حرية ـ (27/3/2025)
رغم إعلان هزيمته العسكرية في العراق وسوريا عام 2019، لم يختفِ تنظيم داعش الإرهابي، بل أعاد تشكيل نفسه في صورة أكثر تعقيدًا، متبنّيًا استراتيجية تعتمد على التنظيمات الفرعية التي تنتشر في مناطق مضطربة حول العالم.
وحسب خبراء وتقارير استخباراتية غربية، فإن التنظيم لا يزال يشكل تهديدًا عالميًا، حيث نفذت جماعاته المتفرعة هجمات مدمرة خلال العام 2024، من إيران وروسيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا وإفريقيا.
ولكن السؤال الأبرز هو: كيف يستمر التنظيم في تمويل عملياته رغم خسائره الكبيرة؟
وحسب المحلل الأمني أدريان شتوني، فإن “داعش أصبح أكثر تعقيدًا وصعوبة في مواجهته كمنظمة لا مركزية مقارنةً بفترة دولته المزعومة، حيث لم يعد له كيان واحد يمكن استهدافه عسكريًا”.
هجمات دامية حول العالم
أثبت التنظيم وفروعه وجوده خلال العام الماضي عبر هجمات دموية، منها:
- يناير 2024 : تفجيران انتحاريان في مدينة كرمان جنوب إيران، أسفرا عن مقتل نحو 100 شخص.
- مارس 2024: هجوم مسلح وحرق متعمد في قاعة “كروكوس سيتي هول” قرب موسكو، خلّف 145 قتيلًا.
- أغسطس 2024: تفجير انتحاري في مقديشو بالصومال أودى بحياة 20 شخصًا على الأقل، وطعن عدة أشخاص في مهرجان بألمانيا أسفر عن 3 قتلى.
- الولايات المتحدة: في 1 يناير، دهس مهاجم مستوحى من التنظيم حشودًا في نيو أورلينز، مما أسفر عن 14 قتيلًا وعشرات الجرحى.
وفقًا لبيانات شركة “دراغون فلاي” الاستخباراتية، نفذ التنظيم وفروعه نحو 600 هجمة سنويًا في المتوسط خلال السنوات الثلاث الماضية، بانخفاض عن 770 هجمة سنويًا في السنوات الثلاث السابقة، لكن الهجمات أصبحت أكثر دمويةً بنسبة زيادة 40 بالمئة في عدد الضحايا لكل هجمة.
مناطق نفوذ داعش الجديدة
أصبحت أفريقيا وآسيا الوسطى مركزًا جديدًا لنشاط داعش، حيث تنشط الفروع التالية بشكل ملحوظ:
- داعش-ولاية خراسان (ISKP): يوسّع نفوذه خارج أفغانستان، مستقطبًا مقاتلين من طاجيكستان وأوزبكستان.
- داعش-الصومال (ISS): يستغل الفوضى السياسية في الصومال، ويجنّد مقاتلين من إثيوبيا والسودان وتنزانيا.
- داعش-غرب أفريقيا (ISWA): يهيمن على منطقة بحيرة تشاد، ويعد أحد أخطر التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل.
مصادر التمويل.. كيف يحافظ داعش على استمراريته؟
لم يعد تنظيم داعش يعتمد على عائدات النفط كما كان في السابق خلال فترة نفوذه في سوريا والعراق، بل أصبح يعتمد على أساليب غير تقليدية لتمويل عملياته، أبرزها:
- الخطف مقابل الفدية: تعد عمليات الاختطاف من أهم مصادر الدخل لداعش، حيث يقوم باحتجاز مدنيين وأجانب والمطالبة بمبالغ ضخمة مقابل إطلاق سراحهم.
- الابتزاز والضرائب: في المناطق التي يسيطر عليها، يفرض التنظيم “ضرائب” على الشركات والمواطنين، مستغلاً خوف السكان من بطشه.
- النهب والسرقة: تستهدف الجماعات التابعة لداعش البنوك والشركات ونهب الأسواق المحلية لتمويل عملياتها.
- الاتجار بالبشر: لا يزال داعش يشارك في شبكات الاتجار بالبشر، خاصة في مناطق مثل إفريقيا وسوريا.
- العملات المشفرة: تطور داعش في استخدام العملات الرقمية مثل البيتكوين لنقل الأموال بسرية تامة بعيدًا عن أعين أجهزة المخابرات الدولية.
- الدعم الخارجي: رغم عدم وجود أدلة رسمية، تشير تقارير استخباراتية إلى تلقي داعش تمويلًا من متبرعين مجهولين في دول مختلفة.
ويشكّل آلاف مقاتلي داعش المعتقلين في سوريا تهديدًا مستقبليًا، حيث حذّر قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا من أن هؤلاء السجناء يمثلون “جيش داعش داخل المعتقل”، وأن أي هروب جماعي يمكن أن يسبب أزمة أمنية جديدة في المنطقة.
كما أن أحد أخطر تحولات داعش هو اعتماده المكثف على الإنترنت، حيث يؤكد خبراء أن التنظيم يستغل وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات المشفرة للترويج لأيديولوجيته، وتجنيد مقاتلين جدد، وجمع التبرعات.
ثغرات استراتيجية
ورغم استمرار الضربات الجوية على معاقل داعش، لا تزال هناك ثغرات خطيرة في استراتيجية مكافحة الإرهاب:
فانسحاب قوات التحالف الدولي من أفغانستان خلق “فراغًا استخباراتيًا” استغلته داعش-خراسان.
كما أن انسحاب فرنسا من الساحل الإفريقي أدى إلى تنامي قوة داعش-غرب إفريقيا، في ظل تحالف الدول المتضررة مع روسيا لتعويض الفراغ الأمني.
وبالنسبة لسوريا والعراق، فهما لا يزالان نقطة ضعف، حيث تشير التقديرات إلى أن التنظيم لديه احتياطات مالية تتراوح بين 10 إلى 20 مليون دولار في المنطقة، حسب تقرير نشره موقع “راديو أوروبا الحرة”.
ووفقًا لتقديرات المحلل الأمني كولين كلارك، فإن داعش يركز حاليًا على تنفيذ هجمات ضخمة في أوروبا والولايات المتحدة لاستعادة زخم التنظيم، حيث أظهرت الهجمات الأخيرة في موسكو وألمانيا ونيو أورلينز بأميركا أن التنظيم لا يزال نشطًا، وقادرًا على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خارج مناطق نفوذه التقليدية.