حرية ـ (27/3/2025)
تحوّل قطاع التجارة الإلكترونية في العراق إلى محور جدل واسع بعد صدور قرار حكومي يشترط على العاملين فيه الحصول على إجازة عمل رسمية من وزارة التجارة، إذ رأى فيه كثير من الشباب وأصحاب المشاريع الناشئة تهديدًا مباشرًا لاستمرارية أعمالهم، خصوصًا في ظل غياب بنية رقمية داعمة وتعقيد الإجراءات الحكومية. ويخشى أصحاب المتاجر الإلكترونية من أن يتحول قرار الإجازة إلى بوابة جديدة للبيروقراطية، وسط مخاوف من فرض رسوم باهظة أو اشتراطات إدارية معقدة قد تعرقل عمل المشاريع الصغيرة، لاسيما تلك التي يديرها أفراد أو عائلات من منازلهم. ينص القرار الجديد الذي أصدره مجلس الوزراء مؤخرًا، على إلزام جميع الممارسين للتجارة الإلكترونية بالحصول على إجازة رسمية من وزارة التجارة، مع منح الأخيرة صلاحيات المتابعة والرقابة وفرض العقوبات على المخالفين، ضمن ما وصف بأنه أول محاولة حكومية لتنظيم هذا القطاع الذي ظل خارج الأطر القانونية لسنوات طويلة.
ويشترط النظام على التاجر الإلكتروني توفير بيانات دقيقة للزبائن قبل إتمام أي عملية شراء، تتضمن وصف المنتج، وسياسة الدفع والاستبدال، والمدة القصوى للتوصيل، إضافة إلى الرد على الشكاوى خلال فترة محددة، وهي متطلبات قد تشكل عبئًا إضافيًا على أصحاب المتاجر الصغيرة التي تفتقر للكوادر أو الأنظمة المتخصصة.
إطار تنظيمي لكنه مقلق
بدوره، أكد الباحث في الشؤون المالية والمصرفية، مصطفى حنتوش أن «القرار رقم (4) لسنة 2025 سيوفر إطارًا رسميًا لإدارة التجارة الإلكترونية، إذ سيتم تسجيل التجار إلكترونيًا، ما يمنحهم حقوقًا قانونية واضحة، وفي الوقت ذاته يفرض عليهم التزامات محددة».
وأضاف حنتوش أن “الأموال الناتجة عن هذه الأنشطة ستعد مصدر دخل مشروعًا، ما يعزز الاعتراف الرسمي بها”، لافتًا إلى أن “هذا النظام يركز على تنظيم العمليات التجارية الإلكترونية، دون أن يكون مرتبطًا بشكل مباشر بآليات التحويل المصرفي التقليدية». وأضاف حنتوش أن “إطلاق المنصة رسميًا سيمثل خطوة مهمة لتنظيم هذا القطاع، عبر توفير بيئة آمنة وموثوقة للمعاملات المالية والتجارية، ما يسهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي في البلاد». وتساءلت أوساط مختصة عن مدى جاهزية الدولة فعليًا لتطبيق هذا النظام، في ظل غياب بنية تحتية رقمية متكاملة تتيح مراقبة الأنشطة التجارية الإلكترونية بطريقة دقيقة ومنظمة، فضلاً عن عدم توفر قاعدة بيانات تربط الجهات الرقابية بالحسابات النشطة على مواقع التواصل. كما أبدت تلك الأوساط قلقها من ضعف أدوات الرصد وآليات المتابعة، في وقت تنتشر فيه آلاف الحسابات التجارية غير الموثقة على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، ما يطرح علامات استفهام حول قدرة الجهات الرسمية على الوصول إليها أو فرض الالتزام بالقانون الجديد دون تمييز أو استثناءات.
خطوة إيجابية
من جهته، وصف خبير التسويق الإلكتروني، سلام محمد خطوة الحكومة في تنظيم عمل التجارة الإلكترونية بأنها «إيجابية»، لما توفره من إطار قانوني يحمي التجار ويمنحهم حقوقًا واضحة، إلا أنه حذر من مخاوف لدى التجار بشأن الضرائب والإجراءات المرتبطة بالتسجيل في المنصة الخاصة بالتجارة الإلكترونية. وأوضح محمد أن “التجار يخشون أن يؤدي هذا التنظيم إلى فرض ضرائب قد تثقل كاهلهم، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية” مشيرًا إلى أن “التجار الصغار الذين يديرون أعمالًا متقطعة من منازلهم، مثل الخياطة وبيع المواد المنزلية، قد يواجهون صعوبة في الامتثال للإجراءات الحكومية المطلوبة للتسجيل، ما قد يدفعهم إلى عدم الانضمام للمنصة”. وأضاف أن “التجارة الإلكترونية في العراق ما زالت في مراحلها الأولية، وأي تنظيم يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة السوق المحلية، بحيث لا يكون عائقًا أمام صغار التجار، بل يوفر بيئة مرنة تشجعهم على العمل بشكل رسمي دون أن تشكل عليهم عبئًا ماليًا أو إداريًا كبيرًا».
وتشير تقديرات إلى أن حجم التجارة الإلكترونية في العراق تجاوز 3 مليارات دولار سنويًا، مع تسجيل ما بين 500 إلى 600 ألف طلب يوميًا، ما يعكس ازدهارًا واضحًا لهذا القطاع في السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا التي دفعت آلاف الشباب نحو تأسيس مشاريع رقمية فردية عبر منصات التواصل الاجتماعي. ويقدّر عدد البائعين العاملين عبر الإنترنت بنحو 40 ألف شخص، يستخدمون منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك لعرض منتجاتهم، في ظل غياب منصة رسمية موحدة تنظم هذه الأنشطة، بينما تتوقع دراسات عالمية أن تصل إيرادات التجارة الإلكترونية في العراق إلى 4.3 مليارات دولار بحلول عام 2025.