حرية ـ (27/3/2025)
عندما فقدت ليو شينغ قطها المحبوب بعد 15 عاماً من رفقته، لم تستطع تحمل فكرة الحياة من دونه، وبدلاً من توديعه للأبد لجأت إلى العلم.
وبعد إنفاقها ما يقارب 140 ألف يوان (14941 جنيهاً إسترلينياً) في استنساخ قطها “تومكات”، استقبلت نسخة شبه متطابقة من حيوانها الأليف الراحل وأطلقت عليه اسم “ليتل تومكات”، وقالت لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” إن “الأمر كان يستحق كل بنس دفعته”.
وهذا ليس موقف ليو شينغ وحدها، إذ يتجه عدد متزايد من مالكي الحيوانات الأليفة في الصين إلى الاستنساخ كوسيلة لإطالة أمد علاقاتهم مع رفاقهم ذوي الفراء، وكانت فكرة استنساخ الحيوانات الأليفة في السابق تقتصر على قصص الخيال العلمي إلا أنها أصبحت الآن عملاً تجارياً راسخاً، مدفوعاً بالارتباطات العاطفية العميقة والتكنولوجيا الحيوية المتقدمة وسوق الحيوانات الأليفة الذي يتوسع بمعدل غير مسبوق.
يتزامن انتشار استنساخ الحيوانات الأليفة في الصين مع طفرة غير مسبوقة في تربية الحيوانات الأليفة، فبحسب صحيفة “غلوبال تايمز” بلغ حجم سوق مستلزمات الحيوانات الأليفة في المناطق الحضرية في البلاد العام الماضي رقماً مذهلاً مقداره 300.2 مليار يوان (32 مليار جنيه إسترليني)، مسجلاً زيادة بنسبة 7.5 في المئة مقارنة بالعام السابق، كما ارتفع عدد الحيوانات الأليفة في المناطق الحضرية إلى 124 مليوناً، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر إذ يتوقع أن يصل حجم السوق إلى 400 مليار يوان (42.6 مليار جنيه إسترليني) بحلول عام 2027، وفقاً للتقرير السنوي لصناعة الحيوانات الأليفة في الصين 2025.
وعلى رغم جهود الحكومة الرامية إلى رفع معدل الخصوبة في البلاد فإن الحيوانات الأليفة تفوق الآن من حيث العدد الأطفال الصغار في الصين، فخلال عام 2024 كانت الحيوانات الأليفة في الصين أكثر عدداً بصورة رسمية من الأطفال دون سن الرابعة، بحسب تقرير صادر عن “مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأميركية” (غولدمان ساكس) نقلته “وكالة أنباء شينخوا”، وقدّر التقرير أن واحداً من كل ثمانية من سكان المناطق الحضرية في الصين يملك حالياً حيواناً أليفاً، مما يُبرز التغيرات الديموغرافية وتفضيلات نمط الحياة في البلاد.

موظفو مختبر يفحصون كلبة أم بديلة بواسطة جهاز الموجات فوق الصوتية في شركة سينوجين الصينية
وأشار ليو شياوكسيا، وهو نائب الأمين العام لفرع صناعة الحيوانات الأليفة في جمعية الزراعة الحيوانية الصينية، إلى الطبيعة المتغيرة للهوايات الصينية وأنماط الإنفاق والتغيرات الديموغرافية وارتفاع الدخل المتوافر بين أيدي سكان المناطق الحضرية، على أنها وراء ارتفاع عدد الحيوانات الأليفة.
وذكر ليو لصحيفة “غلوبال تايمز” أنه “في السابق كان الناس يربون الحيوانات الأليفة لحراسة المنازل أو لأغراض عملية أخرى، أما اليوم فقد أصبحت تلعب أدواراً أكثر إنسانية، إذ تقدر على أساس التفاعل العاطفي والصحبة، وهذا الاندماج العميق في الحياة اليومية أدى أيضاً إلى نمو استهلاكي هائل.”
ومع ذلك فإن استنساخ حيوان أليف ليس بالأمر الرخيص، إذ تتقاضى “سينوجين”، وهي إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال، نحو 40 ألف دولار أميركي (30946 جنيهاً إسترلينياً) في مقابل استنساخ قطة، و50 ألف دولار أميركي (38683 جنيهاً إسترلينياً) في مقابل استنساخ كلب، طبقاً لتقرير صادر عن صحيفة “نيكي آسيا”.
ويقدم موقع سينوجين الإلكتروني للعملاء فرصة “استعادة أصدقائك”، ويتعهد قسم متخصص باستنساخ الكلاب “بتقديم المساعدة لك في الحفاظ على روح رفيقك الكلب حية”.
وتشمل العملية أخذ عينة من جلد الحيوان الأليف الأصلي وإدخال حمضه النووي في بويضة متبرعة، ومن ثم زرع الجنين في رحم أم بديلة، والنتيجة توأم متطابق وراثياً يولد بعد أشهر أو حتى أعوام من موت الحيوان الأليف الأصلي.
وعلى رغم الكلفة الباهظة فإن الطلب عليها إلى ازدياد، وخلال الأعوام الأخيرة نالت المناقشات حول استنساخ الحيوانات الأليفة التي جرى بثها على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية أكثر من 460 مليون مشاهدة، مما يعكس فضولاً ونقاشاً عاماً مكثفاً.

أول قطة مستنسخة في الصين اسمها غارليك، في شركة سينوجين الصينية
وتوافر كثير من الشركات الآن هذه الخدمة، وغالباً ما يرى أصحاب الحيوانات الأليفة المستعدون لدفع الثمن المطلوب أن الاستنساخ يمثل أقصى درجات التفاني.
وفي حين يجري التسويق للاستنساخ كطريقة علمية “لجمع الشمل” [لشخص ما] مع حيوان أليف يفتقده، لكن هذه العملية لا تخلو من الجدل، فقد جادل ناشطون في ميدان حقوق الحيوان بأن الأمهات البديلات اللواتي يجري استخدامهن في الاستنساخ يتعرضن لمعاناة لا داعي لها، ويصفون هذه الممارسة بأنها قاسية وغير أخلاقية.
وتؤكد “سينوجين” أن عمليتها “تحافظ على جميع السمات الفريدة لكلبك التي تجعله بلا مثيل، بما في ذلك المزاج والذكاء والمظهر الجسدي”، بيد أن كثيرين تساءلوا ما إذا كانت الحيوانات الأليفة المستنسخة، على رغم تطابقها الجيني مع الأصلية، تتمتع بالفعل بشخصية وروح أسلافها الأصليين.
هوانغ يو، صاحب أول قط مستنسخ في الصين، غارليك، جرب هذا بنفسه، فعلى رغم تأكيد الحمض النووي أن غارليك الجديد نسخة جينية مطابقة تماماً للأصلي، لكن العلامات التي يحملها كانت مختلفة قليلاً، والأهم من ذلك أنه لم يتفاعل مع هوانغ كما كان غارليك الأصلي يفعل.
وقد اعترف هوانغ لصحيفة “سيكث تون” عام 2019 قائلاً إن “النمط الأساس لفرائه هو نفسه، غير أن بقعة الفرو الأسود المميزة على ذقنه اختفت”، مضيفاً أنه شعر “بخيبة أمل طفيفة” عندما رأى غارليك الجديد للمرة الأولى.
كما وقعت حوادث لوجستية، ففي إحدى الحالات أنتجت شركة من طريق الخطأ مجموعة كاملة من الجراء المستنسخة بدلاً من جرو واحد، وتبقى لدى المالك، ليانغ شوان، عدد من الكلاب المتطابقة، وهو أمر مفاجئ غير متوقع ومكلف.
وقال ليانغ لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” إنه “إما إن تفشل العملية أو أن ينتهي بك الأمر مع جيل كامل من الصغار”، وبالفعل فقد انتهى به الأمر إلى تبني جميع الحيوانات المستنسخة.
وبينما يجد بعضهم راحة في فكرة وجود رفيق مستنسخ، لا يزال آخرون يتساءلون عما إذا كانت النسخة الجينية قادرة على الحلول محل حيوان أليف محبوب، تتشكل شخصيته وذكرياته بصورة فريدة من خلال التجارب، ليبقى الجدل حول أخلاقيات الاستنساخ وفعاليته وعواقبه طويلة المدى بعيداً من الحسم.