حرية ـ (25/3/2025)
شهدت الشهور القليلة الماضية عمليات تحوط نفذها بعض أثرياء العالم المشاهير تحسباً لتقلبات محتملة في النظام المالي العالمي، أبرزها وصف الثري الشهير روبرت كيوساكي الدولار بأنه “عملة مزيفة”، والمصرفيين بأنهم “مجرمين”. أما عراب أوماها الثري وارن بافيت فقد حول أكثر من 8 مليارات دولار من محفظة الأسهم الخاصة بشركته “بيركشاير” إلى سيولة نقدية. وفي الشرق الأوسط، قام الثري المصري نجيب ساويرس بتحويل 50 في المئة من ثروته إلى ذهب.
تحذيرات من أزمة
وكان كيوساكي قد أطلق تحذيراً في 20 شباط/ فبراير الماضي بشأن اقتراب “انهيار عملاق” في الأسواق العالمية سيضرب جميع الأصول الكبرى، بما في ذلك الأسهم والسندات والعقارات والذهب والفضة وحتى البيتكوين. وكشف في تغريدة على حسابه الرسمي بموقع “إكس” استراتيجيته لمواجهة الانهيار المرتقب: زيادة حيازته من الذهب الرقمي والذهب التقليدي والفضة. وفي 1 آذار/ مارس الجاري، توقع انهياراً للنظام المصرفي الأميركي، ونشر تغريدة عبر حسابه الرسمي يقول فيها: “ربما تكون البيتكوين عملة احتيال لكنها ليست عملية احتيال كبيرة مثل الدولار الأميركي والنظام المصرفي الأميركي”.
يتفق خبير أسواق المال ياسر عبدالرحمن غريب في تصريحات لـ”النهار” مع مخاوف كيوساكي بشأن اندلاع أزمة مالية عالمية، قائلاً: “هناك 4 مؤشرات تنذر بذلك: أولاً ديون الولايات المتحدة وعجزها التجاري البالغ 1,2 تريليون دولار في 2024 وديون الصين أيضاً، ثانياً اعتماد المنظومة المالية القائمة على الثقة المفرطة بأن الأصول الدولارية آمنة، لكن البنوك المركزية والمؤسسات وحتى الأسر بدأت بالفعل ببيع الأصول الدولارية وشراء الذهب بسبب تزايد عدم الثقة بسلامتها، وثالثاً زيادة التشكيك في صدقية التصريحات عن مخزون الذهب الاستراتيجي لدى أميركا في قلعة فورت نوكس، ورابعاً ما يتردد عن خطة إعادة تقييم الدولار أمام الذهب (ما يعني إضعاف الدولار عمداً)، وهي خطة اتفاقية الرئيس دونالد ترامب الجريئة لإعادة تشكيل طريقة تعامل الولايات المتحدة التجارية مع باقي دول العالم، ما يساعد المصدرين الأميركيين على التنافس مع نظراء آخرين في دول مثل الصين واليابان.
https://www.instagram.com/reel/DHnPaC3sabU/?utm_source=ig_web_copy_link
خبير: زعزعة الدولار تتطلب سنوات طوال
يقول الخبير المصرفي زكريا صلاح لـ”النهار” إن تطور تعامل الأفراد مع العملات بدأ بإصدارها في مقابل غطاء من الذهب ثم بعد ذلك من خلال فرض التعامل بها بالقانون، “بالتالي يتم التعامل بقوة الإبراء القانوني ثم بمرور الوقت أصبح التعامل بالعملات من خلال ما يعرف بالقبول العام، متجاهلين مسألة الغطاء الذهبي أو قوة الإبراء القانوني”، مشيراً إلى وجود محاولات لزعزعة الثقة في الدولار وتقليل الاعتماد عليه من بعض الدول وعلى رأسها روسيا، ومن خلال تحالف “بريكس” وتسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية والصفقات المتكافئة، “إلا أن الدولار سيظل محتفظاً بقوته ومكانته كعملة رئيسية إضافة الى إعلان ترامب أنه سيعاقب الدول التي تحاول هز عرش الدولار”، على حد قوله.
وعدد الخبير المصرفي أسباب القلق من نشوب أزمة مالية عالمية، قائلاً: “لا شك في أن قرارات ترامب وأحاديثه وتعامله مع العديد من الملفات بشكل مبالغ فيه وفرضه للرسوم الجمركية، سيكون لها تأثير كبير على أسواق المال وتوجه الاستثمارات ورؤوس الأموال، والمؤكد أن الذهب سيظل الملاذ الآمن مع استمرار عدم الاستقرار السياسي”.
وتابع: “أن البيانات أكدت أن البنوك المركزية اشترت أكثر من 1000 طن من الذهب خلال العام الماضي، وخلال الشهرين الماضيين شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب تدفقات صافية ضخمة وافدة بلغت 9,4 مليارات دولار بواقع 100 طن، وهو أقوى صافي تدفقات مسجل منذ آذار/مارس 2022، بقيادة الصناديق المدرجة في الولايات المتحدة وآسيا، كما يتداول أكثر من 165 مليار دولار من الذهب يومياً، وفق بيان مجلس الذهب العالمي”.
وطرح صلاح 5 أسباب تدعو الى القلق من اندلاع أزمة مالية محتملة:
1- “الاطماع التوسعية في الشرق الأوسط.
2- عدم التوصل الى ترتيبات لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية.
3- حالة التردد من جهة البنوك المركزية في ما يتعلق باتجاهات أسعار العائد والتعامل مع ظروف التضخم.
4- عدم ارتياح الدول في ما يتعلق بسلاسل الامداد.
5- احتمال إعادة النظر في اتفاق الغات (اتفاق خاص بتخفيف القيود التجارية بين الدول) بسبب تهديدات ترامب المستمرة بفرض الضرائب الجمركية”.
3 سيناريوهات لمستقبل الاقتصاد العالمي
كذلك تحدث عمرو وهيب، خبير أسواق المال وعضو مجلس إدارة شركة كايزن للاستشارات المالية الى “النهار”، راسماً 3 سيناريوهات محتملة للاقتصاد العالمي: “الأول متفائل بما سيحدث في المستقبل بالاقتصاد العالمي بأن تتدخل الحكومات وتتم السيطرة على التضخم ويتباطأ الركود من دون انهيار كبير كما هو متوقع لدى البعض، والثاني متشائم تحدث فيه أزمة مالية عالمية، تنتج فقداناً للثقة بالدولار مع انخفاض حاد في قيمة الأصول، والثالث انتقالي بحيث يكون هناك تحول تدريجي نحو نظام مالي متعدد العملة مع دور أكبر للذهب والعملات الرقمية المشفرة، بحيث نرى أن هناك العديد من دول العالم تدعم العملات الرقمية بقوة وتمنحها القوة”.
وأضاف : “بناء على ما سبق، لا يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نجزم بحدوث انهيار شامل للاقتصاد العالمي، لكن ستكون هناك علامات خطر واضحة، والتحوط ضروري، لذلك قد يكون الاستثمار في الأصول الملموسة مثل الذهب والفضة والمعادن الثمينة، مع توزيع الاستثمارات بحكمة وذكاء وقراءة جيدة جداً للأحداث السياسية والجيوسياسية ومجرياتها عالمياً، خطوة ذكية لمواجهة أي أزمة مقبلة”.