حرية ـ (30/3/2025)
في يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، أُدين قائد كشافة سابق وناظر مدرسة سابق بارتكاب 54 جريمة جنسية ضد الأطفال، بعد أن أقر بالفعل بذنبه في 43 جريمة في جلسة استماع سابقة.
واستمعت محكمة تشيستر كراون إلى قضية ريتشارد بوروز الذي اعتدى بصورة ممنهجة على 24 صبياً صغيراً في الفترة ما بين 1968 و1995 في مناطق تشيشر، وغرب ميدلاندز وغرب ميرسيا.
ولكن هذه المحاسبة جاءت بعد 27 عاماً من الموعد المفترض لمثول بوروز – البالغ من العمر الآن 80 سنة – أمام المحكمة بعد اعتقاله في أبريل (نيسان) 1997. وبدلاً من حضور جلسة استماعه في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، هرب بوروز – الذي كان قد أُفرج عنه بكفالة – إلى الخارج منتحلاً هوية مسروقة لأحد معارفه وهو يُدعى بيتر سميث الذي يعاني من مرضٍ عُضال.
ولعقود من الزمن، عاش بوروز باسم “بيتر سميث”- مزوداً بجوازات سفر بريطانية متعاقبة باستخدام الاسم المسروق- في جزيرة فوكيت التايلاندية، ولم يكتفِ بالتهرب من العدالة فحسب، بل قيل إنه قدم نفسه في هويته الجديدة كبائع ناجح واحتك عبرها بقادة المجتمع والمسؤولين، حيث وصف أحد معارفه المتحرش بالأطفال سيئ السمعة بأنه كان “يعامل مثل كبار الشخصيات” من قبل المغتربين الغافلين عن حقيقته.
وقد تمكن من الإفلات على رغم المراجعات العديدة التي أجرتها الشرطة لقضيته، إضافة إلى أربعة نداءات من برنامج الخاص بالـ”بي بي سي” “كرايم ووتش” Crimewatch والذي بُث على التلفزيون الوطني واحتوى صوراً له جرى تحويرها رقمياً لإظهاره في هيئته المحتملة كرجل عجوز.
لكن هذه الجهود المكثفة لتعقب بوروز لم تؤت ثمارها- أي إلى أن أدت جهود جديدة في أبريل 2023 باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي ومعلومة من أحد المطلعين إلى اعتقاله في النهاية بعد نحو 11 شهراً.
وجاء في بيان صادر عن الشرطة أن التطور الإيجابي حدث أخيراً عندما استخدم المحققون من شرطة تشيشر “برنامجاً متخصصاً للبحث عن أي صور محتملة لبوروز على الإنترنت”.
وبعد البحث في مليارات الصور، وجد البرنامج تطابقاً مع رجل يستخدم اسم بيتر سميث في فوكيت “كان لديه اهتمام بالإبحار” وعمل سابقاً في شركة إعلانات في الجزيرة التايلاندية، حيث ظهر حتى في تقرير إخباري محلي عند تقاعده عام 2019، وفقاً لشرطة تشيشر.
وبمجرد التثبت من هويته، بدأ الضباط التحضير لعملية تسليمه إلى المملكة المتحدة. ولكن قبل أن تبدأ هذه العملية بشكل رسمي، أدرك المحققون أن بوروز كان ينوي العودة إلى المملكة المتحدة باستخدام هويته المسروقة.
ووفقاً للشرطة، قامت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة بعد ذلك بإبلاغ السلطات التايلاندية ومراقبة سفره إلى المملكة المتحدة، وقد جرى اعتقاله بمجرد هبوطه في مطار هيثرو في 28 مارس (آذار) 2024.
ويزعم تقرير في صحيفة “ديلي ميل” أن المحققين تلقوا معلومات عن نية بوروز العودة إلى المملكة المتحدة من قِبل أحد أقاربه.
وعند إلقاء القبض عليه، أفادت التقارير بأن المحققين عثروا على نسخة مطبوعة من رسالة بريد إلكتروني متبادلة بين بوروز وقريبه، أوضحت أن المتحرش بالأطفال قد شاهد نداءات برنامج “كرايم ووتش” للعثور عليه على موقع “يوتيوب” أثناء وجوده في تايلاند.
وتفيد التقارير بأن رسالة البريد الإلكتروني اختُتِمت بقول بوروز – الذي يُعتقد أنه أصيب بالسرطان ومشكلات في القلب – لقريبه “مرة أخرى، شكراً جزيلاً لك على مساعدتي للعودة إلى المملكة المتحدة بعد ما يقرب من 30 عاماً في الجنة”.
كما ذكرت صحيفة “ديلي ميل” أيضاً أن “البرنامج المتخصص” الذي استخدمه المحققون لمطاردة بوروز هو محرك البحث الجماعي للتعرف إلى الوجوه “بيم آيز” PimEyes الذي قاموا من خلاله بالبحث عن الصورة الجنائية بعد تعديلها رقمياً لتغيير ملامح بوروز مع تقدم العمر. وتواصلت “اندبندنت” مع الشرطة لتأكيد ذلك.
وقد أثار برنامج “بيم آيز” جدلاً في استخدامه بين قوات الشرطة، نظراً لأنه كمنصة على الإنترنت لا يخضع لنفس الضوابط التي تخضع لها أدوات التعرف الرسمية إلى الوجه والتي يقتصر استخدامها على قوائم مراقبة الأشخاص المطلوبين ويخضع لموافقة كبار الضباط.
وفي أبريل 2024 أفادت التقارير بحظر البرنامج على الإنترنت من قِبل شرطة العاصمة البريطانية (ميتروبوليتان)، بعد أن وجدت منظمة “ليبرتي” Liberty الحقوقية من خلال طلب حرية المعلومات أن القوة دخلت إلى المنصة الإلكترونية “بيم آيز” نحو 2337 مرة من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بها في غضون 90 يوماً فقط.
وعلى نطاق أوسع، كشفت بيانات وزارة الداخلية التي حصلت عليها منظمة ليبرتي في يناير (كانون الثاني) 2024 أن قوات الشرطة أجرت أكثر من 300 عملية بحث للتعرف إلى الوجه باستخدام قاعدة بيانات المملكة المتحدة التي تضم 46 مليون شخص من حاملي جوازات السفر البريطانية في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023 وحدها.

استخدمت الشرطة أداة لمطابقة ملامح الوجه بين “بيتر سميث” وريتشارد بوروز
في السنوات الأخيرة، جرى تشجيع قوات الشرطة أيضاً على استخدام تقنية التعرف إلى الوجه بشكل روتيني للبحث في قاعدة بيانات الشرطة الوطنية، والتي وفقاً لـ “ليبرتي” تحتوي على نحو 16 مليون صورة لأشخاص اعتُقلوا- بما في ذلك مئات الآلاف الذين لم تُوجَه إليهم تهم أو بُرِئوا من ارتكاب جريمة.
ويجادل قادة الشرطة بأن استخدام برنامج التعرف إلى الوجه يسرع التحقيقات ويوفر وقت الضباط، ويشيرون إلى استطلاع للرأي أجرته “يوغوف” عام 2023، حيث قال 57 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إنهم يؤيدون إلى حد ما أو يؤيدون بشدة استخدام الشرطة للتكنولوجيا في الأماكن العامة، بينما عارض 28 في المئة ذلك.
في حالة بوروز، قالت المفتشة إليانور أتكينسون في أعقاب الحكم الصادر إنها تأمل بأن تكون قضيته “بمثابة تحذير لأي مشتبه فيهم آخرين مطلوبين- ودليل على أنه مهما طال اختباؤك سنجدك ونحاسبك”.
وقد وقعت جرائم بوروز المرتكبة في تشيشر بين عامي 1969 و1971 عندما كان يعمل مديراً لمنزل لرعاية الأطفال المعرضين للخطر في دار دانيسفورد للأطفال في كونغلتون.
كما كان ضحاياه في منطقتي وست ميدلاندز ووست ميرسيا جميعهم من الصبية الصغار الذين تعرضوا للاعتداء في الفترة ما بين 1968 و1995، ومعظمهم من خلال مجموعات الكشافة المحلية التي عمل بوروز قائداً فيها.
وفي كل حالة، قالت الشرطة إن بوروز أقام صداقات مع الضحايا من خلال استغلال منصبه الذي كان يحظى بثقتهم واهتماماتهم الشخصية، مثل الاتصالات اللاسلكية أو ركوب القوارب. وبعد اكتساب ثقتهم، وفي كثير من الحالات ثقة عائلاتهم، قام بوروز بعد ذلك بالاعتداء الجنسي على الصبية.
لم يكن لدى العديد من الضحايا الثقة للإفصاح عن جرائمه في دور ومؤسسات أخرى للأطفال إلا في التسعينيات، بعد الكشف عن جرائم في دور ومؤسسات أخرى للأطفال، وأطلقت شرطة تشيشر تحقيقاً واسع النطاق عام 1994.
وقالت السيدة أتكينسون “بعد توجيه التهم الأولية له عام 1997، كان بوروز يعلم أنه مذنب ولكن بدلاً من مواجهة عواقب أفعاله، تصرف بجبن وهرب من البلاد مستخدماً هوية مسروقة من رجل مريض”.
وأضافت “في رسائل البريد الإلكتروني التي عثرنا عليها منذ اعتقاله، وصف بوروز كيف أمضى العقود الثلاثة الماضية ’يعيش في الجنة‘، بينما بقي ضحاياه يعانون وهم يحاولون إعادة بناء حياتهم”.
وختمت “لحسن الحظ، وبفضل إصرارنا، دفع أخيراً ثمن أفعاله وهو الآن خلف القضبان حيث ينبغي أن يكون”.