطناعية، وهناك ثلاثة أقمار أخرى قيد التطوير. وفي الوقت نفسه تسعى بكين إلى تنفيذ خطط لإطلاق أقمار اصطناعية عدة في مدار أرضي منخفض يبلغ مجموعها 43 ألف قمر صناعي في العقود المقبلة، كما تستثمر بكثافة في تكنولوجيا الصواريخ لتسهيل الإطلاق الفعال للأقمار الاصطناعية.
وبحسب تشايتانيا جيري الخبير في تكنولوجيا الفضاء الجوي في مؤسسة “أوبزرفر” للأبحاث الهندية، فإن “الهدف النهائي هو احتلال أكبر عدد ممكن من الفتحات المدارية. وفي نظر عدد من صناع السياسات الغربيين، فإن هذا من شأنه أن يكون أداة صينية لتوسيع نفوذها الرقمي، إذ يصبح توسيع إجراءات الرقابة على الإنترنت خارج الصين نقطة قلق رئيسة”. على أن هناك علامة استفهام تطرحها سياقات الأحداث العسكرية والسياسية في الأعوام الثلاثة الماضية “هل كان هناك حدث بعينه دفع الصين إلى تعزيز سباقها الإنترنتي نحو الفضاء؟”.
الصين تتعلم من حرب أوكرانيا
على رغم التحالف الروسي – الصيني الظاهر للعيان، إلا أن ما جرى من موسكو في مواجهتها كييف رسخ عند الصينيين توجهاً مثيراً للقلق حول من يملك اليد العليا في الفضاء الخارجي .
المؤكد هنا أنه مع زحف القوات الروسية عبر الحدود الأوكرانية في اللحظات الأولى من غزوها، كان هجوم آخر أقل وضوحاً بدأ بالفعل، وهو هجوم إلكتروني أدى إلى شلل الإنترنت المرتبط بشبكة اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية.
وتقول الحكومات الغربية إن الهجوم التكنولوجي الذي نفذته روسيا قبل ساعة من بدء هجومها البري في فبراير 2022، كان يهدف إلى تعطيل قيادة كييف وسيطرتها في اللحظات الأولى المحورية من الحرب.
وكان للهجوم الإلكتروني الذي ضرب أجهزة المودم المرتبطة بقمر اصطناعي للاتصالات آثار بعيدة المدى، إذ أدى إلى توقف توربينات الرياح في ألمانيا، وقطع الإنترنت عن عشرات الآلاف من الأشخاص والشركات في جميع أنحاء أوروبا. وفي أعقاب الهجوم، سارعت أوكرانيا إلى البحث عن طرق أخرى للاتصال بالإنترنت.

المعروف أن شركة “تشيانفان” للأقمار الاصطناعية الصينية تخطط لبناء كوكبة من 14 ألف قمر صناعي (رويترز)
بالنسبة إلى الحكومات ومحللي الأمن، أكد الهجوم الإلكتروني كيف يمكن للأقمار الاصطناعية التي تلعب دوراً متزايد الأهمية في مساعدة الجيوش في تحديد مواقع القوات وإدارة الاتصالات وإطلاق الأسلحة أو اكتشافها، أن تصبح هدفاً رئيساً أثناء الحرب. والآن مع ظهور التشويش على الإشارات وتزييفها، والليزر عالي الطاقة لتشويش أجهزة التصوير والصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية القادرة على التدخل في غيرها في المركبات في المدارات المختلفة، بات من اليسير نقل المعركة الإنترنتية من الفضاء إلى الأرض. على أنه من المهم الإشارة إلى أن الصين استوعبت أزمة الصراع الإنترنتي والصاروخي الفضائي بصورة عامة، وقبل وقت كبير من تجليات إيلون ماسك و”سبيس إكس”. كيف ذلك؟
في عام 2007، أعلنت الصين طموحاتها الفضائية عندما أطلقت صاروخاً على مسافة 500 ميل (نحو 804.672 كيلومتر) في الفضاء لإسقاط أحد أقمارها الاصطناعية القديمة المخصصة للطقس. كسرت هذه الخطوة هدوءاً دام عقوداً من الزمان بعد الحرب الباردة في مثل هذه التجارب الصاروخية المدمرة المضادة للأقمار الاصطناعية، وتبعتها عمليات مماثلة من جانب الولايات المتحدة والهند وروسيا. ومنذ ذلك الحين يعتقد المحللون أن الصين أجرى عدداً من الاختبارات الصاروخية غير المدمرة التي من شأنها تعزيز قدرتها على استهداف الأقمار الاصطناعية. ويعتقد كذلك أن الصين تعمل على “تطوير أجهزة التشويش لاستهداف مجموعة واسعة من اتصالات الأقمار الاصطناعية”، وأنها تمتلك “أنظمة ليزر متعددة قائمة على الأرض”.
ويقول الخبراء إن العمليات الصينية الأخرى في الفضاء يصعب تصنيفها على أنها أبحاث أسلحة، لكن قد يكون لها غرض عسكري، وتشمل هذه الأقمار الصناعية التي يمكنها الاقتراب أو الالتقاء بأخرى في المدار.
وهناك بالفعل إشارات من داخل الصين إلى الاستخدام المزدوج المحتمل لمثل هذه التكنولوجيا، ففي مقابلة مع وسائل الإعلام الرسمية عام 2021، وصف زانغ غيهوي، وهو مهندس في “جيش التحرير الشعبي”، تجارب الصين مع قمر صناعي “مجهز بذراع آلية قادرة على تغيير المدار وإجراء اكتشاف شامل للأقمار الاصطناعية الأخرى” كجزء من قدراتها المضادة للأقمار الاصطناعية.
بكين والاستعداد لحروب أميركا
هل تستعد بكين بالفعل لمواجهة مسلحة مع الولايات المتحدة الأميركية في الفضاء الخارجي بنوع خاص؟
المؤكد أن هناك بالفعل عدداً من الفخاخ المنصوبة في طريق البلدين، ليس أقلها بحر الصين الجنوبي، الذي تقول واشنطن إنه مياه إقليمية وليس بحيرة صينية.
عطفاً على ذلك، تبقى أزمة جزيرة تايوان قائمة وقادمة، بل وصل الأمر ببعض رجالات المؤسسة العسكرية الأميركية إلى تحديد عام 2027 كموعد لبدء هجوم الصين لحربها الخاطفة للاستيلاء على جزيرة تايوان، وربما تنتظر لاكتمال حاملات طائراتها التي تعمل بالطاقة النووية، أو تعزيز ترسانتها النووية.
عطفاً على ذلك، تبقى منطقة مياه المحيط الهادئ مجالاً مفتوحاً لمواجهات شبه محتومة، تنذر بحرب ما بعد إقليمية، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار نجاح الصفقة الروسية – الأميركية الماضية قدماً.
هنا التساؤل “هل تبني الصين بالفعل قدرات فضائية تمكنها من اختطاف الأقمار الاصطناعية المعادية، وفي مقدمها تلك التي تعمل على تسهيل حركة الإنترنت في الدوائر الأميركية والأوروبية بنوع خاص؟”.
في أبريل 2023، نشرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة باتت تمتلك بيانات ومعلومات سرية كشفت عن سعي بكين إلى السيطرة على الاتصالات في زمن الحرب. وتقول “فاينانشال تايمز” إن تقرير وكالة المخابرات المركزية كان واحداً من عشرات التقارير التي تزعم أن أحد أفراد الحرس الوطني الجوي الأميري البالغ من العمر 21 سنة شاركها في واحدة من أسوأ خروقات الاستخبارات خلال عقد من الزمن.
قدر التقرير أن خطة “منع أو استغلال أو اختطاف” الأقمار الاصطناعية للعدو تشكل جزءاً أساساً من هدف الصين للسيطرة على المعلومات، التي تعتبرها بكين مجالاً رئيساً للحزب. وأضاف التقرير أن الأسلحة السيبرانية الصينية من شأنها أن تجعل الأقمار الاصطناعية الغربية عديمة الفائدة في الاتصالات أو المراقبة أثناء زمن الحرب. إضافة إلى ذلك يخطط الصينيون للعمل عن طريق محاكاة الإشارات التي تتلقاها الأقمار الاصطناعية من مشغليها، وخداعها إما للسيطرة عليها بالكامل أو لتعطيلها خلال اللحظات الحاسمة في القتال.

تنطلق الصين بقوة واعدة من خلال مجموعة أقمار “تشيانفان” أو “ألف شراع” كأول جهد دولي ذي مغزى تبذله الصين في مجال النطاق العريض عبر الأقمار الاصطناعية
هذا التوجه قد يؤدي إلى تعطيل قدرة الأقمار الاصطناعية، التي تميل إلى العمل في مجموعات على الاستجابة لبعضها بعضاً، أو نقل الأوامر إلى أنظمة الأسلحة، أو إرسال البيانات البصرية والإلكترونية المعترضة، وفقاً للخبراء الذين استشهدت بهم “الفاينانشال تايمز” التي جاءت قراءتها بعد يوم واحد من تحذير قائد قوة الفضاء الأميركية من أن البلاد تواجه “عصراً جديداً” من التهديدات الآتية من خارج الأرض من روسيا أو الصين، وقال الجنرال برادلي تشاس سالزمان لشبكة “سي إن بي سي” وقتها، إن منافسي واشنطن يمكنهم استخدام الليزر وأجهزة التشويش التي تتداخل مع الكاميرات لمنع التقاط صور الاقمار الاصطناعية، كما أشار إلى أن روسيا اختبرت بالفعل صاروخاً مضاداً للأقمار الاصطناعية في أواخر عام 2021. وأضاف سالزمان في شهادة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن الجيش الصيني نشر 147 قمراً اصطناعياً بما في ذلك 35 قمراً جرى إطلاقها بهدف مراقبة وتتبع واستهداف ومهاجمة القوات الأميركية في أي صراع أو حرب مستقبلية. والشاهد أنه لم يكن الأميركيون فقط من حذر من تطوير الصين قدراتها الإنترنتية والصاروخية الفضائية، إذ حذر رئيس الأمن السيبراني البريطاني قبل فترة أيضاً من أن الصين تهدف إلى تحقيق “التفوق الإلكتروني العالمي” في الفضاء الإلكتروني، وتستخدم قدراتها السيبرانية لإجراء حملات استخبارية ومراقبة. وأضافت ليندي كاميرون مديرة المركز الوطني للأمن السيبراني، وهو جزء من وكالة التجسس البريطانية “أن الصين لا تسعى فقط إلى المساواة مع الدول الغربية، بل إنها تهدف أيضاً إلى التفوق التكنولوجي العالمي”.
فهل يعني ذلك أن الغرب لا سيما الولايات المتحدة باتت بالفعل تشعر بنوع من القلق الظاهر من تقدم الصين على صعيد الفضاء الخارجي وتسليحه تكنولوجياً بنوع خاص؟
في مخاوف شركات الإنترنت الأميركية
هل بدأت شركات الإنترنت الفضائية الأميركية تخشى بالفعل من التهديد التنافسي الصيني؟
الجواب نجده في تقرير مهم صدر عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” في واشنطن، وفيه أنه يتوجب على الحكومة الأميركية أن “تسن سياسات وحوافز للحفاظ على قدرة الشركات الأميركية على المنافسة على المستوى الدولي” وبخاصة في مواجهة الصين. وتقول الدراسة، التي مولتها شركتا النطاق العريض عبر الأقمار الاصطناعية “أماوزن كويبر” و”سبيس إكس”، إن القضايا الاقتصادية والتنظيمية تخلق ضغوطاً تنافسية على الصناعات الأميركية. ويضيف التقرير “مع استمرار الصين في تعزيز طموحاتها في مجال شبكة النطاق العريض الخاصة بها في المدار الأرضي المنخفض، التي قد تقع في مكان ما في المنطقة الرمادية بين التجارية والحكومية، فإن الولايات المتحدة قد تفقد ميزتها التنافسية”. على أن أهم ما تضيفه هذه الدراسة هو أن الصين “تبني أنظمة مدار أرضي منخفض لاستخدامها الخاص، لكنها تخطط لتقديم خدمات عبر دول في آسيا وأميركا الجنوبية وأفريقيا ليست لديها بنية تحتية واسعة النطاق للإنترنت، وحيث تتنافس الشركات الأميركية على الأعمال، وتستغل الصين مبادرة الحزام والطريق لزيادة حصتها في السوق لمجموعات أقمارها المدارية المنخفضة”.
التقرير يؤكد أنه “يتعين على قادة الولايات المتحدة أن يهدفوا إلى زيادة القوة الناعمة في جميع أنحاء العالم من خلال العمل مع الشركات التجارية القادرة على تشغيل مجموعات الإنترنت ذات النطاق العريض بنجاح. ومع الوجود الاقتصادي القوي للصين في عدد من البلدان الشريكة في مبادرة الحزام والطريق، فإنها في وضع يسمح لها بالتفاوض على التنازلات التنظيمية لنظام المدار الأرضي المنخفض الوطني الخاص بها مع تثبيط الخدمات التجارية الأميركية”. ويؤكد التقرير “أنه بسبب التكاليف الضخمة اللازمة لبدء ونشر مجموعة أقمار اصطناعية في مدار أرضي منخفض، التي تقدر بما يتراوح بين 5 و10 مليارات دولار، فإن الشركات الأميركية تحتاج إلى ممارسات تنظيمية أكثر مرونة حتى تتمكن من المنافسة دولياً”.
هل أحلام وربما أطماع الصين في الفضاء واسعة إلى الحد الذي يقض مضاجع الأميركيين عما قريب؟
المعروف أن الصين كانت تقدمت بطلب إلى الاتحاد الدولي للاتصالات لتشغيل أسطول من الأقمار الاصطناعية، يضم 12992 قمراً اصطناعياً في مدار أرضي منخفض. هنا يشير تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أن مشروع “سات نت” الذي تموله الصين يخطط لإنشاء مركز فضائي لإنتاج الأقمار الاصطناعية ومركبات الإطلاق القاتلة لإعادة الاستخدام، ومعنى ذلك أن “سات نت” ستكون جزءاً أساسياً من الهدف السياسي للصين المتمثل في أن تصبح رائدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة في جميع أنحاء العالم.
عطفاً على ما تقدم صدر تقرير آخر عن “لجنة مراجعة الأمن الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين”، يلقي نظرة فاحصة على الأسلحة الفضائية الصينية المزدهرة، لا سيما المصممة لمهاجمة أقمار الإنترنت الأميركية.
وحصلت صحيفة “واشنطن بوست” على نسخة من هذا التقرير، جاء فيه أن “الصين تسعى إلى الحصول على مجموعة واسعة وقوية من القدرات الفضائية، التي تشمل صواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية ذات الارتفاع المباشر، وأنظمة مضادة للأقمار الاصطناعية تدور حول مدارات مشتركة، وعمليات شبكات الكمبيوتر، وأجهزة تشويش الأقمار الاصطناعية، وأسلحة الطاقة الموجهة”.
ويقول التقرير “في حال اندلاع حرب ستنشر بكين محاربيها السيبرانيين وأسلحتها السيبرانية لتعطيل الاتصالات الأميركية في الفضاء من خلال محاولة شن هجمات على شبكات الكمبيوتر ضد الأقمار الاصطناعية الأميركية والمرافق الأرضية التي تتفاعل مع هذه الأقمار”. وإذا نجح مثل هذا الهجوم، فقد يؤدي إلى تقويض قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على التفوق المعلوماتي في أي صراع، ويعتقد المحللون الصينيون أن الولايات المتحدة تعتمد على الأقمار الاصطناعية في جمع ما بين 70 في المئة و80 في المئة من معلوماتها الاستخبارية، وفي 80 في المئة من اتصالاتها، ومن السهل أن نفهم على هذا النحو لماذا تستثمر الصين بكثافة في تطوير القدرات المضادة للأقمار الاصطناعية.
هل يمكن أن يخسر “البنتاغون” سباق التسلح الإنترنتي الفضائي؟
في الوقت الراهن تعمل الأقمار الاصطناعية الأميركية من خلال ارتفاع مداري يبدأ من 1000 كيلومتر، ويرتفع إلى 36 ألف كيلومتر، مما يمكن أن يشكل بالفعل تحدياً كبيراً جداً لقدرات الصين على مهاجمة الأقمار الاصطناعية العسكرية الأميركية، لكن على رغم ذلك فإن الزخم الكبير الذي تجده الصناعات الفضائية الصينية، يمكن وبسرعة زمنية أن يقلص من الفارق بين الجانبين، مما يمكن أن يعرض الولايات المتحدة بالفعل إلى الخطر الساحق الماحق في مدى زمني منظور، لا سيما أن الترسانة العسكرية الصينية تتطور بسرعات هائلة.
هل من جزئية ذات بعد أيديولوجي تزعج الغرب بصفة عامة من امتلاك الصين تكنولوجيا إنترنتية فضائية متقدمة؟
الإنترنت كيف يخدم الديكتاتورية؟
لا تزال أميركا تنظر للصين على أنها دولة ديكتاتورية، تمارس أنواعاً مختلفة من القمع ضد سكانها، كما تؤثر تأثيراً مباشراً في الدول التي تدور في فلكها السياسي. في هذا الإطار تؤكد دراسة أجرتها مؤسسة “كارنيغي” للسلام العالمي أن بعض الأنظمة الاستبدادية، بحسب وصفها، نجحت في السيطرة على شبكات الإنترنت، التي غالباً ما تعتبر وسيلة لترويج الديمقراطية، واستخدمها لمنافعها الذاتية.
واستخدمت دراسة “كارنيغي” كوبا والصين كنموذجين على الدول التي نجحت في السيطرة على الشبكة المعلوماتية عبر استراتيجيات مختلفة، ففي حين فرضت كوبا رقابة صارمة على طرق استخدام الإنترنت داخل حدودها، فإن الصين تعتمد منهجية “ضبط المضمون والمراقبة والردع والرقابة الذاتية” على ما جاء في الدراسة التي تقول في هذا الصدد “بسبب التشريعات الصارمة، فإن قسماً كبيراً من محتوى عدد من المواقع باللغة الصينية مضمون سياسياً، في حين أن مستخدمي منتديات المناقشة يخضعون للرقابة الذاتية. وعلى رغم أن بعض الناشطين المؤيدين للديمقراطية تمكنوا من استخدام الإنترنت في الصين، فإن الحكومة نجحت في إقفال مواقعهم، كما فعلت بالنسبة إلى موقع طائفة “فالو نغونغ” المحظورة، وإغلاق منافذ هذه المواقع في الخارج.
من جهة أخرى، شن نظام بكين “حملات دعائية” عبر الإنترنت للتأثير في الرأي العام الداخلي والدولي.
فهل العالم على موعد مع فصل جديد من فصول المواجهة المسلحة لكن بأدوات مغايرة؟